icon
التغطية الحية

برد أقسى وموائد مقنّنة.. كيف يستعد السوريون لشتائهم المقبل؟

2023.10.19 | 13:23 دمشق

zxv
 تلفزيون سوريا- خاص
+A
حجم الخط
-A

يتزامن "اكتئاب الخريف" في سوريا مع قلق مضاعف يستبق فصل الشتاء، ففي هذا الوقت تفتح المدارس أبوابها وتفتح معها قائمة طويلة من المتطلبات، ويزيد المأساة مأساة هذا العام القفزة غير المسبوقة في الارتفاعات التي تطرأ على كل من: أسعار المحروقات ومواد التدفئة والألبسة الشتوية، ومختلف أشكال وأنواع المواد الغذائية بما فيها الخضار والفاكهة، بالإضافة إلى الزيادات في ساعات انقطاع الكهرباء والتي تصل في بعض مناطق سيطرة النظام السوري إلى ما يزيد على 22 ساعة في اليوم.

وكنتيجة طبيعية لعملية التناسب الطردي بين تلك الزيادات وتقدّم السنوات، سيكون الشتاء المقبل هو الأقسى على السوريين خلال تلك المدة؛ خاصة وأنه يتزامن مع أزمة محروقات غير مسبوقة، تسبّبت بخلق أزمات سعرية شملت مختلف مناحي الحياة اليومية، سيما وأن سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار الأميركي وبقية العملات الأجنبية سجّل هبوطاً تاريخياً هو الأول من نوعه؛ فخلال الـ 12 شهراً الماضية انخفضت قيمة الليرة السورية مقابل الدولار الأميركي 175%.

فخلال الـ 12 شهراً الماضية انخفضت قيمة الليرة السورية مقابل الدولار الأميركي 175%

 

ئءؤ

 

أولاً: كيف يؤمّن السوريون وسائل دفئهم؟  

مع بداية الموسم الشتوي الجديد، الذي تتشكّل ملامحه عند السوريين مع أواخر شهر أيلول وبدايات تشرين الأول؛ راح معظم المواطنين يبحثون عن وسائل دفءٍ بديلة عن مادة المازوت، "المدعوم" منه و"الأسود"، نظراً لارتفاع سعره الجديد من جهة، ولقلّة مخصصاته التي يُفترض أن توزّع على شريحة الموطنين المسجّلين ضمن قوائم الدعم من جهة أخرى.

حتى تلك المخصصات القليلة من المازوت، فإن نحو نصف العائلات المشمولة بالدعم في العاصمة دمشق، لن تحصل على الدفعة الأولى منها (25 بالمئة)، بحسب صحيفة "الوطن" المقربة من النظام والتي أفادت بأن "وزارة النفط" تحتاج لنحو 9 أشهر لتوزيع الدفعة الأولى من المادة على مستحقيها، أي بعد انقضاء فصل الشتاء بوقت طويل!

  • رفع المازوت

السعر الجديد الذي طرأ على المازوت وبقية المحروقات، كان قد أقرّ بتاريخ الـ15 من آب الماضي، حيث رفع النظام السوري أسعار المازوت والبنزين والفيول والغاز السائل بعد ساعات قليلة من إصدار بشار الأسد مرسوماً تشريعياً يقضي بزيادة الرواتب والأجور للعاملين في القطاع العام بنسبة 100 في المئة، ما أدى إلى اندلاع احتجاجات شعبية في مناطق سيطرته، وما تزال مستمرة، وبشكل خاص محافظتي السويداء ودرعا.

رفع النظام السوري أسعار المازوت والبنزين بعد ساعات قليلة من مرسوم بشار الأسد لزيادة الرواتب

وبعد أقل من أسبوعين على تلك الزيادة، أعلنت حكومة النظام عن زيادة ثانية ضاربة باحتجاجات المواطنين عرض الحائط، إذ رفعت "وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك" سعر ليتر المازوت الحر من 11550 (في الزيادة الأولى) إلى 12800 ليرة، والبنزين (أوكتان 95) بـ14700 ليرة بدلاً من سعر 13500 ليرة الذي كان قد أقرّ في الزيادة الأولى.

  • سعر الحطب يقترب من سعر المازوت

وعلى ضوء التسعيرات الجديدة، سعى المواطنون إلى تأمين الحطب كمادة بديلة بالدرجة الأولى، لاستخدامه كوقود تدفئة خلال الشتاء المقبل بدلاً عن المازوت.    

إلا أن زيادة الطلب على الحطب مع اقتراب فصل الشتاء، أدّى إلى ارتفاع قيمته أيضاً. إذ وصل سعر الطنّ الواحد في المناطق الجنوبية والوسطى إلى نحو 3.4 ملايين  ليرة سورية، ليقترب بذلك من سعر المازوت بعد الرفعين الأخيرين.

