icon
التغطية الحية

زواج الأقارب في الشمال السوري.. ظاهرة ساهمت في انتشار الأمراض

2024.05.01 | 07:29 دمشق

زواج الأقارب
 تلفزيون سوريا - فؤاد خالد
+A
حجم الخط
-A

لم يكن يعلم فهد الأحمد أن زواجه من قريبته (ابنة عمه وابنة خالته في الوقت نفسه)، سيكون سبباً في رحلة شقاء طويلة بعد أن رزقا بطفل أصابه مرض وراثي، سبَّب له ضموراً في الدماغ وجعله يعيش إعاقة حركية دائمة يصعب تجاوزها، إضافة إلى التكاليف الباهظة والمستدامة التي عانى منها ذوو الطفل في رحلة علاجه.

تلقى فهد خبر إصابة ولده الرابع أشرف، بحزن شديد، وقال في حديثه مع موقع تلفزيون سوريا: "وقع ما كنت أخشاه"، مشيراً إلى أنه كان يتوقع أن يأتيه ولد معاق من بين أولاده، بسبب زواجه من قريبته من  طرف الأم والأب، خاصة أن العائلتين قد توفي لهما أكثر من ولد نتيجة للأمراض الوراثية.

دفع فهد ضريبة زواج الأقارب، فقد أصيب ولده بمرض وراثي منتشر في عائلته وعائلة أهل زوجته، ويسبب ضموراً في الدماغ وتأخراً في النمو.

وطلب الطبيب، المشرف على حالة ابن فهد، التوقف عن الإنجاب خشية أن يرزق بطفل آخر معاق، يزيد من معاناته، ونتيجة لعدم توفر علاج لابنه، تم تحويل الطفل إلى تركيا، لكنه عاد إلى سوريا بعد عدة أشهر من دون أن يتماثل للشفاء، ليخضع الآن لعلاج فيزيائي مستمر على أمل الشفاء، بعد حدوث ضمور في خلايا الدماغ أثرت على حركته.

فهد كان ضحية العادات والتقاليد التي تحكم زواج الشاب من ابنة عمه في المجتمعات الريفية، والتي كانت سبباً في نكبة كثير من العوائل، من خلال وجود عوائل بكاملها من ذوي الإعاقة بمختلف أشكالها.

وتنتشر في أرياف المحافظات السورية، ظاهرة زواج الأقارب، والذي يزيد من احتمالية إنجاب أطفال مصابين بأمراض وراثية تسبب إعاقات ترافقهم مدى الحياة، إضافة إلى معاناة ذويهم، في تأمين العناية الخاصة لهم، من متابعة طبية وتغذية خاصة، وأجهزة تعينهم على الحركة، فضلاً عن الكلفة المادية والمضار النفسية.

"معاناتنا يومية"

لم يكن حال عبد الهادي محمد أفضل من فهد، فقد رزق هو الآخر بطفل أصيب بمرض نادر وهو في الرابعة من عمره، أدى إلى إصابته بالشلل، حيث شخص الأطباء أن هذا المرض وراثي وأهم مسبباته زواج الأقارب.

بدأت رحلة عبد الهادي الشاقة بعلاج ابنه الذي أصيب بمرض "مويامويا"، والذي يصيب أوعية الدماغ لدى الأطفال ويؤدي إلى حدوث شلل نصفي، وتم تحويله منذ ثلاث سنوات إلى تركيا لتلقي العلاج، إلا أن صحته لم تتحسن طوال الفترة الماضية، فاضطر والده لإعادته إلى الشمال السوري.

تزوج عبد الهادي من ابنة عمه التي منع غيره من التقدم لخطبتها، ما أدى إلى وقوع كثير من المشكلات بين الأقارب نتيجة لهذا الأمر، فالعادة في منطقته أن ابن العم يمنع أي شخص من خطبة ابنة عمه إذا أراد الزواج منها، وهو بمنزلة عرف منتشر في المنطقة.

يقول عبد الهادي محمد لموقع تلفزيون سوريا: "معاناتنا يومية مع طفلنا، وكنا متوقعين أن نرزق بطفل معاق"، بسبب وجود معاقين اثنين لدى أهل زوجتي، وسبق أن توفي لديهم أكثر من طفل بسبب أمراض وراثية لم يتمكن الأطباء من إيجاد علاج له حينئذ، كما توفي عدة أطفال بعد الولادة مباشرة لأسباب متفرقة.

عائلة فهد وعبد الهادي واحدة من بين مئات العوائل في شمال غربي سوريا، التي تعاني من وجود معاقين بين أفراد أسرها، تكابد مرارة المعاناة يومياً، مع ارتفاع تكاليف العناية والعلاج، في ظل هشاشة القطاع الطبي في المنطقة وغياب العلاج عن كثير من الأمراض، بالتزامن مع تردي الأوضاع الاقتصادية في المنطقة.

اقرأ أيضاً: "تقليد عشائري" يخلف المئات من ذوي الاحتياجات الخاصة بالرقة

أمراض وراثية

ويؤكد الدكتور مأمون سيد عيسى في تصريحات لموقع تلفزيون سوريا أن زواج الأقارب يضاعف احتمالات حدوث عيوب خلقية، حتى إن لم يكن هناك تاريخ لأمراض وراثية في العائلة.

