icon
التغطية الحية

أزمة المساعدات في سوريا بعد الزلزال تمثل "عاصفة تامة الأركان"

2023.02.14 | 16:50 دمشق

صورة لأول قافلة مساعدات أممية تصل إلى سوريا بعد الزلزال - المصدر: الإنترنت
صورة لأول قافلة مساعدات أممية تصل إلى سوريا بعد الزلزال - المصدر: الإنترنت
Vox - ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

عقّد الزلزال الذي ضرب الجنوب التركي والشمال السوري خلال الأسبوع الماضي من الآثار المدمرة التي خلفتها الحرب السورية بعد مرور 12 سنة عليها في سوريا، لا سيما في شمال غربي سوريا حيث يتعرض الناس لأشد ظروف الحياة قسوة، إذ هناك تسيطر هيئة تحرير الشام وهي عبارة عن تحالف من عدة فصائل كانت تنتمي لتنظيم القاعدة في السابق، ولهذا يتعرض السوريون في تلك المنطقة لحصار من قبل النظام، مما يزيد من مأساتهم ومعاناتهم التي تعايشوا معها طوال عقد من الزمان.

فقد حاصر نظام بشار الأسد تلك المنطقة التي تشتمل على مدينة إدلب ومحافظتها، فحرمها من المساعدات الإنسانية بما أن تلك المساعدات تمر عبر دمشق التي تمنع وصولها إلى المناطق المحاصرة، ولهذا يجب أن تصل أساسيات الحياة الضرورية مثل الوقود والدواء إلى تلك المنطقة عبر تركيا.

بلغ العدد الرسمي لضحايا الزلزال في تركيا وسوريا أكثر من 33 ألفاً، على الرغم من أن الأعداد الفعلية أعلى من ذلك بكثير، وفي شمال غربي سوريا، تسببت أزمات متلاحقة أولها الحرب، ثم النزوح بسبب الحرب وحكم تنظيم الدولة بالحديد والنار، وحملات القصف الروسية، وحصار النظام، واستمرار النزاع، والزلزال المدمر اليوم، بمعاناة لا توصف في تلك المنطقة.

ولهذا تقول ناتاشا هول وهي عضو رفيع لدى برنامج الشرق الأوسط التابع لمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية: "إنها عاصفة تامة الأركان خشيتُ أن تقع منذ أمد بعيد... وذلك لأن قسماً كبيراً من السكان هناك البالغ عددهم خمسة ملايين نسمة يعتمدون على المساعدات الطارئة منذ سنوات، وثلثا هؤلاء من النازحين القادمين من مناطق أخرى في سوريا، وقرابة 80% من النازحين تعرضوا لتجربة النزوح ما بين ست مرات إلى 25 مرة".

يذكر أن بعض عمليات البحث والإنقاذ في تلك المنطقة قد توقفت بعد أسبوع من البحث، في الوقت الذي شككت فيه منظمات بينها الخوذ البيضاء من عدم وجود أي ناجين بعد الآن، كما أصبحت إمكانات العناية بالناجين مقيدة بتدفق الدعم الأجنبي حسبما يرى خبراء، إذ تقول سحر محمدلي وهي خبيرة بالقانون الدولي وحماية المدنيين في أثناء النزاع: "لقد نشط المجتمع المدني من حيث إن أي دعم يصل إليه من الخارج سواء من أوروبا أو من الولايات المتحدة أو من تركيا، فإنه يتم إدخاله عبر باب الهوى بما أنه المعبر الوحيد المتبقي".

بيد أن الارتباك والتخوف بالنسبة للعقوبات المفروضة على نظام الأسد، إلى جانب سوء فهم الموقف السياسي، يمنع وصول المساعدات المالية وغيرها من أشكال المعونات إلى بعض المتضررين من الزلزال.

إذ كتب وائل الزيات وهو الرئيس التنفيذي لمنظمة Emgage الإسلامية للمناصرة والحشد وخبير سابق لدى وزارة الخارجية الأميركية فيما يتصل بسياسة الشرق الأوسط، في صحيفة واشنطن بوست يوم الجمعة الفائت ليقول: "بما أن حكومتي إيران وروسيا تُعتبران من أهم الداعمين الدوليين للأسد، لذا فقد حاولتا جهدهما تحويلَ الملامة بالنسبة للويلات الاقتصادية التي تعاني منها سوريا من الدور الذي لعبه الأسد في تدمير البلد إلى العقوبات... إذ في الوقت الذي أسهمت فيه العقوبات بكل تأكيد في تخفيض ما تنفقه الحكومة وتراجع قيمة الليرة السورية، فإنها لم تلق بظلال شديدة على عملية تسليم المساعدات الإنسانية" بما أن العقوبات تستثني الجانب الإنساني الذي يسمح بوصول المساعدات إلى دمشق.

