icon
التغطية الحية

ملايين الدولارات صرفت.. لماذا فشل تعليم اللاجئين السوريين في لبنان؟

2023.01.12 | 14:59 دمشق

مدرسة في لبنان
تلاميذ في مدرسة لبنانية ضمن برنامج "توفير التعليم لجميع الأطفال في لبنان" ـUNICEF
تلفزيون سوريا ـ سامر القطريب
+A
حجم الخط
-A

"التعليم ليس حقا للجميع" على الأقل في لبنان؛ حيث يُنتهك هذا الحق ويصبح تمييزياً في البلد الذي يتلقى منذ أعوام مساعدات مالية دولية لتوفير التعليم للاجئين السوريين وأيضا للطلاب اللبنانيين ضمن برنامج "رايس". ويتلقى 65 في المئة من الطلاب اللبنانيين تعليمهم في المدارس الخاصة التي ترتفع أقساطها، في ظل انهيار اقتصادي غير مسبوق. وفي الوقت الذي وصل فيه أكثر من 1.1 مليار دولار للبنان لمواجهة أزمة اللجوء عام 2015، مازال أكثر من 48 في المئة من الطلاب السوريين خارج المدرسة.

مساواة أم عنصرية؟

المدير العام لوزارة التربية اللبنانية، عماد الأشقر، أعلن عن "توقف الدروس بعد الظهر في المدارس الرسمية لغير اللبنانيين عملاً بمبدأ المساواة"، وعلى الرغم من عدم ذكر الطلاب السوريين بشكل مباشر، فإن تقارير صحفية ومصادر محلية أكدت أن المستهدفين من القرار هم أبناء اللاجئين السوريين. ويذكر هذا التصريح بـرفض وزارة التربية اللبنانية في أيلول الماضي، تسجيل الطلاب السوريين في المدارس الخاصة ودمجهم مع الطلاب اللبنانيين في دوام قبل الظهر واصفة العملية بأنها"توطين مقنع".

وجاءت هذه التصريحات عقب لقاء رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي، أمس الثلاثاء، مع وزير التربية عباس الحلبي، وبحضور عدد من مسؤولي الوزارة، لبحث إمكانية دفع بدل إنتاجية لأساتذة التعليم الرسمي.

وقال الأشقر: نحن نستقبل جميع الناس وقلوبنا مفتوحة للجميع، لكن لا يجوز ألا يتعلم أبناؤنا، وأن يتعلم أولاد غيرنا. وبالتالي نعلن توقف الدروس في مدارس بعد الظهر لغير اللبنانيين إلى حين التوصل إلى حل لمسألة التعليم ما قبل الظهر"، وفقاً لوسائل إعلام لبنانية.

الطلاب السوريون في لبنان.. أرقام رسمية

قالت ليزا أبو خالد المتحدثة باسم مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان إن مجموع التلاميذ السوريين المسجلين لدى المفوضية للعام الدراسي 2020-2021، يبلغ 321 ألفاً و512 طالباً.

وأوضحت أنه من بينهم 187 ألفاً في المدارس الرسمية، ونحو 11 ألفاً في مدارس خاصة مجانية، و53 ألفاً في مدارس خاصة غير مجانية، وأكثر من 6 آلاف ضمن برامج التعليم غير النظامية. ومنهم أيضا نحو 64 ألف طالب في التعليم الثانوي، بحسب موقع الجزيرة نت.

وأضافت أبو خالد أن الطلاب السوريين المسجلين في المدارس اللبنانية تبلغ نسبتهم 51.80 في المئة، بينما تناهز نسبة غير الملتحقين بالمدرسة 48.20 في المئة. والعام الدراسي السابق، بلغ عدد المدارس التي اعتمدت دواما مسائيا 337 مدرسة، لاستيعاب الطلاب السوريين.

فشل بتعليم اللاجئين السوريين في لبنان

قدرت المنظمات الدولية والأممية عام 2016 أن 50 في المئة من اللاجئين السوريين الذين تتراوح أعمارهم من 5 إلى 17 عاماً في لبنان، أي أكثر من 180 ألف طفل لا يرتادون المدارس.

في العام 2015، قدّم المانحون الدوليون أكثر من 1.1 مليار دولار للبنان من أجل مساعدته على التعامل مع أزمة اللجوء السوري – منها 61.3 مليون دولار لوزارة التربية والتعليم العالي والمدارس الرسمية اللبنانية، و260.7 مليون دولار لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) التي تمرّر هذه المساعدات إلى وزارة التربية والتعليم العالي ومجموعة من المنظمات الأهلية الشريكة مثل جمعية إنقاذ الطفل. بحسب مؤسسة كارنيغي للأبحاث.

وتضيف المؤسسة أنه مع تدفّق كل هذه المبالغ إلى البلاد، غالباً ما تتنافس الحكومة والمجتمع الأهلي على الموارد، ويرى البعض في الاستجابة لأزمة اللاجئين فرصة للحصول على التمويل. وتوضح أن هذه المنافسة حرمت وزارة التربية والتعليم العالي من الخبرة الفنية والفوائد التشغيلية التي يمكن أن تقدّمها المنظمات الأهلية المحلية والدولية.

