icon
التغطية الحية

الأزمة الاقتصادية والأمن القومي.. كيف تدير تركيا معاركها على جبهتين؟

2024.04.29 | 05:43 دمشق

آخر تحديث: 29.04.2024 | 11:10 دمشق

كيف تدير تركيا معاركها على جبهتين؟
كيف تدير تركيا معاركها على جبهتين؟
إسطنبول - حمزة خضر
+A
حجم الخط
-A

تواجه تركيا تحديات معقدة تمتد على المستويين الاقتصادي والأمني، وتعمل أنقرة على مواجهتها من خلال استراتيجيات متعددة وفتح قنوات دبلوماسية جديدة، فبعد الأزمة الاقتصادية التي ضربت البلاد متأثرة بالحرب الروسية الأوكرانية، والسياسات الاقتصادية غير التقليدية التي اتبعتها، تحتاج أنقرة إلى حلول جذرية وفعالة، خاصة مع وجود التحدي الأمني المتمثل في نشاط حزب العمال الكردستاني في شمال العراق وقوات سوريا الديمقراطية، التي تعتبرها تركيا امتداداً للحزب في سوريا.

إثر الانتخابات العامة التي جرت في أيار من العام الماضي وتشكيل حكومة جديدة، بادرت تركيا إلى تحسين علاقاتها مع الدول الإقليمية والغربية، واستثمرت أنقرة الأزمة الأوكرانية والمفاوضات حول انضمام السويد لحلف الناتو لتعزيز موقفها ضد تمويل حزب العمال الكردستاني وقوات سوريا الديمقراطية، ممارسةً ضغوطاً على داعميهم في السويد وفنلندا.

وأحدث التحركات التركية تركزت في شمال العراق، حيث أعلنت أنقرة عن خططها للقضاء على وجود حزب العمال الكردستاني بحلول الصيف المقبل، كما أفاد وزير الدفاع التركي، يشار غولر، بأن تركيا قريبة من إنهاء وجود العمال الكردستاني على حدودها الشمالية مع سوريا والعراق، مع التركيز بشكل خاص على شمال العراق.

صيف ساخن في العراق

سبق تصريح وزير الدفاع "غولر" زيارة وفد تركي رفيع المستوى يضم وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، ورئيس الاستخبارات إبراهيم كالن إلى العاصمة العراقية بغداد في آذار الفائت، حيث ناقشت الأطراف سبل مكافحة الإرهاب وإنشاء "مركز عمليات مشترك" لتعزيز التعاون، حيث أفاد موقع (Daily Sabah) التركي، بأن العراق أصبح أكثر استجابة لهذه الفكرة، التي طرحها الجانب التركي سابقاً.

وانطلق الرئيس التركي أردوغان، مطلع الأسبوع الفائت، في رحلة إلى العراق شملت بغداد وأربيل، لمناقشة عدة مسائل إقليمية ودولية، أبرزها مكافحة الإرهاب، وقال خلال مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، إنهما بحثا الخطوات المشتركة التي يمكن أن يتخذها البلدان ضد مقاتلي حزب العمال الكردستاني، ورحب بتصنيف بغداد للجماعة على أنها محظورة.

في الوقت الذي تسعى فيه أنقرة لتحقيق أهدافها الداخلية والخارجية المتعلقة بملفها الأمني، تواصل أيضاً جهودها لتعزيز وضعها الاقتصادي والخروج من الأزمة التي تعاني منها منذ عامين، حيث وقّع الرئيس أردوغان مع العراق، بمشاركة دولة الإمارات العربية المتحدة وقطر، على مشروع "طريق التنمية" وذلك بحسب ما نقلت وكالة (رويترز) للأنباء.

الاقتصاد ينهي عشر سنوات من التوترات

وتعتبر اتفاقية "طريق التنمية" الموقعة مع الأطراف المذكورة دلالة على توطيد العلاقات التركية الإماراتية التي ساءت قبل سنوات بسبب الدعم التركي المقدم إلى قطر في حصار الخليج لها، وتوجيه أنقرة أصابع الاتهام  إلى أبوظبي بدعمها قوات سوريا الديمقراطية، وذلك بحسب تقرير نشرته وكالة (الأناضول) التركية في آب 2020.

