icon
التغطية الحية

الحملة الممنهجة ضد اللاجئين السوريين في لبنان: أهداف رئاسية وأطماع اقتصادية

2023.04.27 | 06:58 دمشق

سوريين
+A
حجم الخط
-A

من جديد تعود قضية التحريض على اللاجئين السوريين إلى الواجهة في لبنان مع تحركات وحملات مركزة انخرطت بها أطراف سياسية، وذلك للدفع باتجاه ترحيلهم قسرياً، في وقت ما تزال فيه بعض القوى السياسية والمنظمات الدولية ترفض هذا الأمر وتعدّ أن ظروف عودتهم بطرق آمنة ما تزال غير متوفرة، وهو ما استدعى تحذير البعض من "اقتتال سوري – لبناني"، خصوصاً مع دعوات مشبوهة ومجهولة المصدر باسم اللاجئين السوريين للتظاهر أمام مقر مفوضية اللاجئين، مقابل دعوة مماثلة من قبل لبنانيين يطالبون بترحيلهم.

وكثّفت الأجهزة الأمنية اللبنانية عمليات الترحيل القسري للاجئين السوريين خلال الأسبوعين الماضيين، وأعادت أكثر من 70 لاجئاً إلى مناطق سيطرة النظام السوري، وبحسب المعلومات فإن جهاز الأمن العام يقوم بتسليم الموقوفين المخالفين إلى فوج الحدود البرية في الجيش الذي يتولّى وضعهم خارج الحدود اللبنانية.

تحاول السلطات اللبنانية تسليط الضوء والجهد على أهمية الهروب من عبء اللجوء، مقابل إهمال الأزمات والقضايا الأساسية الأخرى، مثل الودائع العالقة في المصارف أو العدالة لضحايا انفجار مرفأ بيروت، والتغاضي الفاضح عن أزمات البلاد.

تضارب مصالح

وتشير المعلومات الأمنية إلى أن حجّة "الترحيل" هي أن مراكز التوقيف امتلأت وباتت غير قادرة على استيعاب الأعداد الكبيرة للموقوفين السوريين، كما أن المخافر والثكنات الأمنية ترفض استلام الموقوفين السوريين في لبنان، بالمقابل فإن الأطراف السياسية وتحديداً التيار الوطني الحر والقوى المسيحية اليمينية أعادت تفعيل الخطاب المعادي للاجئين في الإعلام وتجييش الشارع المسيحي واللبناني عبر اختلاق أرقام وهمية عن أعداد المخيمات والعمالة السورية وتأثيراتها على الاقتصاد والديموغرافيا اللبنانية.

وعقدت الحكومة، أمس الأربعاء، اجتماعين لبحث ملف اللاجئين السوريين في لبنان، حضره رئيسها نجيب ميقاتي ووزراء محسوبون على التيار الوطني الحر وحزب الله وتيار المستقبل، إضافة إلى قادة الأجهزة الأمنية، حيث خلص الاجتماع إلى إطلاق مواقف عالية وقرارات وصفت "بالتصعيدية" وذلك من مجموعة بنود قاسية وغير واقعية، وهذا الموقف الحكومي يحمل أهدافاً سياسية أبرزها تحصيل مساعدات مالية أكبر، إضافة إلى محاولة تخفيض شروط صندوق النقد الدولي الإصلاحية.

ويترافق هذا الشحن السياسي مع قرارات بعض البلديات لفرض سلطتها ضمن نطاقها الجغرافي على اللاجئين. وآخره ما دعت إليه بلدية بنت جبيل (جنوب لبنان)، منذ يومين، السوريين المقيمين لديها للحضور إلى مبنى البلدية لتسجيل أسمائهم مع أفراد عائلاتهم لدى قلم البلدية، وذلك ابتداء من نهار الأربعاء وحتى نهار الجمعة المقبل، مع ضرورة إحضار جميع الأوراق الثبوتية المتعلقة بجميع أفراد العائلة وعقود الإيجار في حال وجودها مع الإقامات المسجلة لدى الأمن العام، ودفتر القيادة وأوراق التسجيل.

