icon
التغطية الحية

ظنوه مهاجراً.. الشرطة اليونانية تعتدي على مترجم أوروبي وترحله إلى تركيا

2021.12.02 | 11:51 دمشق

خفر السواحل التركي ينقذ قارباً يقل مهاجرين أفغان
خفر السواحل التركي ينقذ قارباً يقل مهاجرين أفغان
نيويورك تايمز - ترجمة ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

لسنوات طويلة، بقي مسؤولون يونانيون ينكرون ما يرد في الشكايات التي ترفعها منظمات حقوقية حول قيام حرس الحدود في اليونان بمعاملة المهاجرين بوحشية وإجبارهم على العودة إلى تركيا، حيث يصف هؤلاء المسؤولون تلك المزاعم بأنها ليست أكثر من أنباء مغرضة أو مجرد دعاية تروّج لها تركيا.

بيد أن حالة جديدة ظهرت اليوم يمكن أن تجبرهم على إعادة النظر في كل ما قالوه، فقد ذكر مترجم يعمل لدى الاتحاد الأوروبي بأن حرس الحدود اليوناني اعتقدوا أنه طالب لجوء، فاعتدوا عليه بالضرب وأرغموه على عبور الحدود والعودة إلى تركيا برفقة عشرات المهاجرين في شهر أيلول المنصرم.

وهذه الشهادة تعتبر إشكالية بالنسبة للمسؤولين اليونانيين، لأن هذا الرجل يمثل شخصية اعتبارية تابعة للاتحاد الأوروبي، بما أن منظمة فرونتكس التي تعنى بحدود الاتحاد الأوروبي هي من أرسلته إلى هناك، كما قام هذا الرجل بتسليم الأدلة للهيئة التي ابتعثته للتأكيد على ما ذهب إليه من سوء المعاملة التي تعرض لها، وذلك بحسب ما أورده مسؤولون أوروبيون يعالجون قضية هذا الرجل.

merlin_170076075_c4091554-a2c4-42b0-91fa-a5277be89b6a-superJumbo.jpg
لاجئون يقيمون في العراء في منطقة أدرنة بتركيا بانتظار لحظة العبور إلى اليونان

وبذلك أصبح الاتحاد الأوروبي الذي اعتاد أن يغض الطرف عن الانتهاكات التي يتعرض لها المهاجرون، مجبراً على مواجهة هذه المشكلة.

فقد ظهرت هذه القضية في أعقاب تأزم الوضع مع بيلاروسيا بشأن المهاجرين، فاسترعت انتباه القادة الأوروبيين على أعلى المستويات على مدار أسابيع. فقد ذكرت إيلفا يوهانسون وهي عضو في المفوضية الأوروبية لشؤون الهجرة، بأنها اتصلت بالمترجم يوم الجمعة الماضي لتناقش أمر الاتهامات التي كالها لحرس الحدود اليوناني، وقالت: "بعد نقاش مباشر ومعمق مع ذلك الشخص جرى بتاريخ 25 من تشرين الثاني، قلقت غاية القلق بسبب الرواية التي أدلى بها. فإلى جانب القصة التي حدثت معه شخصياً، يعتبر تأكيده بأن هذه الحالة ليست حالة فردية أمراً خطيراً" وأضافت بأنه أخبرها بأنه شاهد بأم عينه كيف تم إبعاد وطرد ما لا يقل عن 100 مهاجر عن الحدود وفي بعض الأحيان تم التعامل مع المهاجرين بخشونة وفظاظة.

إلا أن بيان وزارة الداخلية اليونانية شكك بالقصة التي أوردها ذلك الرجل، حيث ذكر ذلك البيان بأن التحقيقات الأولية تشير إلى أن: "الوقائع ليست كتلك التي جرى تقديمها".

وفي حديث له مع صحيفة نيويورك تايمز، ذكر ذلك المترجم بأنه تقدم بشكوى لدى منظمة "فرونتكس"، وأكد مسؤولون أوروبيون قيامه بذلك، حيث ذكروا بأنه تم التعامل مع تلك الشكوى بوصفها صحيحة وصادقة، نظراً للمنصب الذي يشغله ذلك الرجل وللوثائق التي قام بتقديمها والتي تشتمل على تسجيلات صوتية ومرئية.

إلا أن الرجل طلب عدم الكشف عن هويته خوفاً على نفسه وعلى مصدر رزقه، وقد أكد مسؤولان أوروبيان اشترطا عدم ذكر اسميهما لأنه غير مصرح لهما بمناقشة هذا الملف مع الصحافة، على أنه صاحب تلك الهوية بالفعل.

