icon
التغطية الحية

من ارتدى هذه القطعة قبلي؟.. بالة الأغنياء تنتشر في اللاذقية

2023.01.28 | 05:20 دمشق

ملابس البالة للأغنياء في اللاذقية
يدفع الأغنياء في سوريا مبالغ كبيرة ثمنا لبالة الماركات العالمية ـ الصورة: pexels
اللاذقية ـ علي أحمد
+A
حجم الخط
-A

"من ارتدى قطعة الملابس هذه قبلي؟" سؤال قد لا يرد في بال الفقراء، لكنه قد يكون أكثر ترددا في رأس الأغنياء الذين يلبسون بالة من الماركات العالمية، والتي لا يرتديها سوى الأثرياء وميسوري الحال في الغرب. يقول تاجر بالة لموقع تلفزيون سوريا.

عززت "الموضة السريعة" أسواق البالة في دول العالم الثالث وأصبحت تباع عن طريق الإنترنت في دول كثيرة مثل تركيا، في حين ما زالت في سوريا تعتمد على الأسواق التقليدية، وتأتي معظم الملابس المستعملة من العاصمة الغانية "أكرا" التي تعدا أكبر سوق لتوزيع البالة في غربي أفريقيا، ومن هناك ينقلها التجار إلى سوريا عبر لبنان أو مباشرة إلى الموانئ السورية تهريبا أو بطرق "شرعية" بالاتفاق مع الجمارك. وفي حين يبحث الفقراء وذوو الدخل المحدود عن ألبسة صالحة للاستعمال، ينتظر أغنياء اللاذقية وصول "قطع" غالية الثمن من أكبر الماركات العالمية، مثل لويس فيتون وبوس وزارا ولاكوست وغيرها.

البالة.. سوق الأغنياء في اللاذقية

تعتبر البالة سوقاً واسعاً تجد فيه كثيراً من الحاجيات التي لن تخطر ببالك، بدءاً من الملابس الخارجية والداخلية والأحذية، وصولاً لفرش المنزل من سجاد وأغطية أسرة وملاءات والستائر وهو ما قد يعتبر غريباً وجوده ضمن سوق البالة، حتى إنك تجد محالَّ متخصصة ببيع الستائر وأخرى لبيع أغطية الأسرة، وغيرها للسجاد، وأيضاً محال متخصصة ببيع الملابس الداخلية بأنواع لا تجدها في السوق الجديدة.

يقصد كثيرون من ذوي الدخل الجيد والأغنياء سوق البالة لهدف غير توفير المال، فقد باتت البالة بالنسبة لبعض الأثرياء الجدد في سوريا وسيلة للحصول على قطع أجنبية وبأسعار أرخص، حيث يعتمد بعض أصحاب البالة على استيراد ملابس وأحذية جديدة من وكالات أجنبية خارج سوريا ويدخلونها إلى سوريا على أنها مستعملة ومن ثم يبيعونها لزبائن محددين وبأسعار مرتفعة جداً.

فتجد في مثل هذه المحال ثياباً يبدأ سعرها من 50 دولارا ومعاطف من الجوخ أو الفرو يصل سعرها لأكثر من 200 دولار وهو ما يثير استهجان الفقراء ولكن هذه البضاعة لها روادها.

وبحسب أبو معروف أحد أصحاب محال البالة، فإن زباءنه هم من الطبقة المخملية ممن يدفعون مبالغ خيالية ليشتروا ملابس أجنبية، وأبو معروف لديه معارفه في دول الجوار فيشتري من تصفيات وكالات الألبسة ويحضرها لسوريا بالاتفاق مع عناصر في الجمارك ورجال الأمن التابعين للنظام.

"هناك اتفاق غير معلن بين أصحاب بالات "الكريم" أي بوكالتها أو الوكالات وبين عناصر الأمن والجمارك على إدخال بضائع جديدة من وكالتها من بلد المصدر ومن ثم إيصالها لهذه المحلات مقابل سعر يتفق عليه الطرفان" يقول أبو معروف.

وحسب أبو معروف فغاية أصحاب محال البالة "الكريم" هو جذب الطبقة الثرية التي ظهرت مؤخراً في سوريا والتي لا يناسبها أن ترتدي ملابس سورية وفي نفس الوقت يصعب عليهم السفر للخارج فيحافظون بذلك على أسلوب حياة مميز وثري.

البالة للطبقة الميسورة

بدأت رحلة سميرة مع سوق البالة بعد ولادتها لطفلها الأول، فالطفل يحتاج لكثير من الملابس في عامه الأول. حينها وجدت سميرة نفسها عاجزة عن شراء ملابس لرضيعها بسبب ارتفاع ثمنها، فقصدت محال البالة ووجدت كثيراً من ملابس الأطفال بأسعار رخيصة وجودة عالية ووجدت بعضاً منها أفضل من الملابس الجديدة. "استصعبت الأمر في البداية ولكن عند تجربتي لملابس الأطفال وجدت تفصيلاتهم أجمل وثبات ألوانهم أفضل، وهنا بدأت رحلتي مع سوق البالة".