واعتبرت البلدية أن كل من يتخلف عن الحضور "يعتبر مقيما غير شرعي وغير قانوني. وعليه سوف يتم ترحيله مباشرة مع عائلته إلى الحدود اللبنانية على المصنع"، وفق البيان الصادر.

وهذا الإجراء المعلن يعني أنه قد يعمم على بلديات أخرى أخذت الضوء الأخضر من الحكومة والأحزاب السياسية ذات النفوذ الأكبر، الأمر الذي سيؤدي إلى توترات ميدانية واعتداءات محتملة على المخيمات وأماكن سكن اللاجئين، وذلك انطلاقاً من أن كثيراً من السوريين في لبنان غير مسجلين لدى الأجهزة الحكومية، ولا يملكون الأوراق الثبوتية المطلوبة.

رهاب طائفي

ويشير مصدر حكومي لبناني رفيع لـ"تلفزيون سوريا" إلى أن هناك خلفيات سياسية لهذا المسار الذي أعيد تفجيره، بعد أن عجزت الحكومات المتعاقبة عن معالجته، وبعد الفشل الذريع لخطة عودة السوريين إلى بلادهم تحت إشراف المدير العام السابق للأمن عباس إبراهيم وبدعم من حزب الله.

بالمقابل يستهجن المصدر هذا المستوى من الاحتقان السياسي والشعبي، ويعتقد أنه لم يأت من عبث "بل نتيجة تراكم مواقف تحريضية تعزز أجواء الفتنة الداخلية، معطوفة على الحملات الإعلامية المحلية التي تربط تفشي الجرائم والفقر والفوضى والكوليرا وكل مظاهر الانهيار باللاجئين السوريين، وذلك من خلفيات مذهبية وعنصرية وطائفية.

واعتبر المصدر أن انضمام أحزاب لبنانية مناوئة للنظام السوري كالقوات اللبنانية وحزب الكتائب للموجة "يشكل سقطة أخلاقية بهدف ركوب موجة الشعبوية التي أرساها التيار الوطني الحر واستطاع جر كل القوى السياسية إليها دون الالتفات لعواقبها المحتملة على اللبنانيين والسوريين".

ومن هذا المنطلق، يرى الباحث في مركز كارنيجي الدكتور مهند الحاج علي أن هذا التسارع المفاجئ في إطلاق حملات سياسية وإعلامية ضد اللاجئين يحمل أهدافاً سياسية واضحة، أبرزها الهروب من الانفجار الاقتصادي والاجتماعي المتوقع بسبب الانهيار الحاصل ومع تسارع الإفلاس المالي، الأمر الذي يمهد لتزايد العنصرية والابتزاز من قبل السلطة اللبنانية والسورية لتحصيل مكاسب وتنازلات دولية وإقليمية.

ويعتقد الحاج علي أن ملف اللجوء السوري يحتاج إلى حلول سريعة وجدية، لكن السؤال المطروح حتى اللحظة هو في كيفية المعالجة الصحيحة للملف، وخاصة أن تهجير السوريين منذ بداية الحرب كان ممنهجاً، وفي سياق سياسة اعتمدها النظام السوري وحلفاؤه بغض نظر دولي من خلال الصمت عن أكبر عملية تهجير ديمغرافي وتطهير عرقي.

ويشير إلى أن موجات العنصرية ليست محصورة في لبنان، بل تترافق مع حملات أخرى في الأردن وتركيا ودول الاتحاد الأوروبي وهي تحمل أبعاداً دينية وعرقية متعددة.

استعادة الشعبية وتعويل على الأسد

من جانبه يرى الباحث ربيع دندشلي أن الأحزاب المسيحية وبعد الانتخابات النيابية وفشلها في انتخاب رئيس للبلاد باتت تبحث عن استعادة شعبيتها بالتحريض على اللاجئين، وخصوصاً أن هذا الخطاب يلقى آذان مصغية على المستوى الشعبي، في ظل استمرار المواقف السياسية التي تحمل اللجوء مسؤولية كل الأزمات، مع خطاب مترافق يتحدث منذ مدة عن "كثافة مسلمة" وسنية في ظل الهجرة المسيحية بعد الانهيار المالي.

