icon
التغطية الحية

واشنطن بوست: نظام الأسد يبحث عن فرصته بعد وقوع الزلزال

2023.02.15 | 16:50 دمشق

أبنية مدمرة في حلب وفرق الإنقاذ المنتشرة فيها - التاريخ: 7 شباط 2023
أبنية مدمرة في حلب وفرق الإنقاذ المنتشرة فيها - التاريخ: 7 شباط 2023
The Washington Post- ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

وأخيراً رضخ النظام السوري يوم الإثنين، وذلك عندما منح رئيسه بشار الأسد الأمم المتحدة الإذن بإرسال المساعدات إلى شمال غربي سوريا حيث يسيطر الثوار، لتمر عبر عدد أكبر من المعابر الحدودية مع تركيا. إلا أن أكثر من أسبوع كان قد مضى على الزلزالين المدمرين اللذين ضربا رقعة واسعة من الشمال السوري والجنوب التركي، فهدما البيوت، ودمرا البنية التحتية وشردا ملايين البشر في هذا الطقس البارد. وحتى في الوقت الذي تقاطرت فيه فرق الإنقاذ الدولية إلى تركيا، بقي عدد لا يحصى من السوريين مهملاً وضحية للتجاهل، ما أجبرهم على القيام بالحفر بأنفسهم بحثاً عن ناجين باستخدام أدوات بدائية وبأيديهم العارية.

تجاوزت حصيلة القتلى في كلا البلدين 41 ألفاً، وفي الوقت الذي نالت فيه تركيا النصيب الأكبر من القتلى، ما يزال الآلاف في سوريا في عداد المفقودين بعدما انتظرت مدن بأكملها أياماً حتى تصلها مساعدات خارجية. وهنا يروي لنا محمد جاسم، 21 عاماً، وهو شخص فقد أقاربه في مدينة جنديرس التي سويت بالأرض، كيف حفر بيديه بين ركام بيت العائلة، إذ يقول: "تخيل أن تبقى هنا وأنت تنادي عليهم بعد مرور أربعة أيام"، ويقصد بهنا أقاربه العالقين بين الأنقاض، ويضيف: "لا يمكن لأحد أن يتخيل هذا المشهد، فقد مات الجميع".

تسييس للمساعدات وفشل أممي

عبرت يوم الثلاثاء الماضي قافلة أممية مؤلفة من 17 شاحنة تحمل لوازم أساسية بينها مواد خاصة للخيم، حاجز باب السلامة لتصل إلى شمال غربي سوريا حيث يسيطر الثوار. وقد أقر مسؤولون أمميون بأنفسهم بأن ذلك مجرد غيض من فيض الاحتياجات الهائلة في تلك المنطقة التي كانت تؤوي ملايين النازحين السوريين على مدار الحرب التي امتدت لاثنتي عشرة سنة إلى جانب إيوائها لضحايا قصف النظام الوحشي. بيد أن قوات المعارضة التي ترسخت في هذه المنطقة، والتي سبق لها أن تلاعبت بعملية تسليم المساعدات الأجنبية، تركت المنطقة بحالة أشد هجراناً وضعفاً مما كانت عليه قبل وقوع تلك الكارثة.

وحول ذلك تقول الصحفية لويزا لوفلوك التي تعمل على الأرض في الشمال السوري: "تم تحويل عملية الوصول إلى المناطق الخارجة عن سيطرة النظام إلى سلاح من قبل الأسد طوال فترة النزاع، بما أنه فرض قيوداً على حركة المنظمات الإنسانية، وساعده في ذلك حلفاؤه الروس مثلاً أمام الأمم المتحدة، وفي بعض الأحيان جيرانه في تركيا والأردن على سبيل المثال وذلك عبر منع تدفق المساعدات لفترات محدودة. بيد أن مسؤولي الأمم المتحدة لم يفصحوا بشكواهم حيال ذلك إلا في حالات نادرة، في حركة وصفها البعض بأن هدفها استمرار وصول المساعدات إلى دمشق على حساب ملايين المدنيين الذين يعيشون في المناطق الخارجة عن سيطرة الأسد".

في شمال غربي سوريا، عبر الأهالي عن سخطهم على النظام والأمم المتحدة التي وصفها البعض بأنها لم تقدم إلا القليل لمنع الأسد من تسييس عملية تمرير المساعدات على المدى البعيد، حيث كتب مدير منظمة الدفاع المدني السوري رائد الصالح: "من المعيب عدم استجابة الأمم المتحدة بسرعة لهذه الكارثة"، والدفاع المدني السوري منظمة معروفة في الأوساط غير الرسمية باسم الخوذ البيضاء واشتهرت بعملها الإغاثي الجسور في مناطق الثوار.

