icon
التغطية الحية

زواج الأقارب في شمال غربي سوريا.. أمراض وراثية عديدة وتمسك بالعادات

2022.03.05 | 06:30 دمشق

photo_2020-09-24_22-04-22.jpg
تلفزيون سوريا - ميس عبد الحميد
+A
حجم الخط
-A

يعد زواج الأقارب أحد أهم أسباب الأمراض الوراثية، التي تؤدي إلى إعاقات جسدية وحركية وذهنية، بالإضافة إلى قصر القامة وانخفاض مستوى الذكاء والقدرة على الانتباه والتركيز وحسن المظهر وعلى الرغم من ذلك تتمسك بعض العائلات بموروثها الشعبي وتعمد إلى تزويج أبنائها من العائلة نفسها، وذلك بسبب عدم وجود الوعي الكافي وإدراك أخطار الأمراض الوراثية التي تؤدي إلى إصابة الأجنة والأطفال بنسبة قد تصل إلى 50 في المئة.

"هذا ما جناه أهلي علي ولن أجنيه على أطفالي" بهذه العبارة بدأ حديثه أحمد الحمادي البالغ من العمر 37 عاماً من مدينة إدلب موضحاً لموقع تلفزيون سوريا أحد أهم أسباب عزوفه عن الزواج.

قائلاً منذ أن ولدت أعاني من مرض جلدي لعين يظهر في قدماي أنا وإخوتي، وعند الكشف عن هذا المرض عند أكثر من طبيب تبين أن هذا المرض يسمى بانحلال البشرة الفقاعي ويعد هذا المرض وراثياً ومن أهم أسباب انتقاله زواج الأقارب.

وتابع الحمادي هو مرض مؤلم يمنعني من ارتداء أي نوع من الأحذية في قدميّ لأنه يسبب تقرحات في الجلد، وكما شخصه لي الطبيب فهو يسبب اختلالاً في ترابط الخلايا القرنية للجلد أو الألياف البين نسيجية التي تربط بين طبقات الجلد، الأمر الذي يؤدي إلى ظهور فقاعات مائية تشبه الحروق أو تسلخات بالجلد، وتختلف وراثة كل نوع من أسرة إلى أخرى، وعند تشخيص المرض بشكل أدق تبين أن له نوعين سائد ومتنح فعندما يكون المرض المتوارث عن طريق الصفة السائدة يكون فيها الفرد حاملاً للجين وتظهر عليه الأعراض المرضية فهو يعرف سابقاً أنه يحمل المرض وأن نسبة انتقاله إلى أبنائه في حال كانت الزوجة تحمل المرض نفسه هي 50 في المئة لكل حمل كما هو حالي وحال أخي الأصغر.

أما عندما يكون الشخص حاملاً للصبغة المتنحية فلا يظهر عليه المرض، بل يورثه لأبنائه بنسبة 25 في المئة كما هو حال باقي إخوتي.

 

"سأضحي بسعادتي لأحمي أبنائي"

وتابع الحمادي كما أخبرني الطبيب أن الأمراض الوراثية تختلف في تحليلها عن الأمراض الأخرى التي تتطلب تحاليل شائعة كتحليل البول والدم وغيرها، إذ إنها تحتاج إلى مراكز متخصصة للكشف عنها قد لا تتوافر في المنطقة وأن العلاج من هذه الأمراض يحتاج إلى تشخيص أدق حتى يتم الوصول إلى معرفة الطفرة المسببة له بحسب تاريخ المرض للمصاب إضافةً إلى التاريخ الأسري والمرحلة العمرية لظهور المرض وأعراضه، إذ قال لي إن مرضي لا يوجد له علاج حالياً وإنما  يمكن تحديد الطفرة المتوارثة التي قد نتمكن من خلال تحديها من تقليل حدوث المرض للأجيال القادمة.