تشتكي سميرة حالياً من ارتفاع أسعار البالة ولكن رغم ذلك وجدت حلولاً، فمحال البالة تعرض بضاعتها بثلث وربع السعر في نهاية موسم الشتاء والصيف وأيضا تعرض القياسات الكبيرة والتي فيها عيب بسيط بأسعار أقل، سميرة تختار هذه القطع وتذهب في نهاية موسمي الصيف والشتاء وتعود بكميات كبيرة من الملابس لمنزلها لتفرزها بين ملابس تحتاج للغسيل وملابس تحتاج لإصلاح وملابس تحتاج لتصغير مقاس. وعند انتهائها من هذه العملية تحصل على تشكيلة جميلة جداً من الملابس لها ولأولادها للعام المقبل."حتى عندما أضطر لحضور مناسبة أقصد محلات البالة وأنتقي فستان سهرة جميل وأشتريه وأدخل عليه بعض التعديلات عند الخياطة فأحصل على أجمل فستان أجنبي الصنع". تتباهى سميرة بقدرتها على انتقاء أجمل وأجود القطع من البالة دون قدرة أحد على معرفة مصدر ملابسها والتي تبدو كأنها جديدة وأجنبية غير مستعملة.

عناصر مخابرات وضباط يتاجرون بالبالة في سوريا

انتشرت في الآونة الأخيرة محال كثيرة للبالة في المدن والأرياف تحديداً، وبالبحث قليلاً يتبين أن قسماً كبيراً من المحال الجديدة تعود ملكيتها لرجال في المخابرات أو ضباط في الجيش أو حتى عناصر في الجمارك وحرس الحدود، ماقد يكون محاولة لتبييض أموالهم غير الشرعية.

شفيق؛ أحد تجار البالة القدامى في السوق، يحدثنا عن مصادر البالة التي يبيعها في متجره، والتي تعددت منذ سنين، ففي البداية كان يحصل على البضاعة بشكل رسمي عن طريق أحد التجار الكبار في البلد والذي يشتري منه معظم أصحاب محال البالة، ويتم الشراء بالكيلو أي يتم وزن الكيس الكبير ويباع حسب الوزن وليس حسب القطعة وهذا يعطي مجالاً أوسع للربح لشفيق وغيره.

ولكن هنالك مصادر أخرى للبالة كالتهريب، ففي المناطق الحدودية كريف حمص وريف طرطوس وسابقاً ريف اللاذقية الشمالي تصل كميات كبيرة من البالة عن طريق التهريب أو بمساعدة عناصر الجمارك وبسعر أقل من سعر الاستيراد النظامي.

"يوماً بعد يوم تصبح هذه المهنة متعبة، فتغير سعر الدولار والمحروقات يلعب دوراً في وصول البالة لسوريا، إضافة للإتاوات الكبيرة التي نضطر لدفعها لتصلنا بدون نقص وبشكل سليم"، يضيف شفيق.

لم يخفِ شفيق أنه وخلال سنين الحرب وصلته وغيره بضائع مسروقة من منازل ومحال تجارية وباعها هو وغيره من أصحاب البالة على أنها ملابس مستعملة أجنبية، وخصوصاً عندما حوصرت حلب وحمص وهاتان المدينتان يوجد فيهما سوق تهريب كبير من تركيا ولبنان، وحتى يومنا هذا أكد شفيق أنه كثيراً ما تباع في البالة ملابس مسروقة وهذه الملابس يوزعها ويبيعها عناصر في المخابرات والجيش.

أما عن سبب انتشار محال البالة بكثرة عن سابق السنين، فحسب شفيق هذا الموضوع يعود لأسباب عديدة أحدها هو أنها تحتوي على ربح عالٍ ومضمون، وإضافة إلى أن كثيرين من تجار الحرب استخدموها كواجهة لتغطية مصدر أموالهم.

يوضح "معروف في سوريا وجود مناطق محددة للبالة مثلاً في اللاذقية سوق أوغاريت ومحال متفرقة في منطقة الزراعة وفي دمشق في منطقة الفحامة والمزة ولكنك اليوم تجد البالة منتشرة بكثرة ودون رقيب".

عادة المحال التجارية يفرض عليها أن تكون مسجلة في السجلات التجارية ودفع ضرائب شهرية للمالية، أما بالنسبة لسوق البالة فهناك التفاف على هذه القوانين بدفع إتاوات ورشى لموظفي المالية وعناصر المخابرات.