ويتابع الصالح: "لقد ضعف أملنا بالعثور على ناجين، إذ في الوقت الذي ننتشل فيه مزيدا من جثث القتلى تحت الردم، ينفطر قلبي على كل روح كان بإمكاننا إنقاذها لكنها أزهقت بلا أي داع لعدم وصول المساعدات التي كنا بحاجة إليها  حينذاك".

أما مارتن غريفيث، المسؤول عن الملف الإنساني لدى الأمم المتحدة، فقد غرد يوم الأحد باعتراف غير معهود بالفشل، حيث كتب: "لقد خذلنا الشعب في شمال غربي سوريا حتى الآن"، وأضاف: "إنهم محقون في إحساسهم بالخذلان، فهم يتطلعون لوصول المساعدات الدولية التي لم تصل، لذا فإن من واجبي ومن واجبنا أن نصحح هذا الفشل بأقصى سرعة ممكنة".

انتهازية أسدية وتسهيلات أميركية

في الوقت الذي ينصب فيه التركيز بشكل مبرر على أزمة إنسانية كبيرة، يبدو نظام الأسد كمن يحاول انتزاع مصالحه انتزاعاً، حيث اتخذ مما جرى عقب الزلزال كمبرر لرفع الغرب عقوباته عن دمشق، في إشارة إلى الإجراءات التي تعيق دخول المساعدات الإنسانية. بيد أن معارضي النظام دحضوا تلك المزاعم، عبر الإشارة إلى الإعفاءات التي تتصل بالأمور ذات الأغراض الإنسانية والتي وردت ضمن نص العقوبات. وبعد وقوع الزلزال، أكدت إدارة بايدن بأن كل الصفقات السورية التي تتم على أسس إنسانية والتي كان من الممكن لها أن تتعارض مع العقوبات، أصبح بإمكانها أن تتم خلال فترة تمتد لستة أشهر.

وبقدر ما قد يتمنى الأسد أن يثني على هذا القرار الأميركي عبر وصفه بأنه: "انتصار على العقوبات" كما وصفه تشارلز ليستر من معهد الشرق الأوسط، لم يكن ذلك القرار: "أكثر من تكرار للسياسة الأميركية القائمة، والتي تضمن عدم تأثير العقوبات على تدفق المساعدات، أي أن القرار لم يأت بجديد البتة، غير أن إدارة بايدن بات عليها اليوم أن تولي اهتماماً أكبر بفكرة احتمال سعي حلفاء النظام لإلغاء الاستثمارات الاستراتيجية الخاضعة للعقوبات في سوريا من خلال أنشطة توصف بإنها: "إغاثة للزلزال".

وبعيداً عما يمكن أن يكسبه الأسد من زيادة تدفق المساعدات إلى بلده، والمخاوف المتزايدة حول عدم وصول أجزاء من تلك المساعدات للمجتمعات التي باتت بحاجة لها، ثمة واقع يشير إلى أن أي تعاطف طبيعي مع محنة السوريين قد يساعد ذلك النظام الذي نبذته دول المجتمع الدولي معظمها على كسر الجليد من حوله.

محاولات للتطبيع

تعلق لينا خطيب مديرة برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لدى مركز Chatham House على ذلك بالقول: "يحاول الأسد استغلال الزلزالين للخروج من العزلة الدولية، وذلك لأن دعوة نظامه إلى رفع العقوبات ما هي إلا محاولة للتطبيع معه بحكم الأمر الواقع من قبل المجتمع الدولي".

إلا أن عملية التطبيع قد بدأت قبل ذلك، خاصة في دول الجوار، حيث قامت دول بينها الإمارات التي كانت في وقت من الأوقات من أشد الداعمين للمعارضة السورية بإصلاح ذات البين مع الأسد، كما وعدت بتقديم مساعدات كبيرة عقب الزلزال. أما السعودية فقد أرسلت طائرة مباشرة إلى سوريا لتكون الأولى من نوعها منذ عقد من الزمان، فأتت محملة بالمساعدات لمدينة حلب التي يسيطر عليها النظام خلال الأسبوع الماضي. في حين أن تونس، مهد الربيع العربي الذي ألهب السوريين على القيام بانتفاضتهم،  أعادت العلاقات الرسمية مع الأسد قبل مدة قصيرة.

قد يسهم الدفء الذي أحاط بالأسد من قبل دول الجوار العربية بتغيير الآراء عنه في دول أبعد، فالأسد: "يحاول أن يعيد رسم صورته عبر إظهار رغبته بتقديم تنازلات من خلال التفاوض مع الفاعلين الدوليين" بحسب رأي ويل تودمان، وهو عضو في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، ويضيف: "إنها تنازلات ضئيلة، إلا أنه يأمل أن تكفي لخلق قناعة في العواصم الأوروبية وغيرها حول فكرة التعامل مع النظام التي ستكون مجدية بهدف تحسين ظروف السوريين الذين باتوا يعيشون في حاجة وفاقة".

المصدر: Washington Post