وعملت تركيا على إعادة العلاقات مع الإمارات العربية المتحدة بهدف إيقاف الدعم المقدم إلى قوات سوريا الديمقراطية، إلا أن الهدف الآخر والذي كانت تبحث عنه أنقرة هو توقيع اتفاقيات اقتصادية مع أبوظبي، حيث زار محمد بن زايد آل نهيان الذي كان نائب رئيس دولة الإمارات حينها في 2021 بعد اتصال هاتفي أجراه أردوغان مع بن زايد قبل شهر من الزيارة.

وعقب تولي وزير المالية والخزانة التركية محمد شيمشك منصبه في الحكومة المشكلة بعد الانتخابات العامة الفائتة، ذهب برفقة نائب الرئيس التركي جودت يلماز في زيارة إلى أبوظبي غاب عنها وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، ومهدا الطريق لزيارة الرئيس التركي أردوغان إلى الإمارات، وناقشوا مع حكومة أبوظبي فرص التعاون الاقتصادي وخاصة في مجالات الطاقة والدفاع.

وبناءً عليه زارها الرئيس التركي أردوغان في تموز من العام الفائت، وقع الطرفان حينها  13 وثيقة في مختلف المجالات بين البلدين بقيمة وصلت إلى 50.7 مليار دولار، وأعلنا عن إنشاء "مجلس استراتيجي" رفيع المستوى برئاسة رئيسي البلدين، منهية بذلك توتر العلاقات الذي استمر مدة 10 سنوات، تضمن من خلالها أنقرة علاقاتها مع أبوظبي بعيداً عن حزب العمال الكردستاني.

تحركات إقليمية تضعف "تحالف الكلاماتا"

أدى التقارب والمصالح المشتركة التي نشأت بين تركيا والإمارات العربية المتحدة، بالتزامن مع المملكة العربية السعودية إلى إضعاف تحالف اليونان وقبرص ومصر الذي كان يلقى دعماً من الدولتين الخليجيتين، وافضى إلى تقارب تركي مصري بوساطة قطرية بدأت بمصافحة جرت بين الرئيس التركي أردوغان ونظيره المصري السيسي في افتتاحية كأس العالم 2022.

وساهمت العلاقات بين تركيا ومصر في إحداث تقدم في قضايا معقدة أهمها ترسيم الحدود البحرية في البحر الأبيض المتوسط، حيث اعتبرت تركيا احترام مصر لحدود الجرف القاري التركي خلال طرحها مزايدة للتنقيب عن النفط والغاز شرق المتوسط خطوة إيجابية تعزز من التقارب بين البلدين.

وسبق هذه الوساطة اجتماعات بدأت في 2014 واستمرت إلى 2021 جمعت مصر واليونان وقبرص اليونانية، والذي عُرف بـ "تحالف الكلاماتا" وبمباركة سعودية واماراتية وبحرينية وفرنسية، كان آخرها عندما أعلن وزير الخارجية اليوناني نيكوس ديندياس من عاصمة بلاده أثينا في ختام منتدى حمل عنوان "منتدى فيليا" وعقد مع نظرائه من دول عربية وحوض المتوسط، عن نية بلاده "بناء الصداقة والسلام والازدهار في المنطقة".

وأدى التقارب المصري التركي إلى عزل اليونان وقبرص فيما يتعلق بترسيم الحدود البحرية، واللتان تمتلكان تاريخاً طويلاً من الشد والجذب مع تركيا، ما دفعهما إلى بدء سلسلة من المحادثات مع أنقرة ظهرت أولى نتائجها عندما أغلقت اليونان معسكر "لافريون" الذي يُعتقد أنه يُستخدم كقاعدة من قبل حزب العمال الكردستاني، حيث أعرب أردوغان عن ارتياحه لإغلاقه في زيارته إلى أثينا في كانون الأول من العام الفائت.

