icon
التغطية الحية

ابتزاز وتسويق.. هل تسكت المليار يورو أصوات التحريض ضد السوريين في لبنان؟

2024.05.07 | 06:27 دمشق

3562345
إسطنبول - خاص
+A
حجم الخط
-A

لن توقف حزمة المليار يورو، التي حصلت عليها الحكومة اللبنانية من الاتحاد الأوروبي، ملاحقة السوريين ومضايقتهم، وفقاً لتلميحات مسؤولين لبنانيين، الذي اعتبروا أن المنحة المالية ليست "رشوة"، وأنهم مصرون على تنفيذ سياساتهم التي تهدف إلى ترحيل أي سوري مقيم بشكل غير شرعي، وفق توصيفهم، بغض النظر عن موقفه من النظام السوري.

وهي ليست المرة الأولى التي يستخدم بها السياسيون في لبنان ورقة السوريين كوسيلة لابتزاز المجتمع الدولي والحصول على مساعدات مالية إضافية، حيث تكرر هذا السيناريو خلال السنوات الماضية، تصاعد خطاب التحريض والعنصرية وتهديدات الترحيل قبل أي مؤتمر للمانحين، وخاصة بروكسل.

وعلى الرغم من أن هذه الأموال كانت عادة ما تؤدي إلى تهدئة هذه الأصوات التحريضية بعد الحصول عليها، إلا أن هذه المرة تبدو الأمور مختلفة، فالحزمة الجديدة من المساعدات، لن تسهم في تهدئة السياسيين اللبنانيين، لأن أهداف التحريض تغيرت، من الحصول على الأموال إلى التسويق لنظام الأسد الذي يرفض عودة اللاجئين قبل تحقيق مكاسب اقتصادية وسياسية، وفقاً لمحللين لموقع تلفزيون سوريا.

اللاجئون ورقة لابتزاز الأوروبيين

على مدى الأسابيع الماضية، تميزت حملة التحريض ضد السوريين في لبنان عن سابقاتها بأمرين، الأول هو ارتفاع حدة الانتهاكات والمضايقات، والتي تمثلت بزيادة الاعتداءات والإهانة والضرب والطرد من المنازل وتحطيم ممتلكاتهم وهدم خيمهم في عدة مناطق، إضافة إلى فرض بعض البلديات قيوداً على تحركهم.

أما الأمر الثاني هو دخول حزب "القوات اللبنانية" على خط التحريض وقيادته للحملة وخاصة بعد مقتل منسق حزب "القوات اللبنانية" في مدينة جبيل في جبل لبنان، باسكال سليمان، واتهام سوريين بخطفه وقتله بحسب رواية الأمن العام.

ورغم أن جميع الدلائل تشير إلى وقوف نظام الأسد وراء اغتيال سليمان، وهدفه هو "إثارة الخلاف بين القوى المسيحية والسوريين، وتحويل المعركة إلى سنية- مسيحية، لأن الموقف المسيحي كان مضايقاً جداً للنظام السوري وحزب الله"، بحسب ما قاله أستاذ العلاقات الدولية خالد العزي لموقع تلفزيون سوريا.

إلا أن حزب "القوات اللبنانية" استغل اغتيال سليمان بـ"طريقة غير إنسانية"، كما وصفها المحامي اللبناني محمد صبلوح، وبدأ رئيسه سمير جعجع بالتحريض المستمر ضد اللاجئين السوريين، معتبراً أن وجودهم "خطر وجودي".

ويتفق محللون على أن غاية السياسيين من التضييق على السوريين هو من أجل دفعهم إلى ركوب "قوارب الموت" في البحر للوصول إلى أوروبا، لتحقيق هدفين رئيسيين.

الهدف الأول، بحسب ما قاله صبلوح لموقع تلفزيون سوريا، يتمثل في الجانب الاقتصادي وممارسة ضغوط على الاتحاد الأوروبي من أجل تحقيق مكاسب مالية إضافية.

ويؤكد صبلوح أن عصابات الهجرة غير الشرعية، التي زادت نشاطها مؤخراً في لبنان، تعمل برعاية أمنية، حيث تقوم بتنظيم رحلات الهجرة عبر البحر إلى أوروبا مقابل مبالغ مالية ضخمة يتم تحصيلها من اللاجئين، دون معرفة مصير هذه الأموال والمستفيد منها.

