icon
التغطية الحية

حصاد 2023 في سوريا.. زلازل طبيعية وسياسية وموت مستمر وحياة أقسى

2024.01.01 | 06:58 دمشق

حصاد 2023 في سوريا.. زلازل طبيعية وسياسية وموت مستمر وحياة أقسى
حصاد 2023 في سوريا.. زلازل طبيعية وسياسية وموت مستمر وحياة أقسى
تلفزيون سوريا ـ خاص
+A
حجم الخط
-A

انتهى العام 2022 في سوريا عند اجتماع موسكو بين النظام السوري وتركيا وروسيا، والذي نتج عنه ما هو أدنى من كل المتوقّع، وخلص الضغط الروسي الكبير في العملية لاختراقين تمثّلا بانضمام النظام لآلية التنسيق الأمنية بين روسيا وتركيا في سوريا، وإشراكه ضمن الخط الساخن المفتوح بين الدول الضامنة لمسار أستانا.

وكانت أنقرة تتجاوب مع المسار في سياق انتخابي محلي، لينتهي المسار بانتهاء الانتخابات التي فاز فيها رجب طيب أردوغان، إلا أن العملية التطبيعية التفاوضية بين النظام وتركيا بالإضافة إلى دبلوماسية الكوارث بعد زلزال السادس من شباط، فتح الباب أمام التطبيع العربي.

استفاق السوريون في الشمال السوري، فجر السادس من شباط، وكأنهم يعيشون لحظات من يوم القيامة، باستثناء ما يقرب من 4200 شخص في شمال غربي سوريا و394 في المناطق التي يسيطر عليها النظام.

ءؤئر
قبر في مدينة جنديرس لطفلة مجهولة الهوية قضت في الزلزال المدمر - تلفزيون سوريا

زلزال سوريا وتركيا دمّر مدناً بأكملها وفجّر مأساة إنسانية مهولة في منطقة تعاني آثار حرب النظام وحلفائه عليها، منذ 10 سنوات، ولم تدخل شاحنة مساعدات واحدة حتى اليوم الخامس من الزلزال، فكتب وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارتن غريفيث في تغريدة عبر حسابه في "تويتر": "لقد خذلنا سكان شمال غربي سوريا، وهم محقون في شعورهم بالتخلي عنهم".

وجاءت الصدمة على السوريين، مطلع شهر كانون الأول الجاري، إثر بيان لـ برنامج الأغذية العالمي عبّر فيه عن أسفه بانتهاء برنامج مساعداته الغذائية العامة في جميع أرجاء سوريا، مع بداية العام الجديد 2024، وذلك بسبب نقص التمويل، حيث كان قرابة 14 مليون سوري يعتمدون على السلة الغذائية المقدمة من الأغذية العالمي.

تحت الصقيع والمطر نامت عشرات آلاف العائلات في العراء وتمزّقت عضلات فرق الإنقاذ بسبب العمل المتواصل تحت الأنقاض وأُتخمت المستشفيات بالمصابين بسبب عدم قدرة الجانب التركي على استقبال أحد كما كان يحدث عادة، لتصل بعد أيام الدفعات الأولى من الأجهزة الطبية والمساعدات من دول عربية، لكن الكارثة كانت أكبر.

قضى أكثر من 5500 سوري في الزلزال المدمّر الذي ضرب ولايات الجنوب التركي، أما الناجون فكانوا هائمين بعد أن خسروا منازلهم وذويهم، ووسط الكارثة غير المسبوقة وقلة المساعدة، قرّر عشرات الآلاف منهم العودة إلى الشمال السوري بعد انعدام الخيارات أمامهم، وعدم قدرتهم على استئجار منزل في ولاية أخرى.

أما من بقي من السوريين في مدينة أنطاكيا الأكثر تضرراً بالزلزال، فكان مصيرهم "خيمة موسومة برقم 2"، لتمييزهم عن خيام المنكوبين الأتراك، وبالتالي تمييزهم في المساعدات وحقوق المأوى.

كان الزلزال بالنسبة للنظام السوري فرصة ذهبية لابتلاع المساعدات الأممية وسرقتها، ليصل للمنكوبين في حلب واللاذقية كسرة خبز وبيضتان وبصلة، لأن الجسور الجوية من المساعدات بعشرات آلاف الأطنان كانت تصب في مستودعات أسماء الأسد عبر منظمتها "الأمانة السورية للتنمية".