وبحسب دندشلي، فإن هذه الحملة مرتبطة بشعور لدى الأطراف الداخلية التي تتخذ من الملف السوري شماعة، وهي تراقب عن كثب الانفتاح العربي الحاصل على الأسد والشروط الخليجية بإعادة اللاجئين وتريد حجز مقعد لها على طاولة التسوية الإقليمية من بوابة اللجوء، في حين يشير المحلل اللبناني إلى أن لبنان هو جزء من أزمة اللاجئين وخاصة أن حزب الله هو أحد الأطراف المسؤولة عن التهجير واللجوء عبر انخراطه بالحرب الى جانب النظام.

وعليه فإن دندشلي يميل للاعتقاد بأن الأطراف المسيحية في لبنان تنتظر من النظام السوري أن يقدم على خطوات أمنية ومصالحات داخلية في إطار تحسين علاقاته مع دول الخليج، من خلال اتخاذ خطوة تقتضي بإعادة عدد من اللاجئين، لكن ذلك لن يحصل لأن النظام غير جاهز لتقديم أي ضمانات إنسانية.

أهداف سياسية: تعويم فرنجية أو قائد الجيش؟

وتتقاطع مصادر حكومية وبرلمانية على أن ما جرى خلال الأيام الماضية من إثارة ملف اللجوء والترحيل القسري لللاجئين السوريين، يتزامن مع خطاب قوى "الممانعة" المتعلقة بربط ترشيح سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية في لبنان.

وتشير المصادر إلى أن فرنجية افتتح الحملة على اللجوء من على منبر البطريركية المارونية منذ أيام عبر الحديث عن أنه الأقدر على حل الأزمة بكونه صديق رئيس النظام السوري بشار الأسد، وأن إعادة اللاجئين بحاجة إلى تنسيق مع الحضور العسكري لحزب الله الموجود في الأرض السورية، وهذا المسار سيتصاعد في المرحلة المقبلة طالما أن فرنجية ما يزال مرشح الثنائي الشيعي.

وتعتقد المصادر أن خطاب التيار العوني وحلفاء الأسد بتحميل الجيش مسؤولية التعاطي الأمني مع ترحيل اللاجئين، هدفه إحراج قائد الجيش جوزيف عون (المرشح للرئاسة) محلياً ودولياً في ظل الموقف الغربي والأوروبي من التعاطي الحكومي والخطط الموضوعة لإعادة السوريين عودة غير آمنة وإظهار عون على أنه المسؤول عن كارثة إنسانية تنافي القوانين الدولية.

بالمقابل فإن الباحث مهند الحاج علي يختلف مع هذه النظرة ويعتقد أن الجانبين يلعبان على وترها السياسي والشعبوي، كما يرى أن ما جرى قد يكون رسالة من قائد للجيش لحزب الله والنظام أنه قادر على إعادة اللاجئين إلى سوريا.

وارتفعت وتيرة المداهمات التي تشنها السلطات اللبنانية ضد اللاجئين السوريين منذ مطلع نيسان الجاري لتشمل عدة مناطق في مختلف أرجاء البلاد، في وقت تتصاعد فيه وتيرة العنصرية وخطاب الكراهية ضد اللاجئين وترتفع أصوات المسؤولين المعارضة لوجودهم والمطالبة بترحيلهم.

والأسبوع الماضي، قال مركز "وصول" اللبناني لحقوق الإنسان إن الجيش اللبناني نفذ عمليات ترحيل جماعية لنحو 64 لاجئاً سورياً، منهم 29 في حارة الصخر ببيروت، و35 لاجئاً في منطقة وادي خالد شمالي لبنان، مشيراً إلى تعرض اللاجئين لمداهمات وسوء معاملة.