عام 2014 أطلق الاتحاد الأوروبي والوكالة الأميركية للتنمية الدولية، ووزارة التنمية الدولية البريطانية، والعديد من وكالات الأمم المتحدة – مع وزارة التربية اللبنانية استراتيجية "توفير التعليم لجميع الأطفال في لبنان" رايس. ثم مدد رايس (المقررة من 2014 إلى 2016) وأصبح هناك رايس 2 (2017 إلى 2021).

وكان البرنامج الذي يمتد على ثلاث سنوات يهدف إلى تسجيل 500 ألف لاجئ سوري في المدارس الرسمية واعتماد التعليم القائم على المجتمع لتلقينهم المهارات الأساسية للقراءة والرياضيات.

ومع نهاية البرنامج وبحسب تقييم الأمم المتحدة العام الماضي 2021، فإن البرنامج فشل في تحقيق أهدافه، حيث يقول التقييم إن 30 في المئة من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم من 6 إلى 17 عاما يرتادون المدرسة فقط.

في حين كشف تقرير للمجلس النرويجي للاجئين نشر عام 2020 أن 58 في المئة من اللاجئين السوريين في سن الدراسة  بقوا خارج المدرسة، بعد ست سنوات على انطلاق برنامج "رايس".

كما فشل البرنامج في رفع نسبة الطلاب السوريين الواصلين إلى الشهادة المتوسطة وهو كان أحد الأهداف الفرعية للبرنامج والذي رصد له وحده 100 مليون دولار بحسب المفكرة القانونية.

رغم التمويل.. السوريون في لبنان"جيل ضائع"

تضيف المفكرة نقلا عن اليونيسيف أن "المبالغ التي سدّدت من العام الدراسي 2016/17 إلى العام الدراسي 2020/21 بلغت 567 مليون دولار و525 ألفاً و504 دولارات إذا لم نحتسب أموال برنامج التعليم المكثّف، وإذا افترضنا أنّ هذا كلّ ما وصل إلى الوحدة".

وعلقت اليونيسيف على هذه الأرقام (تحديداً ما حوّل منها) بالقول "إنّها تعكس تقريباً التزامها تجاه الوزارة ولكن لا يمكن القول إنّ هذه المبالغ حوّلت كلّها إلى حساب الوزارة لعدة أسباب منها فجوات التمويل من الدول المانحة وسقوف سحوبات المصارف. وأضافت اليونيسيف "أنّ التحويل الفعلي الذي حصل لا يتجاوز 66 في المئة من الالتزامات الماليّة لـ رايس".

عام 2017 قال تقرير لـ هيومن رايتس ووتش إن ملايين الدولارات من المساعدات التي تم التعهد بتقديمها للأطفال السوريين اللاجئين في المدارس في العام الماضي لم تصل إليهم، أو وصلت متأخرة، أو لا يمكن تتبعها بسبب سوء ممارسات التوثيق.

واتفق المانحون والبلدان المجاورة لسوريا، المستضيفة للّاجئين في مؤتمر لندن على توفير "تعليم جيد" لجميع الأطفال السوريين اللاجئين بحلول نهاية العام الدراسي 2016-2017، من خلال تقديم نحو 250 مليون دولار للتعليم في الأردن، و350 مليون دولار للبنان في عام 2016.

وتعليقاً على انعدام الشفافية قال سيمون راو، الباحث الزميل في هيومن رايتس ووتش: "وعدت الدول المانحة والمستضيفة بألا يصبح الأطفال السوريون جيلاً ضائعاً، لكن هذا بالضبط ما يحدث. سيساعد المزيد من الشفافية في التمويل على كشف الاحتياجات التي لا يتم تلبيتها حتى يتم معالجتها وإدخال الأطفال إلى المدارس".

وقالت السفارة البريطانية في بيروت إن حملة التعليم عام 2020 تعتمد على الدعم التعليمي الكبير الذي تقدمه المملكة المتحدة للبنان، حيث قدمت أكثر من 200 مليون دولار بين عامي 2016 و 2020.

العنصرية تطول قطاع التعليم في لبنان

ترتبط التركيبة الاجتماعية اللبنانية بالأحزاب السياسية التي يمثل كل منها طائفة معينة، وتشكل تصريحات السياسيين وأصحاب "الإقطاعيات" الطائفية مرجعاً للممارسات العنصرية ضد السوريين التي تصاعدت في الآونة الأخيرة مع ارتفاع الأصوات الحكومية الداعية لإعادتهم إلى سوريا.

وكانت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في لبنان قالت ببيان في آب من العام الماضي، إن أكثر ما يقلقها هي اللغة التي بات يتحدث بها رجال الحكم في لبنان، وكأنها بداية لإعلان خطاب حرب على اللاجئين السوريين قبل أن تحذفه عن موقعها الرسمي، ويأتي اليوم تصريح المدير العام لوزارة التربية اللبنانية، عماد الأشقر في إطار "الخطاب العنصري" نفسه الذي حذرت منه الأمم المتحدة عندما قال "نحن نستقبل جميع الناس وقلوبنا مفتوحة للجميع، لكن لا يجوز ألا يتعلم أبناؤنا، وأن يتعلم أولاد غيرنا".