icon
التغطية الحية

لماذا أصبح السوريون أكثر عرضة للإصابة بالفطر الأسود؟

2021.11.19 | 09:57 دمشق

m4dkh.jpeg
صورة تعبيرية (إنترنت)
تلفزيون سوريا - نور عويتي
+A
حجم الخط
-A

يعود انتشار الفطر الأسود في مناطق سيطرة النظام، إلى عدم تعاطي المسؤولين بجدية مع المرض، بينما يتهمون وسائل الإعلام بالتضخيم والمبالغة في التعاطي مع ارتفاع أعداد الإصابات، حيث تتوالى تصريحات المسؤولين المطمئنة للمواطنين بالتأكيد على أن مرض الفطر الأسود ليس بالوباء المنتشر مثل الكورونا، ويؤكد المسؤولون التابعون لحكومة النظام أن هذا المرض لا يصيب سوى الأشخاص ذوي المناعة المنخفضة ومن يعانون من أمراض مزمنة فقط، بهدف إيهام المواطنين بأنهم في أمان.
وإلى اليوم لا تزال المنظومة الصحية التابعة للنظام غير قادرة على إيجاد حلول مع ازدياد إصابات كورونا وتفشي متحور "دلتا" في البلاد، خاصةً أن اللقاحات التي استوردتها سوريا من الصين وروسيا غير معترف بفعاليتها عالمياً. لذا فإن تفشي الفطر الأسود في الوقت الحالي جاء ليزيد الطين بلة.

مرض الفطر الأسود

بحسب الدكتور نائل حريري المتخصص بالأمراض المعدية والأوبئة: "الفطر الأسود هو نوع من الفطريات في الأتربة والنباتات والخصراوات والفواكه الفاسدة، وهذه الفطريات موجودة بالبئية بشكل عام ولا تشكل أذى للإنسان، لأن مناعة الجسم البشري قادرة على التعامل معها، إلا أن الخطورة تكمن بأن هذه العدوى تكون انتهازية وممرضة في حال انخفاض المناعة".
ويضيف لموقع تلفزيون سوريا: "لذلك كنا نرى أن هذا النوع من الفطور قد يصيب الأشخاص الذين يعانون من مرض السكري ونقض المناعة المكتسبة (الإيدز) والسرطان، لأن الأدوية المستخدمة في علاح السرطان تقضي على المناعة. وبعد جائحة كوفيد-19 بدأ الفطر الأسود يظهر كمشكلة حقيقية لأن جزءاً من علاج كوفيد كان الكورتزون الذي يقوم بتخفيض مناعة الجسم؛ فالمشكلة الأساسية ليست بكيفية نشوء الفطر وأماكن وجوده، وإنما بتراكم الأزمات الصحية التي خفضت مناعة الإنسان وجعلته يتحول لعدوى قاتلة".
ويوضح حريري: "في سوريا تجتمع كل تلك العوامل التي قد تحول الفطر الأسود إلى عدوى قاتلة، على غرار ما شهدناه في الأشهر الماضية في الهند؛ فالمناخ في سوريا لا يساعد على بناء مناعة ذاتية، والنسبة الأكبر من الأشخاص في سوريا لم يأخذوا لقاحاً فعالاً ضد فيروس كورونا، إضافة إلى أن عدداً كبيراً من الأشخاص أصيبوا بالعدوى دون أن يعلموا لعدم توافر اختبارات "PCR"، ليكون غالبية السكان ذا مناعة ضعيفة وعرضة للإصابة بالفطر الأسود بسبب إصابتهم السابقة بفيروس كورونا ووجودهم في هذا المناخ، حيث يعاني الناس من ارتفاع سعر الفتيامينات والمواد الغذائية التي تسهم عادةً بتحسين المناعة، ويعانون من الظروف البيئية السيئة بسبب تراكم القمامة وعدم توافر مياه نظيفة للشرب في بعض المناطق".

الحالة الصحية في مناطق النظام لا تبشر بخير

وعلى أرض الواقع، تبدو الحالة الصحية لا تبشر بخير على الإطلاق، حيث يقول أحد العاملين في مستشفى المجتهد بدمشق لـموقع تلفزيون سوريا: "يتوافد إلى المشفى يومياً عشرات الأشخاص ممن نشتبه بإصابتهم بالفطر الأسود من خلال التشخيص الأولي، فهم يعانون من آلالم في الصدر واحتقان في الأنف وتشنج في عضلات الوجه، ولكن لايتم التعامل بجدية مع هذه الحالات، سواء التي وصلت إلى مرحلة متطورة والتي تبدو فيها الأعراض واضحة كاسوداد الأنسجة في الوجه".
ويتابع: "فعلياً كل ما نقوم به في مستشفى المجتهد هو إحالة هذه الحالات إلى مستشفى المواساة الذي تم اعتماده مركزاً  للمصابين بالفطر الأسود. لكن الأمر المهم الذي يمكننا تأكيده أن كل ما يشاع ليس صحيحاً فيما يتعلق بتصريحات المسؤولين التي تشير إلى أن جميع المصابين هم من الأشخاص المصابين بالأمراض المزمنة؛ فبحسب الحالات الوافدة إلينا، يمكننا أن نؤكد بأن عدداً كبيراً من المصابين بالفطر الأسود ليسوا مرضى السرطان أو السكري، بل إن انعدام مناعتهم ناجم عن سوء التغذية؛ فعدد كبير من المصابين أكدوا بأنهم لا يتناولون اللحوم أو الفواكه بسبب الأوضاع الاقتصادية السيئة".

