icon
التغطية الحية

رشاوى وأعمال إضافية و"تفييش".. كيف يواجه الموظفون الانهيار الاقتصادي في سوريا؟

2023.08.05 | 06:27 دمشق

"التفييش" بات ظاهرة واسعة الانتشار داخل مؤسسات القطاع الحكومي في مناطق سيطرة النظام
"التفييش" بات ظاهرة واسعة الانتشار داخل المؤسسات الحكومية في مناطق سيطرة النظام
اللاذقية ـ حسام جبلاوي
+A
حجم الخط
-A

تحولت الوظيفة في القطاع الحكومي إلى كابوس يومي خلال السنوات الأخيرة، يدفع فيه العاملون ثمن انخفاض قيمة رواتبهم التي بالكاد تكفي أجور الطريق، لتتحول الدوائر الحكومية التابعة لحكومة النظام في السنوات الأخيرة إلى مقار لأعمال إضافية بعيدة عن طبيعة الوظيفة.

يعمل "أبو علاء" محاسبا قانونيا في المجمع الحكومي باللاذقية منذ نحو 17 عاما، ورغم ذلك فإن راتبه الشهري لا يتجاوز 130 ألف ليرة، وبحسب حديث له مع موقع تلفزيون سوريا، فإن هذا المبلغ لا يكفيه لشراء طعام لمدة ثلاثة أيام، أو حتى دفع أجور المواصلات إلى العمل.

دفعت هذه الظروف بالرجل الثلاثيني، وهو أب لثلاثة أبناء، إلى "استغلال وظيفته" عبر التعاون مع شبكة من السماسرة، من أجل استخراج أوراق أحوال مدنية للمغتربين (إخراجات قيد، تسجيل أولاد)، بغية تأمين دخل إضافي يصل إلى مليون ليرة شهريا.

لا يعتبر "أبو علاء" أن "عمله الإضافي" هذا يندرج تحت الرشوة، ويستبعد أن يكون قد وقع في "الحرام" بحسب تعبيره، ويقول في سبيل الدفاع عن موقفه، "أنا أخدم الكثير من الناس في الخارج ممن يحتاجون لأوراق، ولا يستطيعون القدوم إلى هنا، أحيانا يأتي أقرباؤهم وليس لديهم وكالة رسمية، أتحمل مسؤولية ما أقوم به، وفي نهاية الأمر أنا أب ولدي الكثير من الالتزامات ماذا يريدون منا أن نشحذ على أبواب الطرقات.. بكل حال الدولة تعلم أن الموظفين لن يكتفوا بهذا الراتب".

أجور إضافية لخدمات مجانية

يعتمد كثير من الموظفين الحكوميين في مؤسسات النظام، على مداخيل إضافية للاستمرار في الوظيفة، بعضها يحمل صفة رشوة صريحة تحت مسميات مختلفة (إكرامية، حق فنجان قهوة، حلوان.. إلخ)، ووفق ما أكدت مصادر محلية في اللاذقية لـ موقع تلفزيون سوريا، فإنه لكل موظف تسعيرة مختلفة، بحسب طبيعة عمله وأهميته لإنجاز المعاملة، سواء كان هذا العمل يقتضي التوقيع أو الختم على الأوراق الرسمية، أو حتى مجرد تمريرها إلى موظفين أعلى مرتبة للموافقة عليها.

"مهند"، وهو شاب ثلاثيني يعمل في بريد جبلة، يتقاضى أجورا إضافية على أعمال إصلاحات شبكات الهاتف الأرضي أو تأمين خط هاتف أو بوابة إنترنت، ورغم أن هذه الخدمات يجب أن تكون مجانية، لا يعتبر "مهند" ما يتقاضاه رشوة.

