icon
التغطية الحية

إجراءات "هيستيرية" ضد اللاجئين السوريين في لبنان.. مخاوف من ترحيل سجناء معارضين

2023.04.30 | 05:42 دمشق

تحركات للسلطات اللبنانية ضد اللاجئين السوريين تثير المخاوف حول مصير السجناء المعارضين للنظام السوري (AFP)
تحركات للسلطات اللبنانية ضد اللاجئين السوريين تثير المخاوف حول مصير السجناء المعارضين للنظام السوري (AFP)
بيروت - سهى جفّال
+A
حجم الخط
-A

يتصاعد الخطاب السياسي والإعلامي في لبنان ضدّ اللاجئين السوريين، وسط تكثيف للمداهمات الأمنية والتوقيفات بحقهم في مختلف المناطق تمهيداً لترحيلهم، يأتي ذلك مع إعلان الحكومة اللبنانية الأربعاء الفائت، عن تدابير حاسمة لملاحقة المخالفين منهم، كانت قد سبقتها معلومات مؤكدة من قبل مصادر عدّة عن ترحيل عشرات السوريين لدخلوهم لبنان بطريقة غير شرعية رغم التحذيرات الحقوقية من تسليم المطلوبين إلى النظام السوري.

ومنذ 17 من نيسان الجاري، أجرى الجيش اللبناني حملات مداهمة للمناطق التي يوجد فيها لاجئون سوريون بأعداد كبيرة، وأسفرت هذه المداهمات، عن احتجاز لاجئين لم يتمكنوا من استخراج أوراق رسمية تبرر وجودهم في لبنان، وتحديداً من دخل لبنان منذ عام 2019 عبر طرق غير نظامية.

وسبق أن اتخذت السلطات اللبنانية تدابير من هذا النوع ضد اللاجئين السوريين، لكنها لم تتمكن من تطبيقها بسبب عدم تعاون النظام السوري، ورفض مفوضية شؤون اللاجئين لعودتهم، وتأتي الإجراءات الأخيرة الآن في ظل توتر متصاعد وانقسام في لبنان حول ملف عودة السوريين، وفي ظل مضايقات مسيّسة يتعرض لها اللاجئون على الأراضي اللبنانية بدفع مباشر من السلطات.

مخاوف من تسليم السجناء المعارضين

ومن بين هذه التدابير، كان لافتاً تكليف وزير العدل اللبناني البحث في "إمكانية تسليم الموقوفين والمحكومين السوريين للنظام "بشكل فوري مع مراعاة القوانين والاتفاقيات ذات الصلة وبعد التنسيق بهذا الخصوص مع النظام". تحت ذريعة أن اللاجئين يشكّلون ما يقارب نصف السجناء في السجون اللبنانية، ضمن إطار التصريحات المتكررة الرامية لتحميل اللاجئين أزمات البلاد بما فيها تكاليف السجون في ظل غياب جهة أممية فاعلة لحماية السجناء السوريين من مخاطر الترحيل والمحاكمات غير المنصفة.

هذا البند الحكومي، دفع بالمعتقلين السياسيين من المعارضين للنظام السوري المحتجزين في سجون لبنان إلى رفع الصوت والاحتجاج على قرارات الحكومة اللبنانية التي تقضي بحث إمكانية تسليمهم للنظام.

وقال المعتقلون الذي يزيد عددهم عن 400 معتقل إنهم "هربوا من بطش نظام الأسد ودخلنا كلاجئين إلى لبنان وتم اتهامنا بتهم مختلفة وباطله تحت مسميات عديدة وحجج ضعيفة ومختلفة".

وناشد المعتقلون "المؤسسات الدولية والحقوقية ووسائل الإعلام العمل على منع تسليمهم للنظام وحمايتهم منه وفق الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، واحترام حقوقهم كاملة"، كما طالبوا بإخراجهم إلى الشمال السوري مع عائلاتهم تحت رعاية أممية.

وتشير المعلومات الأمنية إلى أن حجّة "الترحيل" هي أن مراكز التوقيف امتلأت وباتت غير قادرة على استيعاب الأعداد الكبيرة للموقوفين السوريين، كما أن المخافر والثكنات الأمنية ترفض تسلم الموقوفين السوريين في لبنان.