ويرى المحامي اللبناني أن الغرض الرئيسي من تنظيم هذه الرحلات هو إرسال رسالة واضحة إلى الأوروبيين، مفادها أنه يجب عليهم إما دفع مزيد من الأموال أو استمرار تدفق اللاجئين.

وأشار إلى أن المسؤولين اللبنانيين طلبوا خلال اجتماعهم مع الرئيس القبرصي، نيكوس خريستودوليدس، الذي زار لبنان عدة مرات، 220 مليون دولار لتعليم السوريين، كما طالبوا بتمويل الجيش اللبناني.

وكانت تحقيقات سابقة كشفت عن فساد مالي في مخصصات تعليم الطلاب السوريين اللاجئين في لبنان، حيث ذكرت قناة "الجديد" في 2020 أن تسعة ملايين دولار سنوياً منذ 2014 نهبت تحت اسم تعليم الطلاب السوريين.

وسبق زيارة تدفق السوريين، اقتراحات من قبل مسؤولين لبنانيين بفتح البحر أمامهم للتوجه إلى أوروبا، حيث طالب الأمين العام لحزب الله اللبناني، حسن نصرالله، في تشرين الأول العام الفائت، الحكومة اللبنانية بترك السوريين للهجرة عبر سفن كبيرة بالبحر إلى أوروبا، معتبراً أن ذلك سيؤدي إلى قدوم الدول الأوروبية "خاضعة" إلى بيروت للبحث في طرق إيقاف الهجرة.

كما طالب وزير المهجرين عصام شرف الدين، الأمن اللبناني بعدم توقيف أي شخص يحاول الهجرة عبر البحر، إضافة إلى مطالبته بتنظيم رحلات بحرية وصفها بالـ"شرعية"، عبر تأمين سفن آمنة للاجئين السوريين، مقترحاً وضع خمسة آلاف لاجئ سوري في هذه السفن الآمنة وترحيلهم بشكل أسبوعي إلى دول العام جميعها.

وبحسب أرقام وكالة الهجرة التابعة للأمم المتحدة، فإن نحو ثلاثة آلاف سوري غادروا لبنان منذ مطلع العام الحالي، مقارنة بـ 4500 خلال العام الماضي بأكمله.

وقالت المديرة العامة للمنظمة الدولية للهجرة، إيمي بوب، لوكالة " أسوشيتد برس"، إن بعض الجاليات اللبنانية سئمت من استضافة السوريين، وأصبح لبنان مكاناً أقل ترحيباً للبقاء فيه، معتبرة أن "المقلق هو أننا سنرى صعوبة متزايدة بالنسبة للسوريين في البقاء بأمان في لبنان".

ويبدو أن الهدف الأول قد تحقق، بعد زيارة رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، لبنان لأول مرة، وتعهدها بتقديم حزمة مالية بقيمة مليار يورو للحكومة اللبنانية بدءاً من العام الحالي وحتى 2027، بهدف المساهمة في "الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي".

وفي الوقت الذين طالبت فيه رئيسة المفوضية بتعاون الحكومة اللبنانية في إيقاف هجرة السوريين عبر البحر انطلاقاً من لبنان، أكد رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، في مقابل مع قناة "LBC"، أن "لبنان ليس حرس حدود لأوروبا".

تسويق للنظام في الغرب

أما الهدف الثاني هو الضغط على الاتحاد الأوروبي لفتح قنوات دبلوماسية مع نظام الأسد ورفع العقوبات الاقتصادية عنه، وفقاً لأستاذ العلاقات الدولية خالد العزي.

وبحسب العزي، فإن التصريحات الظاهرية للحكومة اللبنانية تبدو أنها تهدف إلى حل مشكلة اللاجئين، التي أصبحت عبئاً فعلياً على المجتمع اللبناني، لكن الهدف الحقيقي المُقصود بها يتمثل في محاولة الضغط على المجتمع الأوروبي لإقامة قنوات اتصال مع نظام الأسد.

أستاذ العلاقات الدولية خالد العزي: التصريحات الظاهرية للحكومة اللبنانية تبدو أنها تهدف إلى حل مشكلة اللاجئين، لكن الهدف الحقيقي الضغط على المجتمع الأوروبي لإقامة قنوات اتصال مع نظام الأسد.