كيف استفادت تركيا من الغزو الروسي على أوكرانيا؟ 

وعزز الغزو الروسي على أوكرانيا من عملية التقارب التركية اليونانية، العضوين في حلف شمال الأطلسي، وخاصة بعد تقديم كلٍ من فنلندا والسويد طلبات للانضمام إلى التحالف، إلا أن أردوغان أعلن معارضته انضمام البلدين الشماليين بسبب ما وصفه بدعمهما لـ "المنظمات الإرهابية" في إشارة إلى حزب العمال الكردستاني ووحدات الحماية الشعبية في سوريا.

وفرضت تركيا لقاء قبول السويد في حلف الناتو سبعة شروط، حيث ينص البند الثاني على التذكير بجهود تركيا والسويد على مدار السنة الماضية في معالجة مخاوف تركيا الأمنية المشروعة، إذ أقدمت الحكومة السويدية على تغيير قوانين مكافحة الإرهاب بما في ذلك حزب العمال الكردستاني ورفع حظر توريد الأسلحة إلى تركيا، إلى جانب إنشاء آلية تجتمع مرة واحدة في السنة على مستوى الوزراء في تركيا والسويد، بالإضافة إلى آلية جديدة للتعاون ضمن الآلية الثلاثية المشتركة الدائمة مع فنلندا.

ووضعت تركيا في السياق نفسه شرطاً على السويد بتقديم خطة لمكافحة جميع أشكال الإرهاب، مع التأكيد على أن السويد لن تقدم دعماً إلى جماعة فتح الله غولن المحظورة في تركيا، ووحدات حماية الشعب الموجودة في شمالي سوريا، في حين تضمن إعلان القرار بنوداً بتطوير العلاقات الاقتصادية بين البلدين، وأن "السويد ستقدم مساهمة نشطة في جهود تجديد عملية انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك تحديث الاتحاد الجمركي وتحرير التأشيرات".

حقبة جديدة من العلاقات التركية الأميركية

وأدت التحالفات والتفاهمات والاتفاقيات الاقتصادية التي استطاعت تركيا تحقيقها خلال السنوات السابقة، خاصة في السنة الأخيرة إلى تسهيل عملية التفاوض مع الولايات المتحدة الأميركية على عدة مستويات، بما فيها صفقة تحديث مقاتلات (F16) وشراء مقاتلات من نفس الفئة.

وترجم هذا التقارب الذي تعمل عليه تركيا عبر إنشاء استشارية مكافحة الإرهاب الأميركية-التركية التي أُعيد إطلاقها في اجتماعات الآلية الاستراتيجية في واشنطن العاصمة في آذار 2024، حيث  زارت منسقة مكافحة الإرهاب إليزابيث ريتشارد أنقرة لإجراء محادثات مع نظرائها الأتراك في 22 من نيسان الجاري.

وأوضحت وزارة الخارجية الأميركية في بيان أن "السفيرة ريتشارد ونظراءها من الحكومة التركية سيعملون على توسيع وتعزيز التعاون الأميركي-التركي في مجال مكافحة الإرهاب لمنع سفر الإرهابيين؛ مكافحة الشبكات المرتبطة بالإرهاب و المتورطة في الجريمة المنظمة" وهو الأمر الذي عملت تركيا على تحقيقه مع الولايات المتحدة التي تراها الداعم الأكبر إلى وحدات حماية الشعب في شمال سوريا.

في ظل التحديات المتنوعة التي تواجهها تركيا، تحاول أنقرة استخدام مزيج من الاستراتيجيات الدبلوماسية والأمنية لمواجهة المشكلات الاقتصادية والأمنية المستمرة. عبر التعامل مع الأزمات الداخلية والخارجية، تسعى الحكومة التركية إلى استغلال الفرص الدبلوماسية لتعزيز علاقاتها الإقليمية والدولية وتحسين وضعها الاقتصادي والأمني.

الانتخابات الأخيرة وتشكيل الحكومة الجديدة قد مهدت الطريق لأنقرة نحو اتخاذ خطوات قد تؤدي إلى تحسينات ملموسة في المستقبل. تشير الاتفاقيات الاستراتيجية وتحسين العلاقات الدولية التي تمت مؤخرًا إلى سعي تركيا لتعزيز مكانتها كقوة إقليمية.