حصار النظام يزيد الوضع سوءاً

استرجع نظام الأسد 70% من أراضي سوريا بعد خسارته لها، أولاً بسبب الثورة التي قامت في عام 2011، ثم بعد ظهور تنظيم الدولة. إلا أن بعض المناطق التي ما تزال خارجة عن سيطرته في شمال شرقي سوريا تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية ذات الغالبية الكردية. أما شمال غربي سوريا فتسيطر عليه هيئة تحرير الشام بالإضافة إلى فصائل مدعومة تركياً، حيث تسيطر الهيئة على أجزاء من تلك المنطقة منذ أن انفصلت بشكل رسمي عن تنظيم القاعدة في عام 2017. بيد أن الحكومة الأميركية صنفت هيئة تحرير الشام ضمن قائمة التنظيمات الإرهابية الأجنبية في عام 2018، وألحقتها بجبهة النصرة التي كانت الهيئة تنضوي تحت جناحها.

وبصرف النظر عن شكل انضواء الهيئة تحت تنظيم القاعدة، فإنها بقيت تمارس أعمالاً إرهابية في تلك المنطقة، كما أن حصار النظام للمنطقة بموجب أسلوب: "الجوع أو الركوع" حسبما ذكرت محمدلي، قد أدى إلى ظهور ظروف قاسية ومهينة للناس في إدلب، إذ يقول زاهر سحلول رئيس منظمة ميدغلوبال الإغاثية: "تعتبر هذه المنطقة سجناً مفتوحاً ومفصولاً عن أي مكان آخر". يذكر أن لهذه المنظمة فرقاً تعمل على الأرض في غازي عنتاب، تلك المدينة الواقعة في الجنوب التركي والقريبة من الحدود السورية والتي تؤوي 462 ألف لاجئ سوري.

تصف محمدلي الوضع في ظل الجماعات المسلحة التي تتولى حكم المنطقة بقولها: "إنهم يحدّون من الوظائف المدنية والعامة، مثل مواصلة عمليات إصلاح نظم المياه، ولهذا يعتمدون على المنظمات الإنسانية في تقديم تلك الخدمات، بما أنهم ليست لديهم الموارد التي تمكنهم من أداء دور الحكومة المتمثل بتقديم الخدمات الأساسية".

وعلاوة على ذلك، عمدت القوات الروسية وقوات النظام إلى شن هجمات على أهداف مدنية شملت مشافيَ ومرافق صحية، ما أدى إلى تفشي الكوليرا بشكل أوسع، وساهم في إضعاف البنية التحتية المعنية بالرعاية الصحية في شمال البلاد. وبما أن النظام قد قطع الكهرباء عن تلك المنطقة ولم يعد يدفع لموظفي الدولة هناك مرتباتهم؛ لذا فإن عمليات البحث والإنقاذ وكذلك الخدمات الطبية باتت تعتمد على وجود مولدات للكهرباء وهذه المولدات تعمل على الوقود.

ولهذا السبب قامت منظمات مثل ميدغلوبال ببناء مشاف وعيادات ضمن مساحات مرنة بصورة أكبر، أي في الجبال أو تحت الأرض، إلى جانب تأمين الرعاية الطبية والوقود لعمليات البحث والإنقاذ، بيد أن كمّ الاحتياجات أكبر بكثير ولا بد أن يزداد بمرور الوقت كما يخبرنا سحلول.

لذا فالسؤال هنا: هل ستتدخل بقية دول العالم عبر مواصلة تقديم الدعم؟ وهنا تجيب محمدلي بالقول: "إنه لفشلٌ من قبل المجتمع الدولي أن يركز فقط على تقديم المساعدات الطارئة، وذلك لأن وكالات الغوث التابعة للدول المانحة يجب أن تراعي حجم المأساة وأن تسأل نفسها عن الاحتياجات التي ينبغي عليها أن تسدها. ولكن حتى الآن لا توجد إلا استجابة عاجلة ومعونات طارئة، ولهذا ينبغي على تلك الوكالات أن تنتقل لتقديم شكل من أشكال المساعدة يجعل المجتمعات أكثر مرونة وتأقلماً".

