icon
التغطية الحية

زيارة رئيسي إلى سوريا.. قطاعات رابحة مقابل الديون وحجز مسبق لعملية إعادة الإعمار

2023.05.05 | 06:28 دمشق

بشار الأسد يستقبل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في "قصر الشعب" بدمشق - 3 أيار 2023 (رئاسة الجمهورية)
بشار الأسد يستقبل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في "قصر الشعب" بدمشق - 3 أيار 2023 (رئاسة الجمهورية)
إسطنبول - محمود الفتيح
+A
حجم الخط
-A

ما إن حطت طائرة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي والوفد المرافق له في مطار دمشق الدولي، صباح الأربعاء، حتى تكشفت أجندة الزيارة التي اتخذت طابعاً اقتصادياً بالدرجة الأولى، حاملة عنواناً عريضاً "حان موعد سداد الديون" حتى ولو كانت على شكل اتفاقيات استراتيجية بعيدة المدى، وحجز مقعد في مشاريع إعادة الإعمار المحتملة، التي يأمل النظام السوري بالحصول عليها مدفوعاً بالتطبيع العربي الأخير، في ظل تصاعد التنافس بين طهران وموسكو على تأمين مصالحهما في البلاد التي تشاركتا على تدميرها وتفتيت اقتصادها.

تأتي أهمية زيارة رئيسي، التي بدأت صباح الأربعاء واستمرت حتى الخميس، من كونها الأولى من نوعها لرئيس إيراني منذ بدء الثورة السورية عام 2011، على الرغم من الدعم الكبير الذي قدمته طهران لرئيس النظام بشار الأسد في المجالات العسكرية والسياسية والاقتصادية، لاستعادة السيطرة على مساحات واسعة من البلاد، وهذا ما عبرت عنه صحيفة الأخبار اللبنانية المقربة من طهران، التي اعتبرت أن الزيارة يراد لها أن تكون "احتفالية بنصر محور المقاومة"، واستثماراً لحركة التطبيع العربي مع النظام السوري.

مذكرة تعاون استراتيجي وتذكير بالديون المتراكمة

وقبيل زيارة رئيسي بأيام قليلة، أجرى وزير الاقتصاد في حكومة النظام السوري محمد سامر الخليل مباحثات في دمشق مع وزير الطرق الإيراني مهرداد بزر باش، في إطار "اللجنة الاقتصادية السورية - الإيرانية"، أفضت إلى توقيع عدد من الاتفاقيات بين الطرفين.

وقسمت الاتفاقيات إلى 3 مجموعات، أولها متفق عليها وجاهزة للتوقيع، وخاصة في مجال المناطق الحرة والمشروعات الصغيرة والمتوسطة والمعارض، بحسب ما صرح الخليل لصحيفة الوطن المقربة من النظام السوري.

أما المجموعة الثانية فتشمل مجالات السياحة والكهرباء والسكك الحديد، وهي اتفاقيات بحاجة إلى التفاوض وإلى تأكيد من الجانب الإيراني، بينما تتعلق المجموعة الثالثة باتفاقيات ما زالت قيد الدراسة، خاصة في مجالات الإعلام والمتاحف والآثار والبحث العلمي، وفقاً للخليل.

وكان من اللافت بعد المباحثات، ما كشف عنه بزر باش، بأن اتفاقاً سابقاً كان قد أبرم مع النظام السوري يمكّن إيران من الحصول على أراض في سوريا بدل الديون المالية، ولاستكمال الجهود في هذا السياق تمخض عن جلسات اللجنة المشتركة بين النظام وإيران تشكيل لجنة متابعة الديون والمستحقات، "لإجراء التحقيق الدقيق لحجم الديون".

ويبدو أن الوزير الإيراني مهد الطريق لزيارة رئيسي، والاتفاق مع بشار الأسد، مساء الأربعاء، على توقيع ثماني مذكرات تفاهم لخطة تعاون استراتيجي شامل وطويل الأمد، بقيت نصوصها وموادها سرية، لكنها تشمل عدة مجالات بينها الزراعة والنفط والنقل والمناطق الحرة والاتصالات وعدد من المجالات الأخرى، وفقاً لوكالة أنباء النظام "سانا".

مساع إيرانية للاستفادة من مشاريع إعادة الإعمار

خلال الـ 12 عاماً الماضية، قتل مئات الآلاف من السوريين، وتشرد أكثر من نصف السكان داخل البلاد وخارجها، وتحولت سوريا إلى ساحة تصفية حسابات بين قوى إقليمية ودولية، وقد ترك كل ذلك أثره على الاقتصاد، ما جعل بشار الأسد عاجزاً عن سداد ديونه لإيران، ومع هيمنة روسيا على معظم المشاريع الاقتصادية والتجارية، توجهت أنظار طهران إلى مشاريع إعادة الإعمار التي يطمح النظام إلى انطلاقها بعد التطبيع العربي.