حيث ذكر ذلك المترجم بأنه تعرض للاحتجاز هو والكثير من المهاجرين كما تعرض للضرب، والتجريد من الثياب، وقامت الشرطة بمصادرة هواتف الجميع وكذلك الأمر بالنسبة لأموالهم ووثائقهم. وكل محاولاته لإخبار الشرطة عن هويته قوبلت بالضحك والاستهزاء والضرب حسبما ذكر هذا الرجل الذي قال إنهم نقلوه إلى مستودع قصي حيث احتجز هناك برفقة ما لا يقل عن 100 مهاجر آخر، بينهم نساء وأطفال. بعد ذلك سيق الجميع إلى قوارب مطاطية ألقيت في نهر إيفروس لتتوجه نحو الأراضي التركية.

إن الاتهامات التي قدمها هذا الرجل تشبه تلك التي قدمتها منظمات حقوقية، إلى جانب تزايد الأدلة التي جمعها مهاجرون وصحفيون حول هذا الموضوع، لكونها تدين السلطات اليونانية التي تقوم على الدوام بسوق المهاجرين كما تساق المواشي وطردهم دون السماح لهم بتقديم طلبات لجوء، حيث يجري ذلك بطريقة عنيفة وعشوائية. كما وجهت اتهامات للسلطات اليونانية حول طرد اللاجئين وإعادتهم بواسطة قوارب هشة وتركهم في بحر إيجة، مع قيام تلك السلطات في بعض الأحيان بتعطيل محركات تلك القوارب وترك المهاجرين ليجدوا طريقهم في ذلك المركب العائم وسط البحر حتى يعودوا إلى المياه الإقليمية التركية، بيد أن اليونان أنكرت تلك الاتهامات.

الشرطة اليونانية بالقرب من نهر إيفروس

ثم ظهرت قصة هذا المترجم في وقت حرج لمحاسبة أوروبا على ممارساتها في التعامل مع المهاجرين، مما استدعى التدقيق من جديد بعد المواجهة التي جرت على الحدود البيلاروسية-البولندية والتي خلفت 12 قتيلاً بين صفوف المهاجرين. فمن خلال مزاودة تهدف للضغط على الاتحاد الأوروبي بالنسبة لتلك المواجهة الجيوسياسية، أخذت بيلاروسيا تستقطب المهاجرين حتى يصلوا إلى أراضيها، ثم تتركهم في الغابات الباردة حد التجمد، بعد قيامها بتشجيعهم على عبور الحدود للوصول إلى دول الاتحاد الأوروبي، ومن بينها بولندا. ومن جانبها قامت بولندا بمنع المهاجرين من دخول أراضيها، وقد تم ذلك بطريقة عنيفة في بعض الأحيان.

لقد عرّت هذه الأزمة بالإضافة إلى مواجهة أخرى مماثلة جرت بين اليونان وتركيا خلال العام الماضي فوجد اللاجئون أنفسهم في خضمها، عرّت تلك الهوة السحيقة بين قوانين وقواعد الاتحاد الأوروبي في التعامل مع طالبي اللجوء، وبين الحقيقة والوقائع التي تجري على الأرض.

فقد احتد الرأي العام في أوروبا تجاه مسألة الهجرة بعدما تسببت الحرب السورية بتهجير مليون لاجئ ووصولهم إلى أوروبا بين عامي 2015-2016، ومايزال السياسيون والمواطنون في الكثير من دول الاتحاد الأوروبي يعارضون الممارسات اللاإنسانية وغير القانونية مثل سوق المهاجرين كالمواشي وطردهم دون إخضاعهم لعملية تقديم طلب لجوء بحسب الأصول.

بيد أن حكومات دول أوروبية أخرى تقع على حدود هذا الاتحاد، وعلى رأسها اليونان، ترى أن قوانين وإجراءات الهجرة عفا عليها الزمن، وبأنها لا تتماشى مع الظروف الحالية، إذ يعتبرون بأنها وضعت قبل موجة النزوح الجماعي الهائلة التي شهدتها أوروبا خلال السنوات الماضية.

وفي تصريح له خلال هذا الشهر، أنكر رئيس الوزراء اليوناني كرياكتوز ميتسوكاكيز الاتهامات التي تتصل بالانتهاكات التي يتعرض لها المهاجرون على يد السلطات اليونانية، ووصف سياسة الهجرة في بلاده "بالصارمة، لكنها منصفة".

في حين ذكرت إيليفا يوهانسون بأنها تحدثت يوم الإثنين الماضي إلى تاكيز ثيودوريكاكوز وزير حماية المواطنين اليوناني فوعدها بالتحقيق بالمزاعم التي أطلقها ذلك المترجم، كما أعلن المكتب الإعلامي لتلك الوزارة في بيان له ما يلي: "إن الهيئة الوطنية المستقلة للشفافية ستجري تحقيقاً وستصرح عن نتائجه كما تفعل على الدوام، إلا أن التحريات الأولية في ملابسات هذه القضية تشير إلى أن الوقائع لا تشبه تلك التي تم تقديمها".