وتابع الحمادي لذلك لن أتزوج كي لا أجني على أطفالي كما جني عليّ، ولن أدعهم يعيشون المعاناة التي أعيشها مع هذا المرض المؤلم لأنني أتألم جسدياً ونفسياً كلما ساء حالي.

وبدورها أكدت القابلة ريما العرنوس التي تعمل في منظمة سامز الطبية لموقع تلفزيون سوريا أنه بالنسبة للأمراض الوراثية الشائعة التي يسببها زواج الأقارب متعددة مثل مرض الناعور، وشلل أرب دوشن، وأمراض الضغط، والتلاسيميا وأمراض الكبد المتعددة مثل تشمع الكبد، والأمراض الجلدية المختلفة مثل الأكزيما وانحلال البشرة الفقاعي.

كما أشارت "العرنوس" إلى أن زواج الأقارب يزيد من نسبة الإصابة بالأمراض الوراثية عن طريق التقاء الطفرات المتنحية واتحادها مع بعض فيؤدي إلى تشكل المرض وانتقاله، كما أنه ليس من الضروري أن ينتقل المرض إلى جميع أفراد العائلة فقد ينتقل إلى الذكور أو إلى الإناث أو قد يكون بعض أفراد الأسرة حاملاً للمرض وبعضهم الآخر مصاباً به وأنه من الممكن أن تكون شائعة أو مرتبطة بالجنس ذكراً أو أنثى.

وأكدت أن هذه الأمراض قد يتعرض لها جميع الناس لكن إذا جاءت طفرة قوية من الأقارب فمن الممكن أن تزيد في نسبة الإصابة بالمرض.

"لن أتوقف عن الإنجاب"

الحاج حسن مرعي من مدينة تفتناز التابعة لمحافظة إدلب يتحدث لموقع تلفزيون سوريا عن معاناته مع أطفاله الثلاثة المصابين بإعاقة ذهنية وحركية قائلاً: "بحكم العادات والتقاليد تزوجت من ابنة عمي من دون إجراء أي تحليل أو الأخذ بعين الاعتبار أي موانع طبية، فلم يكن لدينا الوعي الكافي لمخاطر هذا الزواج الذي نتج عنه سبعة أبناء أربعة منهم أصحاء، وثلاثة يعانون من شلل في الحركة والذهن، لأنني لم أقنع بنصيبي وأتوقف عن الإنجاب ففي كل مرة كنت آمل أن يأتيني طفل سليم لكني أجد نفسي أمام طفل معاق آخر لم أتمكن من إيجاد علاج لهم طوال هذه الفترة".

وأضاف "مرعي" أنه رغم تأكيد الأطباء لي أن من أهم أسباب هذا المرض زواج الأقارب وأن نسبة إنجابي طفلاً سليماً هي ضئيلة جداً بسبب المورثات المشتركة التي نحملها أنا وزوجتي.

 

 

"دور العجزة ليست حلاً"

وتابع مرعي "عندما بدأت أشعر بالعجز عن تربيتهم وتأمين المال لعلاجهم في المشافي وتأمين الدواء اللازم، وضعت اثنين منهم في مأوى العجزة في دمشق منذ سنوات عديدة وكنت أزورهم بين الحين والآخر، لكني لم أعد قادراً على زيارتهم أو متابعة أخبارهم بعد الأزمة التي تعرضت لها البلاد منذ عشر سنوات، أما الابن الثالث وهو أصغرهم الذي كان حاله أفضل من أخويه بقليل فقررنا أن نعتني به أنا ووالدته إلا أنه توفي منذ شهور وكان قد بلغ 35 عاماً، وهو مقعد وغير قادر على الحركة تماماً إلا أنه كان يأكل ويشرب ويتكلم بشكل خفيف جداً، ولكن في السنة الأخيرة قبل وفاته بدأ جسده بالتفسخ لعدم استطاعته الحركة، وأصبح يتألم بشدة ولم يعد قادراً على هضم الطعام كما أنه لم يعد قادراً على الرؤية والسمع وبقي يتغذى على المصل لمدة ثلاثة أشهر وأصبح الموت رحمة بالنسبة له.