جريمة دولية

وقال رئيس المركز اللبناني لحقوق الإنسان وديع الأسمر، لتلفزيون سوريا، إنه "قانونياً يحق للدولة اللبنانية ترحيل أي شخص على الأراضي اللبناني خاصة في حال ارتكابهم نوع من أنواع الجرائم، ولكن الأهم يبدو أن ثمة بعض النقاشات والدراسات التي تعد في هذا الموضوع".

ولفت إلى أنه "قانونياً على الدولة اللبنانية، أولاً التأكد أن الشخص محكوم وليس موقوف لأنه لا يمكن ترحيل من لم يصدر بحقه حكم، ثانياً، البند الثالث من معاهدة مناهضة التعذيب الذي يمنع ترحيل أي شخص قد يتعرض للانتهاكات في بلده وعلى الدولة اللبنانية الالتزام به"، وتابع "بالتالي على القضاء اللبناني دراسة هذه الملفات بناءً عليها يتقرر إذا كان هذا الشخص قد يتعرض للخطر أم لا وإلا تكون الدولة عندئذ ارتكبت جريمة دولية، فضلاً عن أنه يحق لهؤلاء توكيل محام".

ورأى أن هذه التدابير نوع من ذر الرماد في العيون لأن عدد المساجين السوريين هو نحو 28 في المئة والفئة المحكومة قليلة جداً وعددهم لا يتجاوز الـ 500 أو 600 شخص".

قرارات غير مسؤولة وهيستيرية

المدير العام لمركز سيدار للدراسات القانونية والمدافع عن حقوق الإنسان، المحامي محمد صبلوح، أشار في حديث لـ تلفزيون سوريا، إلى أن الدولة اللبنانية وقعت على اتفاقية مناهضة التعذيب وهذه اتفاقية ملزمة للبنان والمادة الثالثة منها تمنع ترحيل أي شخص ممكن أن يتعرض للتعذيب في منطقته".

ووصف صبلوح القرارات التي اتخذتها الحكومة اللبنانية بحق السوريين، بأنها قرارات غير مسؤولة وهيستيرية تشير إلى أن "أمراً مشبوهاً يجري التحضير له، لأنه كان من الممكن معالجة الملف بطريقة لا تثير النعرات الطائفية والمذهبية وهو ما سيؤدي حتماً إلى أمرين، أولهما الانفجار في الشارع، بسبب الخطابات العنصرية والكراهية التي بدأت تترجم ميدانياً، والثاني اتخاذ بعض اللاجئين خيار الهروب من الجحيم الذي يلاحقهم عبر "مراكب الموت"، واستغلال هذا الأمر من قبل السلطة اللبنانية بذريعة مكافحتها الهجرة غير الشرعية لطلب المزيد من الأموال من الأمم المتحدة".

مخطط خبيث

واعتبر صبلوح، أن "مداهمة منازل اللاجئين والتوقيفات التي قام بها الجيش اللبناني بطريقة مهينة ومذلة وتجييش الرأي العام اللبناني ضد اللاجئين وراءه مخطط خبيث الأيام القادمة ستكشفه".

أما في ما يتعلق بالمساجين السوريين، قال صبلوح إنهم "لا يشكلون 30 في المئة، وطريقة إثارة هذا الموضوع مبالغ فيه من قبل السلطة"، مشيراً إلى أن "معظم المساجين في السجون اللبنانية هم معارضون للنظام ومن الجيش السوري الحر، وعدد كبير منهم تم محاكمتهم لمعارضتهم النظام في المحكمة العسكرية في لبنان". مضيفاً "وهو ما يعد مخالفة جسيمة للاتفاقيات الدولية التي صادق عليها لبنان، لاسيما اتفاقية مناهضة التعذيب وبالتالي لا يحق للسلطات اللبنانية ترحيلهم أو تسليمهم للنظام".

وذكر مدير مركز حقوق السجين في نقابة المحامين في طرابلس، أنه سجل في وقت سابق "انتهاكات عديدة من قبل الأمن العام لتسليم عدد من المعارضين للنظام، وقد نجح الضغط على الدولة اللبنانية آنذاك بمنع ترحيل ستة سجناء سوريين عبر إثارة الموضوع إعلامياً".

وفيما يتعلق بطلب المساجين السوريين تسليمهم للشمال السوري، استبعد صبلوح أن تستجيب الدولة لهذا المطلب مشيراً إلى أنها تعتبر أن "الدولة السورية هي الممثل الوحيد والشرعي لسوريا".