لا لتسييس المساعدات الإنسانية

بما أن المنطقة واقعة تحت وطأة نزاع شديد، لذا فقد تسبب ذلك بظهور حالة من الاضطراب والتسييس، بسبب نظام الأسد وبسبب التشوش الحاصل تجاه العقوبات وكيفية استهدافها لهيئة تحرير الشام وللنظام فيما يتصل بتقديم المساعدات الإنسانية، ما يعني أن منطقة بكاملها تعتمد على المساعدات الخارجية لم يعد يصلها منها سوى النزر اليسير، ثم إنّ ما وصلها من مساعدات حتى الآن لا يعبر عن مساعدات خاصة بالكارثة، بل موارد خصصت قبل مدة لشمال غربي سوريا قبل أن يضربها الزلزال.

وحول ذلك تقول محمدلي: "أصبح الاعتماد على المعونات الطارئة خطيراً بسبب تضاؤل التمويل وفي حال تقديم تلك المساعدات فقط بموجب قرار من قبل مجلس الأمن الدولي، فهذا يعني أنها يمكن أن تنقطع في حال عرقلتها في مجلس الأمن"، ما يعني أن عرقلة القرار القاضي بتمرير المساعدات من تركيا عبر الحدود إلى شمال غربي سوريا مستقبلاً، كما حدث في تموز 2022، قد يصعب كثيراً عملية تأمين مساعدات حساسة لتلك المنطقة.

هذا ولقد طالب مراقبون بإنهاء العقوبات المفروضة على سوريا حتى تصل المساعدات لمن يحتاج إليها من الناس، إلا أن خبراء يرون أن هذا الرأي قائم على تضليل وتدليس كبير، إذ تقول هول: "إن الوكالات الأممية تعمل بمنأى عن دمشق، كلها، فهي تحصل على مليارات الدولارات من التمويل، كما تفعل المنظمات الدولية غير الحكومية وذلك من خلال حكومات الدول الأوروبية والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، وقد استمر الأمر على ذلك المنوال طوال السنوات الاثنتي عشرة الماضية، بل حتى قبل ذلك، ولهذا فإن العقوبات لا ترتبط بالمساعدات الإنسانية، بما أن هنالك إعفاءات تشملها، إلا أن المشكلة تتمثل في أن عدداً كبيراً من المصارف وبقية الدول باتت تخشى من التعامل مع سوريا بسبب العقوبات وبسبب خوفها من أن يعرضها ذلك لأي خطر على المستوى القانوني".

ولهذا السبب أصدرت الولايات المتحدة يوم الجمعة الماضي أمراً يقضي بتمديد اتفاق الترخيص العام الممنوح للمساعدات الإنسانية لمدة ستة أشهر، وعن ذلك تقول هول: "إنه أمر واسع وشامل، وقد أتى ذلك رداً على المطالبات التي ترى بأن الأوروبيين وبأن العقوبات تمنع وصول الاستجابة الملائمة".

بيد أن رفع العقوبات عن النظام لن يغير من الوضع شيئاً بالنسبة للسوريين الذين يعيشون في شمال غربي سوريا، إذ على الرغم من أن ذلك يخلي مسؤولية المصارف ويمكن المشاريع التجارية من المساهمة في الاستجابة للزلزال بطريقة إيجابية، فإن حملة التضليل الإعلامي التي تهدف إلى تخفيف الضغط على نظام الأسد ما تزال مستمرة، بالرغم من أن هذا النظام برأي محمدلي: "هو المسؤول عن الفظائع التي وقعت خلال السنوات الاثنتي عشرة الماضية، كما أن تلك طريقة ما فتئت العناصر الفاعلة في نظام الأسد تلجأ إليها للالتفاف على العقوبات".

يتطلب التعامل مع عملية التسييس الكبيرة للمساعدات الإنسانية في هذا الوضع التفكير بحلول مبتكرة بحسب رأي سحلول الذي يقول: "لماذا لا ننقل اللوازم الطبية جواً؟ إذ لدينا قواعد عسكرية أميركية لا تبعد كثيراً عن تلك المنطقة في شمال شرقي سوريا" وقد سبق للقوات الأميركية أن استعانت بتلك القواعد خلال عمليات مكافحة الإرهاب هناك، ويضيف سحلول: "لو كانت هنالك إرادة سياسية لمساعدة الناس، فلا يحق لكم أن تلوموا مرحلة عنق الزجاجة أو المعبر الحدودي، بل عليكم أن تلوموا أنفسكم!"

بيد أن هذه هي المشكلة بالضبط برأي سحلول، وهي تتمثل بعدم وجود إرادة سياسية لإيصال المساعدات فعلياً لملايين السوريين في شمال غربي سوريا ممن أمضوا أكثر من عقد كامل في نزاع ونزوح وتشرد ورعب وصدمة بسبب كل ذلك.

المصدر: Vox