مهاجرون على الحدود بين بيلاروسيا وبولندا

في حين ذكرت صوفي إنيت فيلد، وهي عضو في البرلمان الأوروبي تمثل بلدها هولندا، بأن مزاعم المترجم تمثل جزءاً من نمط الوحشية المتزايد للاتحاد الأوروبي تجاه المهاجرين وطالبي اللجوء، حيث تقول: "بوجود آلاف الضحايا الذين غرقوا في البحر المتوسط، والآلاف الذين يزرحون فيما يشبه معسكرات الاعتقال في ليبيا، ناهيك عن الشقاء الذي يسود في المخيمات المقامة في الجزر اليونانية والذي امتد لسنوات طويلة، وغرق الكثير من البشر في بحر المانش، أو موتهم من البرد على الحدود بين بيلاروسيا والاتحاد الأوروبي، لم يعد بوسع المفوضية الأوروبية بعد اليوم الادعاء بأن هذه مجرد حوادث ووقائع واستثناءات، لأن ذلك لا يمثل فشلاً في السياسة، بل سياسة بحد ذاتها".

 لفترة طويلة، بقيت اليونان التي تعتبر بوابة رئيسية لدخول الاتحاد الأوروبي بالنسبة للمهاجرين، تصرح بأنه طلب منها أن تقوم بإنقاذ الواصلين من تركيا ومعالجة طلبات لجوئهم واستضافتهم، بالرغم من أن تركيا تمثل جارة معادية لها كونها تشجع طالبي اللجوء على المضي إلى اليونان وذلك لإغاظة الحكومة اليونانية، وليتحقق لها ما طلبته من الاتحاد الأوروبي.

إذ بموجب القوانين اليونانية والأوروبية، يتعين على السلطات اليونانية أن تعالج طلبات اللجوء لمن هم بحاجة للحماية، وأن تستقبل طالبي اللجوء ضمن ظروف إنسانية، وأن تقوم بترحيلهم بطريقة آمنة في حال تم رفض طلب لجوئهم.

كوادر فرونتكس بالقرب من مخيم للاجئين في إحدى جزر اليونان

إلا أنه تم تجميد الجهود الساعية لتوزيع طالبي اللجوء بطريقة أكثر عدلاً على دول الاتحاد الأوروبي، وذلك لأن غالبية الدول الأعضاء فضلت إرسال الأموال لليونان وغيرها من الدول الواقعة على حدود الاتحاد الأوروبي حتى تقوم باستضافة طالبي اللجوء وإبعادهم عن الحدود الأوروبية.

حيث تقوم منظمة فرونتكس وكذلك المكتب الأوروبي لدعم اللجوء بدفع رواتب للمئات من الموظفين لضمان حراسة حدود الاتحاد الأوروبي مع الالتزام بالقوانين التي تحترم حقوق الإنسان.

يذكر أن المترجم الذي ينحدر من أفغانستان، قد عاش لسنوات طويلة كمواطن يتمتع بحقوقه القانونية في إيطاليا، ثم حصل على وظيفة لدى فرونتكس ليصبح عضواً في فريق للخبراء يموله الاتحاد الأوروبي، حيث تم إرساله لمساعدة الحرس على الحدود في التواصل مع طالبي اللجوء.

وهكذا بقي يعمل ضمن المنطقة الحدودية إلى جانب الحرس اليوناني والأوروبي، وكان متوجهاً إلى سالونيك، ثاني أكبر مدينة في اليونان، ليمضي إجازته هناك عندما استوقفت الشرطة اليونانية الحافلة التي أقلته برفقة عدد من المهاجرين.

وبعد تعرض الجميع للضرب والاحتجاز، تم إرغامهم على العودة إلى تركيا حسبما ذكر المترجم، وهناك تمكن من الوصول إلى إسطنبول، حيث تلقى مساعدة من القنصلية الإيطالية الموجودة فيها، فجرى ترحيله إلى إيطاليا في 18 من أيلول الماضي في نهاية المطاف.

بيد أن وزارة الخارجية الإيطالية لم ترد على الفور عندما طلب منها التعليق على الموضوع، أما الناطق باسم منظمة فرونتكس فقد ذكر بأن المنظمة تحقق في أمر هذا التقرير إلا أنها لا تستطيع أن تدلي بمعلومات أكثر حول هذا الموضوع بما أن التحقيقات ماتزال جارية.

  المصدر: نيويورك تايمز