واعتبر العزي لموقع تلفزيون سوريا أن النظام السوري هدد من خلال حليفه حزب الله بإرسال اللاجئين إلى أوروبا عبر البحر، ويقوم بتسيير تدفق السوريين عبر الحدود إلى لبنان، في الوقت الذي يمكنه فتح بوابة البحر في اللاذقية أو طرطوس لتسهيل الهجرة من هناك مباشرة.

وأضاف أن زيارة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي إلى فرنسا، كان هدفها بالدرجة الأولى فتح قنوات اتصال بين فرنسا والنظام السوري، تحت اعتبار أنه لا يمكن إبعاد النظام وضرورة الحوار معه وتأمين ما يطلبه للحد من الهجرة.

وكان ميقاتي التقى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، قبل أسبوعين، وقال في تصريحات عقب الاجتماع: "تمنيت على الرئيس ماكرون أن يطرح على الاتحاد الأوروبي موضوع الإعلان عن مناطق آمنة في سوريا، بما يسهل عملية إعادة النازحين إلى بلادهم، ودعمهم دوليا وأوروبيا في سوريا وليس في لبنان".

كما أكد ميقاتي في مقابلة مع قناة "LBC" إشرافه على حملة لإقناع دول الاتحاد الأوروبي بإقامة مناطق آمنة في سوريا، معتبراً أن هناك دولاً داخل الاتحاد مثل اليونان وإيطاليا والدنمارك والنمسا وإسبانيا تقول إنه "يجب التواصل مع النظام تحت أمر الواقع".

بدوره طالب رئيس مجلس النواب نبيه بري، خلال لقائه مع وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه، الأسبوع الماضي، فرنسا وألمانيا بتغيير موقفهما من النظام السوري، و"إعادة النظر إزاء علاقتهما بسوريا".

ولا يقتصر الهدف على فتح قنوات دبلوماسية، وإنما الضغط على الأوروبيين لإلغاء العقوبات الاقتصادية المفروضة على النظام، وهو ما طالب به نصر الله، العام الفائت، عندما اعتبر أن إلغاء قانون قيصر سيدفع بالشركات إلى سوريا والاستثمار فيها ما يجعل عودة السوريين أمراً سهلاً.

وفي سياق ذلك، صرَّحت الصحفية عالية منصور لموقع تلفزيون سوريا أن النظام يريد استغلال ملف اللاجئين للضغط من أجل رفع العقوبات عنه، مؤكدة أن "حلفاءه في لبنان يساعدونه عن سابق تصور، بينما يساعده خصومه عن سوء تقدير".

التضييق مستمر والعودة ممنوعة

ورغم حصول الحكومة اللبنانية على الأموال، إلا أن التضييق على السوريين لن يهدأ، حيث رفض رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل، حزمة المساعدات المالية، وطالب الحكومة اللبنانية بتطبيق خطة العودة، وإصدار قانون من قبل مجلس النواب يلزم بترحيل أي سوري مخالف للقوانين.

أما ميقاتي فألمح إلى استمرار الحملة ضد السوريين، من خلال إعطاء الأمر للمدير العام للأمن اللبناني إلياس البيسري بتنفيذ القوانين وترحيل أي شخص مقيم بشكل "غير شرعي" إلى بلاده، مشيراً إلى ترحيل آلاف السوريين من لبنان منذ مطلع العام الحالي.

ورغم تأكيد رئيس الحكومة اللبنانية على تسريع وتيرة ترحيل السوريين خلال المرحلة المقبلة، لكن يبقى السؤال: هل يرغب نظام الأسد بعودتهم؟

خلال الأسبوع الماضي، نظمت وزارة المهجرين اللبنانية، ورشة عمل بعنوان "قوافل العودة الطوعية الآمنة إلى سوريا"، وقال الوزير عصام شرف الدين إن الحكومة أعادت تكليفه بتفعيل خطته التي تتضمن إعادة 15 ألف لاجئ شهرياً إلى سوريا.

وأكد الوزير اللبناني "تحضير اللوائح للراغبين في العودة وتسليمها إلى مدير عام الأمن العام اللبناني، ومنهم إلى الأمن الوطني السوري بانتظار التدقيق بالأسماء وإفادتنا بالنتيجة، آملين باستلام الجواب قريباً".