وكشفت تصريحات الرئيس الإيراني قبيل زيارته هذه، مدى رغبة طهران في لعب الدور الأكبر في إعادة إعمار سوريا، حيث أكد استعداد طهران للتعاون مع النظام السوري بشأن هذا الملف، مشيراً إلى أن إيران "لديها طواقم فنية وشركات ذات كفاءة عالية، قادرة على أن تؤدي دوراً مهماً في إعادة إعمار سوريا".

لا شك أن الانفتاح الخليجي من شأنه أن يفعل الحركة التجارية والاقتصادية مع النظام السوري إلى حد ما، لكن عقبات عديدة تعيق أي إعمار حقيقي، وبينها، العقوبات الأميركية والغربية المفروضة على النظام والتي ستمنع السعودية والإمارات من تنفيذ مشاريع كبيرة وإنفاذ استثمارات.

وهنا يٌطرح السؤال عن الخيارات المتاحة لبشار الأسد لتسديد فاتورة بقائه في السلطة، الأمر الذي كلف إيران أموالاً طائلة، وصلت إلى 30 مليار دولار، بحسب عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني، حشمت الله فلاحت بيشه.

ما خيارات الأسد لسداد الديون؟

وفي حديث مع موقع "تجارت نيوز" الإيراني، دعا بيشه إلى استعادة أموال طهران من الأسد، وحث النظام السوري على تنفيذ العقود السابقة خلال زيارة رئيسي إلى دمشق، وكشف عن وجود "5 عقود رئيسية سابقة لسداد الديون، من بينها استخدام مزارع الأبقار، وأرض زراعية، ومناجم الفوسفات، وآبار النفط، ومشروع اتصالات، لكن لم يُنفذ أي منها، في حين أن روسيا تأخذ ديونها بسهولة من سوريا".

الاتفاقيات الإيرانية لتسديد الديون بحسب بيشه:

  1. وقعت حكومة النظام السوري عقداً مع إيران للسيطرة على جزء من مناجم الفوسفات في البلاد لمدة 50 عاماً، لكن إلى الآن لم تستطع طهران استثمار هذه المناجم، فقد واجهت حظراً لاستخراج الفوسفات من روسيا، التي تسيطر على ميناء طرطوس وتمنع إيران من استخدامه، ما دفع النظام لاقتراح تصدير الفوسفات من ميناء اللاذقية، إلا أن الميناء لا يملك البنية التحتية اللازمة، وكان الوزير بزر باش أشار قبل أيام بعد الاجتماعات في دمشق، إلى النشاط في مجال الاقتصاد البحري، متوقعاً ازدهار هذا القطاع، إذ تقرر أن يكون ميناء سوري تحت تصرف الجانب الإيراني، ولدى إيران مخططات طموحة تتعلق بربط شبكة السكك الحديدية لديها التي تمر بالعراق بميناء اللاذقية.
  2. وافقت حكومة النظام السوري على منح إيران نحو خمسة آلاف هكتار من الأراضي الزراعية لاستغلالها، لكن رفضت طهران استثمارها لأنها من دون سندات ملكية رسمية.
  3. اتفاق آخر هو آبار النفط المكتشفة حديثاً، التي كان من المفترض أن تستثمرها إيران بالكامل كجزء من استرداد الديون، وتعطي حكومة النظام السوري 12 في المئة منها، لكن لم ينجح هذا الأمر أيضاً، لأن هذه الآبار حديثة ولم تعمل بعد، وتفتقر إلى البنى التحتية وتحتاج لسنوات وأموال كبيرة لتشغيلها.
  4. كذلك كان من المفترض أن تقدم حكومة النظام السوري مزارع ماشية كبيرة لإيران، لكن اكتشفت طهران أن المنشآت مهجورة ولا يمكن استغلالها.
  5. العقد الخامس كان في قطاع الاتصالات، عبر منح إيران ترخيصا لمشغل ثالث للهواتف المحمولة في سوريا، لكنه فشل هو الآخر.

زيارة على وقع التطبيع

وتأتي زيارة رئيسي في خضم تقارب بين الرياض وطهران اللتين أعلنتا في آذار استئناف علاقاتهما بعد طول قطيعة على خلفية ملفات عدة بينها الملف السوري، بينما يسجل انفتاح عربي، سعودي خصوصاً، تجاه النظام السوري الذي قاطعته دول عربية عدة منذ العام 2011.

ويرى مراقبون أن إيران تستبق إتمام التطبيع بين تركيا والنظام السوري بشكل كامل، بتحركات تهدف من خلالها إلى تأمين نفوذها وحماية مصالحها التجارية وحصتها من إعادة إعمار سوريا والاستثمارات في قطاع الطاقة رغم أنها باركت خطوات التطبيع بين الجانبين وشاركت في الاجتماعات الأخيرة بالعاصمة الروسية موسكو.

ولا يستبعد أن تكون زيارة رئيسي إلى دمشق بسبب القلق الإيراني من مسار العلاقات السياسية بين تركيا والنظام السوري، خاصة في ظل وجود ضغوطات روسية تمارس على النظام السوري تتعارض مع المصالح الإيرانية في سوريا.