icon
التغطية الحية

رئيسي في سوريا.. مساعي التحول من الميليشيات العسكرية إلى الكارتيلات الاقتصادية

2023.05.05 | 07:11 دمشق

بشار الأسد وإبراهيم رئيسي بعد توقيع اتفاقيات اقتصادية جديدة
بشار الأسد وإبراهيم رئيسي بعد توقيع اتفاقيات اقتصادية جديدة
إسطنبول ـ ضياء قدور
+A
حجم الخط
-A

في ظل حالة عدم اليقين من المحصلة التي يمكن أن تتمخض عنها الجهود التي يقودها الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي على صعيد الدبلوماسية الاقتصادية في زيارته الأخيرة إلى سوريا، لا يمكن إنكار أن إيران تحاول، في خضم احتفالها بنصرها المزعوم من قلب دمشق، تصوير زيارة رئيسها إلى سوريا على أنها محاولة جادة منها للعبور من الحالة الميليشياوية الفجة أو الاستشارية العسكرية، على حسب زعمها، إلى حالة التعاون والاستقرار الاقتصادي "الحضارية"، ولو على الصعيد الإعلامي على الأقل.

شركات إيرانية واجهة

ومع التأكيدات الإيرانية والسورية المشتركة والمكررة على مفهوم "الانتصار" المزعوم كهدف أساسي لزيارة رئيسي إلى دمشق في المقدمة، وإبداء عدم رغبة في تقديم أي تنازلات في ساحة الميدان السياسي والأمني بالتزامن مع زحمة تطبيع عربي، وصفتها الإدارة الأميركية بالمفاجئة، يمكن لهذه التحركات الإيرانية "الصورية" أن تترك الباب موارباً أمام المتوجسين من العرب للعودة الطوعية إلى سوريا من بوابة النظام والقبول بالأمر الواقع، والمشاركة في عمليات إعادة الإعمار المكلفة مع بعض التحسينات الشكلية بإزالة بعض الرايات الطائفية ووضع يافطات حضارية لشركات إيرانية واجهة بدلاً منها.

يستبعد الكثير من المراقبين أن تتخلى إيران عن الاستمرار في تعزيز جهودها الأمنية والعسكرية في سوريا، لكن قدوم رئيسي على رأس ميليشيا اقتصادية ضخمة إلى سوريا في 3 أيار الجاري، يبين أن هناك تغييراً، ولو من الناحية الشكلية، سيطرأ على الحضور الإيراني في سوريا، في خطوة إيرانية تتجنب بشكل خجول إثارة المزيد من الحنق العربي المكبوت، وتزيل الحرج عن فتح أبواب اقتصادية عربية ستعود بالنفع الإيراني السوري المشترك بعد الاطمئنان من استقرار حالة الميدان واتجاه الرياح الإقليمية والعالمية.

بغض النظر عن مستقبل إيران الاقتصادي في سوريا، يشير تحرك رئيسي الأخير على الصعيد الاقتصادي البحت وغياب قائد فيلق القدس إسماعيل قاآني عن صورة المشهد بشكل تام، إلى مزاعم تريد طهران أن تروج لها من خلف زيارة رئيسها إلى سوريا، بالادعاء بأن وجودها في سوريا "ليس عامل عدم استقرار" وأنها مستعدة "للتنازل" في أن تكون شريكاً اقتصادياً مع أعداء الأمس والدول العربية لإعادة إعمار سوريا بعد قبولهم بالواقع الأمني والعسكري الذي صاغته هناك خلال الأعوام الماضية.

"استدراك إهمال سابق لسوريا"

وفي هذا الصدد، تقول صحيفة شرق اليومية نقلاً عن "وكالة أنباء إرنا" الحكومية في تقرير بعنوان (لماذا تغضب واشنطن من وجود رئيسي في سوريا؟): "بعد مرارة الحرب، دمشق مستعدة الآن للعودة إلى الجامعة العربية، وقد توصلت كل من الدول العربية والإسلامية والعديد من الدول الغربية إلى استنتاج مفاده أن الشرق الأوسط لا يمكن تقسيمه، وأن الطريقة الوحيدة لحمايته هي تعاون جميع دول المنطقة في توفير الأمن".

وفي إشارة إلى تركيا والإمارات، بصفتهما قوى اقتصادية بلا منازع في سوريا، أشارت الوكالة إلى أن سوريا مستعدة لإعادة الإعمار وتحتاج إلى دعم إيران أكثر من أي وقت مضى، مؤكدة على أنه لا ينبغي أن تستمر في إهمال هذه الجغرافيا وأسواقها.