ففي دمشق وريفها على سبيل المثال، بلغ سعر طن حطب أشجار (الليمون – السنديان) 3 ملايين و200 ألف ليرة سورية أما سعر طن حطب الصنوبر فسجل 3 ملايين و400 ألف (كان سعره قبل شهرين مليوناً ونصف مليون ليرة سورية)، بحسب ما أفاد موقع "أثر" المقرب من النظام السوري.

أما في المناطق القريبة من الغابات والأراضي الحراجية، كالساحل السوري ومحافظتي حماة وحمص، فقد وصل سعر الطن الواحد من الحطب إلى أكثر من مليوني ليرة، بحسب تقرير لصحيفة "البعث" الناطقة باسم النظام، قالت فيه إن أسواق محافظة حماة تشهد طلباً متزايداً على الحطب الذي وصل سعر الطن الواحد منه لمليوني ليرة.

وأوضح المصدر أن العديد من المواطنين أقدموا على بيع حصصهم من المازوت المدعوم مقابل شراء الحطب، الذي يرونه أقل كلفة من المازوت، مشيراً إلى أن سعر الحطب في السوق تجاوز المليونين أيضاً، مع احتمال ارتفاعه في قادم الأيام مع دخول فصل الشتاء.

ووصل الأمر بتجار الحطب إلى عدم اكتفائهم ببيعه ضمن محالهم الخاصة، بل تجاوزوا ذلك لتسويقه عبر صفحات منصات التواصل الاجتماعي.

وأشار تقرير خاص نشره موقع تلفزيون سوريا في وقت سابق، إلى أن أكثر المستفيدين من عمليات الاحتطاب في مناطق الساحل هم الشخصيات المتنفذة وعلى رأسهم عناصر تابعين لميليشيا سرايا العرين ٣١٣ التي يقودها "يسار الأسد"، أحد أقرباء رئيس النظام السوري، والذين بإمكانهم الاحتطاب بأي أرض تحلو لهم. ومن المعروف عن "يسار" بأنه المسيطر والمتعهد الوحيد للحطب بالمنطقة.

  • بدائل مخيمات النازحين: بلاستيك وروث حيوانات

أما في مخيمات الشمال السوري، فمع اقتراب موسم البرد القارس وما يرافقه من أمطار وثلوج وصقيع، بدأت عائلات كثيرة من المهجّرين تستعد للشتاء من خلال جمع النايلون وروث المواشي بغرض استخدامها في التدفئة، وسط انعدام قدرتهم على توفير المازوت.

ويمثل فصل الشتاء لمئات آلاف المهجرين السوريين المقيمين في تلك المخيمات، موسماً لمعاناة كبيرة مع البرد والأمطار تتكرّر كل عام، وسط حالة من الفقر المدقع الذي يحرمهم تأمين محروقات للتدفئة.

وباتت قطع الأدوات البلاستيكية المكسورة وأكياس النايلون وروث المواشي أحد الحلول لمقاومة برد الشتاء، فانهمك سكان هذه المخيمات بجمعهما لتوفير بعض الدفء لأطفالهم. وبالإضافة إلى حرقها واستخدامها كوقود للتدفئة إلى جانب البلاستيك وروث الحيوانات؛ أضحت "بطانيات" المساعدات تستخدم كألبسة أيضاً بعد أن خِيط منها "جواكيت" ومعاطف شتوية تقي من البرد.

 

ثانياً: معضلة تأمين الملابس

وبموازاة تأمين المواد البديلة للمحروقات، شكّلت عملية تأمين الثياب الشتوية مشكلة إضافية للسوريين مع اقتراب الشتاء، نتيجة الأسعار الصادمة، والتي تجاوز ارتفاعها النسب المعهودة سنوياً.

وتراوحت أسعار المعاطف الشتوية بين 350 و700 ألف ليرة سورية، و"البنطلونات" بين 200 و250 ألف ليرة وتصل بعض الماركات إلى أكثر من 300 ألف. بينما ارتفعت أسعار الكنزات من 90 ألف ليرة إلى 200 ألف دفعة واحدة.

كما شهدت أسعار "البيجامات" الشتوية ارتفاعاً كبيراً مقارنةً بالعام الفائت، حيث كانت تُباع بين 60 و150 ألف ليرة سوريّة، بينما وصلت أسعارها هذا العام إلى نصف مليون ليرة في بعض الماركات، وتُباع وسطياً في الأسواق بـ300 ألف ليرة. وجميع الأصناف السابقة يختلف سعرها بحسب النوع والجودة.