ورأى صبلوح أن حلّ قضية اللاجئين السوريين يحتاج إلى "مسؤولين عقلاء لديهم حكمة ووعي يعملون على وضع خطة إنسانية مدروسة مع المنظمات الدولية"، موجهاً عتباً لمفوضية الأمم المتحدة لحقوق اللاجئين "لعدم تعاونها بشكل تام في قضية المساجين السوريين تحديداً".

حملة عنصرية مسيسة لا أفق لها

النائب اللبناني بلال عبد الله من تكتل اللقاء الديمقراطي، أكّد في تصريح لـتلفزيون سوريا على أن "كتلته ليست مع ترحيل النازحين اليوم، لأن النظام السوري لا يزال يختبئ وراء هؤلاء النازحين من أجل تحصيل شرعية عربية، ودولية، وسوف يتاجر هذا النظام بالنازحين لقبض بدل إعادة الإعمار".

وحول البند المتعلق بترحيل الموقوفين السوريين، أكد على معارضتهم لهذا القرار لأنه يتعارض مع أبسط حقوق الإنسان، وهذا الأمر يأتي تحت ضغط الرأي العام بسبب التعبئة الشعبية ضد السوريين في لبنان وهذا الأمر غير مقبول".

مشدداً على أن "المساجين السوريين لا يشكلون 30 في المئة من حجم المساجين الموجودين في السجون اللبنانية، وهذا عدد طبيعي ومقبول والتعاطي معهم يجب أن يكون وفقاً للمعاهدات الدولية الموقع عليها من قبل لبنان".

ورأى عبد الله أن "إثارة الملف هو من قبل جهات معينة لها مصالح سياسية لاستثمارها بالانتخابات الرئاسية والتغيرات الإقليمية الحاصلة"، معتبراً أن "هذه الحملة العنصرية والمسيسة لا أفق لها".

ترحيل 168 لاجئاً قسراً

وذكرت "الشبكة السورية لحقوق الإنسان"، أن الحكومة اللبنانية انتهكت مبدأ عدم الإعادة القسرية للاجئين، وأعادت 168 لاجئاً سورياً منذ بداية نيسان الجاري، ثلثهم تقريباً من الأطفال والنساء، وتعرض الغالبية العظمى منهم للضرب المبرح والإهانة.

مشيرة إلى أنَّ "معظم المعادين قسرياً تعرضوا إلى عمليات نهب وابتزاز من قبل قوات النظام السوري في المنطقة الفاصلة بين المعبرين الحدوديين، وفرضت عليهم مبالغ مالية لا تقل عن 100 دولار للفرد مقابل تسهيل عودتهم باتجاه الأراضي اللبنانية عبر طرق التهريب".

قرارات مدروسة وعقلانية

وكخطوة أولى لحل ملف اللاجئين، أشار صبلوح إلى أنه "يمكن للحكومة اللبنانية الطلب من الأمن العام تسليمها بيانات بأسماء السوريين الذين دخلوا بلدهم عبر المعابر الرسمية بعد اندلاع الثورة، وذلك لسحب صفة اللجوء منهم وبالتالي ترحيلهم، وهؤلاء يناهز عددهم السبعين في المئة من دون أدنى شك"، مشيراً إلى أن "اللاجئين المعارضين لا يتعدون الـ 150 ألفاً في لبنان".

وشدّد صبلوح على أنه "كان يمكن للسلطات اللبنانية منع دخول الـ37 ألف سوري الذين زاروا سوريا خلال فترة عيد الفطر، ثم عادوا إلى لبنان، بحسب ما أعلن وزير العمل مصطفى بيرم، ففي هذه الحالة لن يعترض أحد سواء محلياً أو دولياً على قرارها، لكن ترحيل المعارضين للنظام هو جريمة إنسانية". ختاماً تمنى صبلوح على الدولة اللبنانية "أن تكون قراراتها مدروسة وعقلانية غير متهورة".

ومع مواصلة ترحيل اللاجئين السوريين إلى سوريا رغم التحذيرات من تعرضهم للانتقام من قبل النظام، يقع على لبنان الذي لم يوقّع على اتفاقية اللاجئين الدولية لعام 1951، مسؤولية حقوقية وأخلاقية لحمايتهم وعدم ترحيلهم.