وبدورها أكدت العرنوس أن أمراض الإعاقة الحركية مثل شلل "أرب دوشن" يكون موجوداً عند الطفل بعد الولادة لكنه لا يظهر عليهم حتى عمر ثماني سنوات، إذ إن حركة الأطراف العلوية والسفلية تضعف تدريجياً حتى الارتخاء والشلل بشكل كامل لجميع أعضاء الجسم ثم يؤدي إلى الموت.

 كما أشارت إلى أنه لا توجد مراكز لعلاج تلك الطفرات أو الجينات قبل أو في أثناء الحمل أو بعد الولادة في شمال غربي سوريا.

وعن حالها تتحدث السيدة آلاء البالغة من العمر 21 عاماً من مدينة منبج التابعة لمحافظة حلب لموقع تلفزيون سوريا قائلة: تزوجت من ابن خالتي منذ أربع سنوات وأنجبت خلالها طفلي الأول الذي يعاني من نقص في المادة البيضاء في الدماغ  منذ ولادته فهو ينمو بشكل بطيء كما أنه يعاني من نقص في الرؤية والسمع، الأمر الذي دفع بنا لعرضه على الطبيب الذي بدأ بالكشف عن حالته، وأخبرنا أنه قد يتأخر في المشي والنطق والرؤية، لأن أعصابه لا تأخذ الأوامر بالحركة من الدماغ بشكل طبيعي، وأن عقله سوف ينمو بشكل بطيء لا يتناسب مع نمو جسده، وهذا سببه زواج الأقارب من الدرجة الأولى كما أكد لنا الطبيب أن الخالة تورث مثل العمة لكننا لم نقف عند رأي هذا الطبيب بل قمنا باستشارة العديد من الأطباء وجميعهم أكدوا لنا التشخيص نفسه، وتابعت بعد ثلاث سنوات من العذاب بين المستشفيات والأطباء لوحظ تحسن بطيء عند معالجته بجلسات العلاج الفيزيائي والمتممات الغذائية.

"من حقي أيضاً أن أنجب طفلاً سليماً"

وتابعت آلاء: لكن الأمر لم يتوقف عند تلك المصيبة فحسب، بل تعداها لعدم استطاعتنا إنجاب أطفال أصحاء ما دمت مع زوجي وأن إمكانية إنجاب أطفال أصحاء هي فقط إن تزوج كل واحد منا شخصاً آخر، هذا ما أكدته لنا العديد من التقارير بعد إرسال فحوصاتنا إلى بلدان أخرى متقدمة، وهذا ما يزيد من عذابنا ويهدد حياتي بزواج زوجي من امرأة أخرى لأنني لن أستطيع إكمال حياتي معه إن تزوج كونها ليست مصيبته وحده، بل مصيبتنا نحن الاثنان معاً ومن حقي أن يكون لدي أطفال أصحاء كما هو حقه أيضاً. فوقعنا أمام أحد الخيارين إما أن نصبر معاً أو أن يذهب كل واحد منا ليعيش حياته بعيداً عن التفكير باحتياج ذاك الطفل المريض لأبويه معاً.

هذا وأكدت العديد من الدراسات على أهمية إجراء الفحوصات الطبية للكشف عن الأمراض الوراثية والجينية قبل الزواج، وفحوص الأجنة في أثناء فترة الحمل، وفحوص ما بعد الولادة التي تكشف ما إذا كان الطفل مصاباً بمرض وراثي، فقد تسهم هذه الفحوصات في تحديد المرض الوراثي وعلاجه مبكراً وذلك بإعطاء دواء يصلح الشيفرة الجينية ويعمل على الاستعاضة عن الجين المصاب بجين سليم.