ومن الأمراض التي يمكن أن تظهر عند زواج الأقارب وفق سيد عيسى: "التشوهات الخلقية كالإملاص أو التخلف العقلي متلازمة داون، أمراض الجهاز العصبي الوراثية، وأمراض العظام والأطراف الوراثية، ومن أشهرها (مرض العظام الزجاجية)، الذي يُعَد أحد أشهر أمراض العظام الوراثية، وتشوهات الجسم المتعددة الوراثية، وتشوهات القلب الوراثية، الحثل العضلي التشوهات الخلقية التخلف العقلي، فقدان السمع الوراثي، أمراض الجهاز العصبي الوراثية، وتشوهات الجسم المتعددة الوراثية، وتشوهات القلب الوراثي، التهاب الشبكية الصبغي".

تحاليل وقائية

ولفت سيد عيسى إلى أن ظاهرة زواج الأقارب يجب أن تلقى اهتماماً لدى وسائل الإعلام والجهات الطبية، وأن يجري الراغبون في الزواج الفحص الطبي للتحقق من خلوِّهما من الأمراض التي تؤثر على حياتهما أو على الزواج وتشمل (تحاليل الصحة العامة، تحاليل الصحة الإنجابية من خلال تحليل الحيوانات المنوية للرجل، وتحليل هرمونات المرأة، بالفحوص الوراثية بعمل شجرة العائلة، فحص إكلينيكي كامل على كل الأجزاء".

وطالب بالتأكد من تاريخ أفراد أسر المقبلين على الزواج وتحرّي تاريخ الحاملين للمرض، وهو مهمّ بصفة خاصة في البلدان التي يشيع فيها زواج الأقارب، والأسر التي تظهر لديهم أمراض وراثية أو وجود إعاقة.

وينصح سيد عيسى، أن يخضع الأطباء في الشمال السوري لتدريب عملي أساسي في مجال علم الوراثة التطبيقية، إضافة إلى التوعية العامة في مجال علم الوراثة، والكشف عن المخاطر الوراثية والتشجيع على الإنجاب في السن المناسبة، وإنشاء نظم للتسجيل والترصّد وتعزيزها، وتعزيز البحوث والدراسات الخاصة بعلم أسباب الأمراض والتشخيص والوقاية، والتركيز على دور وسائل الإعلام في هذا المجال.

"أمراض مستقبلية"

من جانبه، قال الطبيب المختص بأمراض الأورام والدم جميل الدبل، إن عدم إجراء فحوصات وتحاليل طبية قبل الزواج من الممكن أن يسبب أمراضاً للأطفال مستقبلاً، مشيراً إلى أن أهم التحاليل الوراثية هي "تحاليل لأمراض التلاسيميا، فقر الدم المنجلي، تكور الكريات الوراثي العائلي، نقص البروتين سي، نقص الكريات البيض، نقص المناعة، متلازمة داون، أمراض العضلات".

وأضاف الدبل في تصريحات لموقع تلفزيون سوريا، أن الكشف عن الأمراض الوراثية يتم إما عن طريق التحاليل الجينية، وهي غير متوفرة في مناطق شمال غربي سوريا، أو عن طريق التحاليل الدموية الشائعة.

عادات وتقاليد

ساهمت سنوات الحرب في سوريا بتصدعات كبيرة داخل المجتمع السوري، فإضافة إلى الأزمات المتعددة والتي طالت مختلف جوانب الحياة، فإن زواج الأقارب كان له أثر سلبي إضافي على المجتمع، رغم ما يرى فيه بعض السكان جانباً إيجابياً متمثلاً في زيادة أواصر المودة ضمن الأسرة الواحدة، لكن عدم مراعاة ما قد يسببه زواج الأقارب من آثار سلبية على صحة الأبناء الجسدية والعقلية في المستقبل ينذر بولادة مزيد من الأطفال المصابين بأمراض وراثية وإعاقات.

لا ينكر فهد الأحمد، الذي يعاني نتيجة لزواجه من قريبته، أن العادات والتقاليد التي تتحكم بقناعات الناس داخل المجتمعات الريفية، وعلى رأسها زواج الأقارب ظاهرة غير صحية.

ويشير إلى أن شقيقته تقدم لخطبتها ابن عمه، إلا أن عائلته رفضت هذا الزواج خشية الوقوع بأمراض وراثية مستقبلية، ما تسبب بخلاف عميق بين العائلتين، واعتبر فهد رفض الزواج هنا خطوة إيجابية وتسهم في التخلص من الأفكار المجتمعية الخاطئة المتعلقة بالتشجيع على زواج الأقارب.

وأحياناً ما تحدث خلافات تتحول إلى شجارات بين العائلات قد تصل إلى القتل، نتيجة لزواج الأقارب، وهي ظاهرة منتشرة، ما زالت تجد من يروج لها، بحجة "الحفاظ على وحدة ونسل العائلة أو العشيرة"، أو بحجة "التساوي الطبقي" أو المادي بين أفراد العائلة الواحدة.