وبعملية حساب بسيطة، فإن متوسط ثمن ملابس شخص واحد (معطف وكنزة وبنطلون)، بدون حذاء، تصل لنحو مليون ليرة سورية، أي ما يعادل أكثر من 5 أضعاف المرتّب الشهري لموظفي الدخل المحدود بعد "مرسوم" الزيادة في منتصف آب الماضي.

وأمام ذلك الواقع المأساوي، يلجأ غالبية المواطنين إلى الاعتماد على أسواق "البالة" لتأمين ملا بسهم الشتوية، على الرغم من أن متوسط سعر ثياب الشخص الواحد من تلك الأسواق يفوق راتب االموظف الشهري.

ثالثاً: مواد غذائية رئيسة خارج وجبات السوريين

ولا يختلف الأمر عند المواد الغذائية التي راحت تتقلّص تباعاً لتغيب عن الموائد اليومية الضرورية لمعيشة المواطنين السوريين. فمع انخفاض درجات الحرارة واقتراب موسم الشتاء، دخلت معظم تلك المواد إلى قائمة "المحذوفات" من موائد الكثير من العائلات، نتيجة غلائها الشديد في أسواق المناطق الخاضعة لسيطرة النظام السوري، كالألبان والأجبان، والبيض الذي وصل سعر الصحن الواحد منه (30 بيضة) إلى نحو 60 ألف ليرة في محافظة اللاذقية، و50 ألفاً في العاصمة دمشق وضواحيها.  

أما اللحوم، بشقيها الأحمر والأبيض، فقد توقف الحديث عنها منذ زمن نظراً لاقتصارها على موائد الفئة القليلة المكوّنة من عائلات المتنفذين لدى النظام، وكبار التجار، وبعض العائلات التي تصلها حوالات مالية بمبالغ مرتفعة من خارج البلاد.

  • أسعار الخضر والفواكه ارتفعت بنسبة 100 بالمئة منذ زيادة الرواتب

حتى أصناف الخضروات التي كانت تشكّل عماد موائد السوريين في غياب تلك الأصناف، باتت اليوم مصدر قلق آخر عند شريحة واسعة من السوريين نتيجة الارتفاع غير المسبوق في أسعارها، وذلك بسبب  استمرار النظام السوري في عمليات تصدير مختلف أنواعها إلى خارج البلاد.

وعلى الرغم من محاولات "الحكومة" بتبرير ارتفاع أسعار الخضروات بحجج عدة، من بينها "قلّة الإنتاج وانتهاء مواسم جني المحاصيل بسبب انخفاض درجات الحرارة" واقتراب الشتاء؛ إلا أن صحيفة "البعث" الناطقة باسم النظام، قالت في تقرير نشرته مطلع هذا الأسبوع، إن "البرد لم يهجم بعد، ودرجات الحرارة ما تزال مقبولة لنمو الخضراوات المكشوفة التي تورّد يومياً إلى الأسواق".

كما أكّد التقرير بأن "الخضراوات والفواكه يتمّ تحميلها من سوق الهال بالبرادات للتصدير إلى الخارج (دول الجوار والخليج) ويتمّ تسويغ النقص المفتعل بفعل التصدير على أنه قلّة في الإنتاج لعدم قدرة الفلاح على تحمّل تكاليف الإنتاج، بينما يعلم الجميع أن التاجر نفسه يموّل كثيراً من الفلاحين من أجل الزراعة، ومن ثم يسحب المحصول بالكامل عند قطافه".

بدوره، أكد أمين سر "جمعية حماية المستهلك"، عبد الرزاق حبزة، وجود ارتفاع كبير في أسعار الخضر والفواكه، وصل إلى أكثر من 100 في المئة منذ زيادة الرواتب الأخيرة. ولفت إلى أن تصدير الخضر والفواكه أدى إلى شح في المواد بالأسواق المحلية رافقه ارتفاع كبير بالأسعار.

يلخّص أحد الموظفين (أب لأربعة أولاد) ذلك المشهد المأساوي بالقول: "أنا أمام خيارين لا ثالث لهما؛ إما أن أستدين المال باستمرار وأنا غير قادر على سداده، وإما أن (أعيش على قدّي) وأن أحضر لمنزلي الحاجات الضرورية فقط".

ويحدد أمجد الحاجات الضرورية بـ"الخبز وكمية بسيطة من الخضر و(طبخة اليوم) من دون لحوم غالباً". ويضيف: "الفطور والعشاء، زيت وزعتر، زيت نرشّ عليه ملح مع قطع من البندورة والخيار، وأحياناً قد تكون عجينة رقيقة ندهن عليها دبس فليفلة".