وزعمت الوكالة الإيرانية أن إعادة إعمار البنية التحتية لسوريا من قبل إيران ستؤدي إلى استقرار المصالح الاقتصادية لطهران، مشيرة إلى أن وزراء الاقتصاد في الحكومة الثالثة عشرة موجودون إلى جانب رئيسي الآن في دمشق لإنهاء الإهمال السابق لسوريا.

وفي محاولة لإلقاء اللوم على حكومة روحاني السابقة بتراجع معدلات التبادل الاقتصادي الإيراني السوري، أكدت الوكالة على أن حكومة رئيسي حددت الوجود في سوريا كأولوية لها، منذ بداية توليها مسؤوليتها، ومع النظرة الجديدة المحددة في السياسة الخارجية للتواصل الكامل مع "الجيران"، ولذلك اضطرت الوزارات الاقتصادية إلى تحديد فرص إيران بالنسبة لسوريا وسوريا بالنسبة لإيران، بحسب زعمها.

الوكالة أوضحت كذلك، أن نهج طهران الجديد نحو دمشق في ظل العقيدة الجديدة في السياسة الخارجية يقوم على تأمين مصالح البلدين. مؤكدة في نهاية تقريرها على أن اجتياز الاستشارات العسكرية والوصول إلى مرحلة الشراكة الاقتصادية مع سوريا هو المحور الرئيسي للنهج الجديد على جدول الأعمال.

سوريا كسوق إيراني

وعقب زيارة إبراهيم رئيسي الأخيرة إلى سوريا الأربعاء الفائت، أعلنت صحيفة كيهان المقربة من المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي عن توقيع الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، وبشار الأسد في قصر الشعب السوري على البرنامج الشامل للتعاون الاستراتيجي طويل الأمد بين إيران وسوريا في مختلف المجالات.

وأشارت الصحيفة إلى أن كبار المسؤولين في إيران وسوريا بحضور رئيسي وبشار الأسد وقعوا على 14 وثيقة تعاون بين البلدين في مجالات التعاون التجاري والنفط والطاقة والهندسة الفنية والإسكان والسكك الحديدية والنقل الجوي والمناطق الحرة والقطاع الخاص والاتصالات والتكنولوجيا، وقضايا الإغاثة من الزلزال وتسهيل شؤون الزيارة الدينية.

وأكدت على أن وزراء الخارجية والطرق والتنمية الحضرية والاقتصاد والنفط والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات وقعوا على هذه الوثائق مع نظرائهم السوريين.

وفي ذات السياق، تنقل صحيفة اعتماد الإيرانية في مقابلة مطولة تحت عنوان (على إيران أن تجعل استثمارها الأمني والسياسي الضخم في سوريا مربحاً)، عن نصرت الله طاجيك ، سفير إيران السابق في الأردن، قوله: "بعد إرساء الأمن في سوريا، يجب على إيران أن تزيد بشكل كبير من ثقل العلاقات الاقتصادية في العلاقات الثنائية وأن تنظر إلى سوريا كسوق اقتصادي كبير".

وأوضح طاجيك أن "سوريا يمكن أن تكون سوق عمل لقواتنا الشابة والمتعلمة، سواء في الخدمات التقنية والهندسية أو في مجال البرمجيات والتكنولوجيا، ويمكن أن تكون أيضاً سوقاً كبيراً لسلعنا الاستهلاكية".

وبكل وضوح يشير طاجيك إلى أن "نصيب الدول الأخرى هو جلب رأس المال وإعادة بنائه"، وأنه "كل من الدول الأوروبية والأميركية والدول العربية التي لعبت دوراً في هذه الأزمة بشكل مباشر أو غير مباشر، أن تجلب أموالها لإعادة بناء هذا البلد".

وتابع طاجيك حديثه: "يجب أن نتجه نحو الاستفادة من علاقاتنا السياسية مع سوريا من أجل المصالح الاقتصادية المشتركة، ويجب أن نحاول بجدية أكبر أن ننظر إلى سوريا من منظور اقتصادي وسوقي وليس من منظور سياسي أو أمني".

وفي إشارة للمخاوف الأردنية من الوجود الإيراني على الحدود الجنوبية لسوريا يقول طاجيك: "حقيقة أن الأردن يقول إن الحكومة الإيرانية تتخذ إجراءات على حدود الأردن، لم يقبلها أي من مسؤولينا، ولا تبدو عقلانية، ولم يظهر دليل في هذه القضية".

وبين طاجيك أنه ما تم التحرك نحو "التعاون الاقتصادي"، فإن هذه الاختلافات مع الأردن ستنخفض، بحسب زعمه.

 وفي ختام المقابلة ادعى طاجيك أنه لا مصلحة لإيران في انعدام الأمن على حدود الأردن، مضيفاً أن "المصلحة الإيرانية كانت إحلال السلام والاستقرار في سوريا، وقد تحقق ذلك".