ويقول "مهند" لـ موقع تلفزيون سوريا، موضحاً موقفه: "عندما يقدم المواطن شكوى بأن هاتفه معطل، أو يحتاج لبوابة إنترنت، أو إصلاح للخط قد ينتظر دوره لشهرين أو أكثر حتى تستجيب مؤسسة البريد، لكنه يأتي إلي ويطلب مني مساعدته بشكل عاجل، ومن الطبيعي أن أحصل على أجور مقابل هذه الخدمة، لأنني أدفع من جيبي أحيانا أجور وسائل النقل، وبالعموم لا أتقاضى إلا مبالغ معقولة تعينني على تأمين حاجات عائلتي.

دوام رسمي وعمل "براني"

يعمل "سعد" مدرس رياضيات في إحدى مدارس مدينة جبلة، حاول الاستقالة من وظيفته عدة مرات خلال الأعوام الأخيرة والتفرغ للعمل في متجره ببيع المواد الغذائية لكنه لم يحصل على موافقة.

يقول المدرس الأربعيني في حديث لموقع تلفزيون سوريا، إنه استطاع بعد أخذ وردٍّ طويل الوصول لاتفاق مع مدير مدرسته على اختصار وقت دوامه من 4 ساعات يوميا إلى ثلاث حصص أسبوعيا فقط، ما مكنه من مواصلة العمل في متجره بدل قضاء معظم وقته في المدرسة.

وأضاف، "معظم المدرسين حاليا باتوا يعتبرون الوظيفة عملا ثانويا، فكيف لمدرس أن يعيش بمبلغ 150 ألف شهريا في أحسن الأحوال؟".

وأردف، "بعض المدرسين يتعمد الغياب لأوقات طويلة من دون اكتراث بأي عقوبة أو فصل، وآخرون يعطون دروسا خصوصية داخل المدرسة ومن استطاع تأمين عمل آخر بالطبع لن يصبر على هذا الراتب".

"التفييش" ينتقل للوظائف

وخلال السنوات الماضية، انتقلت ظاهرة "التفييش" من الجيش إلى القطاع العام في مناطق سيطرة النظام (التفييش يعني إعفاء العسكري أو الموظف من مهامه مقابل رشوة تُدفع للمسؤولين عنه)، وفق ما أفاد الناشط الإعلامي في مدينة جبلاوي "أبو يوسف جبلاوي".

ويقول "جبلاوي" لـ موقع تلفزيون سوريا، "لم يعد يقتصر "التفييش" على الجيش، بل بات ظاهرة واسعة الانتشار في مؤسسات حكومة النظام، بموجب اتفاق بين الموظف ومديره، يحصل فيه الأخير على مبلغ مالي مقابل التغاضي عن غياب الموظف".

وأضاف، "هذه الظاهرة منتشرة بشكل كبير لا سيما في المدارس حيث يترك الطلاب في الباحات معظم أوقات الدوام، وحين تراجع بعض المؤسسات تتوقف معاملتك عند موظف قد لا يعود قبل أسبوع، هذا عدا عن نظام المناوبات الذي يتبعه الموظفون فيما بينهم لتسيير الأمور مقابل تهربهم من العمل".

وقبل أيام قليلة أكدت صحيفة "تشرين" التابعة للنظام، أن الشهور القليلة الماضية شهدت ازديادا كبيرا في أعداد الموظفين الراغبين في الاستقالة.

وأوضحت الصحيفة أن هذه الرغبة، جاءت بالتزامن مع تفاقم الأزمة الاقتصادية والمعيشية التي أثرت في الجميع، نتيجة ارتفاع الأسعار والتضخم غير المسبوق.

ونقلت الصحيفة عن الخبير بالإدارة العامة عبد الرحمن تيشوري، أن القطاع العام وصل للإفلاس الإداري نتيجة ضعف الأجور والفساد، لافتا إلى أن الرقابة تكشف عن اختلاس 10 ملايين يوميا، وأن 50% من الشباب الذين لديهم خبرة واسعة هاجروا ومن المتوقع أن تزيد هذه النسبة.