الوضع الاقتصادي في سوريا يزيد من الإصابة بالفطر الأسود

إن مسألة سوء التغذية لا تتعلق فقط بضعف القدرة الشرائية لدى المواطنين السوريين اليوم وعجزهم عن شراء بعض الأصناف الغذائية والفيتامينات؛ بل هناك أيضاً عوامل أخرى تتعلق بانهيار البنية الاقتصادية، والذي أدى إلى سماح حكومة النظام ببيع الخضراوات والفواكه التالفة بأسعار رخيصة؛ حيث ينجذب أغلب المواطنين لشراء الخضراوات التالفة لتناولها دون إدراك أن هذا الأمر قد يزيد من احتمالية تعرضهم لخطر الإصابة بالفطر الأسود. كما أن عدداً كبيراً من المواطنين يلجؤون بسبب تعقيدات عملية بيع الخبز إلى تيبيسه، والخبز اليابس يحتوي على نوع من العفونة قد تؤثر على ضعيفي المناعة، ناهيك عن أزمة انقطاع التيار الكهربائي التي تجعل الأطعمة أكثر عرضة للتعفن بسبب عدم فعالية الثلاجات التي لا تصلها الكهرباء لساعات طويلة.  
إن خطورة الفطر الأسود تكمن بسرعة انتشاره بجسم المصاب، حيث يقول الدكتور حريري: "يتكاثر الفطر بسرعة كبيرة في الجسم ويسبب تخريباً بالأنسجة مما يؤدي إلى اسودادها وموتها. بالتالي يصبح العلاج الوحيد الممكن هو التدخل الجراحي لنزع النسيج الميت، ولكن هذه العملية معقدة وصعبة لذلك قد تتجاوز نسبة الوفيات الخمسين في المئة من الإصابات".

انهيار في المنظومة الطبية في سوريا - مشافٍ من دون كوادر

وبالنسبة لمشافي دمشق التي تعاني من نقص في الكوادر الطبية المحترفة القادرة على التعامل مع هذه الحالات فإن نسبة الوفيات تفوق الخمسين في المئة؛ حيث يضيف مصدر من مشفى المجتهد للموقع: "هناك بعض الحالات التي خضعت لعمليات جراحية لإزالة الأنسجة المصابة، إلا انها فارقت الحياة بعد أيام من العمل الجراحي. المشكلة أن تلك العمليات دقيقة جداً وهي خطيرة خصوصاً حين تصل الأنسجة المتضررة إلى الدماغ، فيصعب إجراء هذه العمليات بمستشفياتنا، كونها تعاني من نقص في الكوادر الطبية، وملئ هذا النقص بالأطباء المتدربين المفتقدين أصلاً للخبرة الكافية، ناهيك عن لجوء بعض الأطباء، بسبب ازدياد عدد المصابين، إلى علاج المصابين باستخدام المضادات الحيوية غير الناجعة في كثير من الحالات، وندرة المضادات أساساً في المشافي الحكومية".

أدى نقص وجود المضادات الحيوية التي يتم استخدامها لعلاج الفطر الأسود بالمشافي الحكومية إلى ارتفاع سعرها بشكل كبير، حيث وصل سعر الإبرة الواحدة المستخدمة في العلاج إلى ما يقارب الـ 900 ألف ليرة، وهذا ما دفع العديد من الأشخاص إلى إطلاق حملات لجمع التبرعات على مواقع التواصل الاجتماعي للمرضى المصابين بالفطر الأسود. إلا أن العلاج بالمضادات الحيوية غير مجدٍ بالكامل، حيث يقول الدكتور نائل حريري: "إن المضادات الحيوية التي تعطى عادةً في حالات الالتهاب الجرثومي أو البكتيري لمدة أسبوع أو أسبوعين هي غير فعالة أو منخفصة الفعالية في علاج الفطر الأسود، والسبب في ذلك عدم وجود مناعة طبيعة تدعم العلاج، فالعلاج الدوائي ممكن أن يفيد نسبة خمسين في المئة من المصابين ليس أكثر، لذلك علاج هذا المرض صعب جداً حتى مع المضادات الحيوية والعمليات الجراحية لأن تطورها سريع جدا في الأجسام التي تعاني من انخفاض المناعة الطبيعية".

وسبق أن أكد مشفى دمشق (المجتهد) في 8 من الشهر الجاري تسجيله 17 حالة مرضية مصابة بمرض الفطر الأسود، وجميعهم من ضعيفي المناعة والمصابين بداء السكري غير المضبوط ومرضى كورونا وفقاً للمشفى، في حين سجلت مدينة اللاذقية غربي سوريا يوم 14 من الشهر ذاته، إصابة ثلاث حالات جديدة بالفطر الأسود في مدينة اللاذقية، ليصل العدد الإجمالي للإصابات إلى 9 حالات، بحسب ما أكد مشفى تشرين الجامعي.