كما أكد ميقاتي أنه تواصل مع رئيس حكومة النظام حسين عرنوس، وسمع منه "جواباً واضحاً بأن سوريا لا تقف عائقاً في وجه أي سوري يريد العودة إلى بلده".

إلا أن التصريحات الصادرة من قبل مسؤولي النظام بترحيبهم بعودة اللاجئين السوريين تنافي الواقع، فقد كشف المحامي اللبناني محمد صبلوح عن رفض نظام الأسد لعشرات الأسماء التي سجلت ضمن قوافل العودة الطوعية من لبنان.

وأوضح صبلوح أن أكثر من 500 لاجئ سوري سجلوا أسماءهم للعودة طوعياً إلى سوريا في إحدى قوافل العودة، خلال العام الماضي، ومع ذلك، لم يوافق النظام إلا على عودة 90 شخصاً فقط، وهو ما يؤكد عدم رغبته الحقيقية بعودتهم.

واعتبر أن النظام يشترط تأمين مساعدات له من المجتمع الدولي كشرط لعودتهم، ويسعى أيضاً للحصول على دعم لبدء عملية إعادة الإعمار.

ومن بين الأشخاص الذين تقدموا للعودة الطوعية كان الشاب فهد، طلب عدم ذكر اسمه الكامل، الذي اختار تسجيل اسمه بقوائم العودة هرباً من حالة التضييق، على الرغم من أنه مطلوب أمنياً بسبب انشقاقه عن الجيش في عام 2013.

يروي فهد لموقع تلفزيون سوريا أن الوضع في مخيمات عرسال على الحدود السورية لم يعد يطاق، بما في ذلك حالات الاعتقال وقلة فرص العمل، ما دفعه للعودة طوعياً مع زوجته وابنه، لكن النظام رفض الموافقة على اسمه، ما دفعه إلى المخاطرة والعودة إلى قريته عبر طريق التهريب.

أما حسن المكنى بـ "أبي العلاء"، وهو سوري مقيم في عرسال، أكد لموقع تلفزيون سوريا، تسجيل اسمه ضمن قوافل العودة الطوعية حالياً رغم دعاوى الإرهاب ضده من قبل النظام، إضافة إلى كونه مطلوباً للخدمة الاحتياطية، لكن فضّل العودة على البقاء بانتظار موافقة النظام.

وأشار أبو العلاء إلى أن الكثيرين من المنشقين عن النظام الموجودين في عرسال سجلوا أسماءهم ضمن قوافل العودة أكثر من مرة إلا أنها قوبلت بالرفض من قبل النظام.

المحامي أمين بشير: الحكومة اللبنانية تعلم جيداً أنه لا يمكنها إعادة اللاجئين إذا لم يكن هناك قرار من النظام باستقبالهم، وكل القرارات شعبوية لإرضاء الشارع الغاضب، والنظام السوري يرفض عودتهم قبل قبض ثمنهم

من جانبه يرى المحامي والناشط السياسي أمين بشير أن الحكومة اللبنانية تعلم جيداً أنه لا يمكنها إعادة اللاجئين إذا لم يكن هناك قرار من النظام باستقبالهم، واصفاً كل القرارات بأنها "شعبوية لإرضاء الشارع الغاضب ولا سيما عقب كل جريمة ترتكب".

واعتبر بشير لموقع تلفزيون سوريا أن النظام السوري منذ حضوره القمة العربية في الرياض العام الفائت، أكد على مطلب واحد لإعادة اللاجئين وهو حصوله على الأموال، لذلك يرفض عودتهم قبل قبض ثمنهم، وتركهم ورقة في لبنان لابتزاز الاتحاد الأوروبي عبر التهديد بإرسالهم عبر البحر.

وقالت الكاتبة عالية منصور: "من هَجّرهم لا يريد عودتهم، والنظام يتمنى أن يهجّر من بقي من السوريين، لا أن يسمح بعودة من هجرهم، وخصوصاً مع الأعباء الاقتصادية الكبيرة والوضع المعيشي والمالي في سوريا".

وكان رئيس النظام السوري بشار الأسد، أكد في اجتماعه مع وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، مارتن غريفيث، في دمشق العام الفائت، على أن عودة اللاجئين مرتبطة بتنفيذ مشاريع التعافي المبكر وتوفير متطلبات إعمار البنى المتضررة في القرى والمدن.