بعد 13 يوماً من الزلزال المدمّر، قال فيصل بن فرحان آل سعود وزير الخارجية السعودي إن إجماعاً بدأ يتشكل في العالم العربي على أنه لا جدوى من عزل سوريا، وأن "الحوار مع دمشق" مطلوب "في وقت ما"، حتى تتسنى على الأقل معالجة المسائل الإنسانية بما في ذلك عودة اللاجئين، لينتهي هذا التصريح التمهيدي بحضور بشار الأسد القمة العربية بدعوة سعودية.

لا في أحسن توقعاته ولا في خياله اللامحدود، ولا في أثناء غوصه العميق بعقلنة المنطق واللامنطق التي تراوده طوال حياته، كان يتوقّع أن يعود ويجلس على كرسي سوريا في جامعة الدول العربية.

فهو من سلّم بأنه في قطيعة أبدية مع العرب، وخلاف يبعده عن قممهم واجتماعاتهم واللقاء بهم، فهو المنفي من صفوفهم، وهو من وصفوه بقاتل شعبه، وهو من ارتمى في حضن إيران، وجلب ويلاتها وشرورها إلى المنطقة.. وهو أيضاً من أغرقهم بشحنات الكبتاغون، لكن مع كل هذا وذاك يعود اليوم بينهم ومقربا لكثيرين منهم، فتحولات السياسة وسقوط الأقنعة هنا، أقوى من الموقف والكلمة والمبدأ.

لقد سلك بشار الأسد طريق التطبيع العربي، بعد أن رسمت له دولة الإمارات أولى الخطوات، لتتبعها دول أخرى كانت المملكة العربية السعودية آخرها.

زلزال شباط الماضي، كان مفتاح العبور إلى دمشق من البوابة الإنسانية، إذ بدأت بيانات التضامن، فتبعتها الاتصالات المعزية لـ"الأسد"، وكأنّه الوصي على دماء وأرواح ومصائر السوريين.

وسرعان ما حطت الطائرات تحمل مساعدات وأخرى وزراء ودبلوماسيين، مطلقين عبارة مشتركة على مسامع بشار الأسد: "نقف مع سوريا وحان وقت عودتها إلى الحضن العربي"، فكانت البداية لرسم طريق عودة الأسد ونظامه إلى الحضن العربي، كما يظنون، وأولى ثمراته إعادته إلى جامعة الدول العربية والمضي نحو فتح السفارات بينهم وبينه.

لم تلق المغامرة العربية، ولا خطوة التقارب مع تركيا التي وصلت إلى طريق مسدود، ترحيباً أو قبولاً دولياً، واعتبرتها عدة دول على رأسها الولايات المتحدة خطوة في الاتجاه غير الصحيح، ولن تؤدّي إلى إحداث أي اختراق نحو الحل في سوريا، لا بل إنها ستزيد من تعقيد الملف السوري ومن تعنت الأسد الرافض لتقديم أي تنازل، لا سيما أن الحراك السياسي حول سوريا متوقّف، وما حدث أخيراً، يضيف عائقاً جديداً أمام أي خطوة في طريق الحل، الذي بات من الواضح أنه يبتعد شيئا فشيئاً.

ومع هذه التغيرات الأخيرة في الموقف العربي وتوقّف الحراك السياسي، ليس هناك شك ولا ريبة أن نظام الأسد كسب نقاطا على حساب المعارضة السورية، التي ما تزال تدور في مرحلة الانتخابات وتبديل الأسماء في ترؤس مؤسساتها كالائتلاف الوطني وهيئة التفاوض، مع إيقاف الأمم المتحدة لاجتماعات اللجنة الدستورية، وإظهار الرغبة الروسية بتجميد جميع مسارات الحل في سوريا، ضمن محاولاتها المستمرة للإجهاز على ثورة السوريين ومطالبهم.

جاء رمضان عام 2023 في ذروة الأزمة الاقتصادية التي كان أبرز أسبابها السياسات الاقتصادية المتخبطة للنظام وتحديداً عندما حدد سعر صرف الدولار للحوالات الخارجية والأفراد، منتصف آذار الماضي، بسعر يقترب كثيراً من سعر السوق السوداء.

وكان الترند السوري في رمضان مسلسل "ابتسم أيها الجنرال" الذي تدور أحداثه حول أسرة مستولية على الحكم، وينشأ فيها صراع عنيف بين أخوين من الأسرة: الأول ورث السلطة عن أبيه، وتنشأ صراعات متنوعة داخل العائلة جميعها يتركز على مسائل الحكم والسلطة والأدوار التي يلعبها كل طرف من الأطراف المتصارعة في العائلة.

 

في 23 من حزيران 2023، فاز الرئيس رجب طيب أردوغان بولاية رئاسية جديدة بنسبة 51.8% من الأصوات، متفوقاً على منافسه الرئيسي كمال كليتشدار أوغلو، كما فاز حزب العدالة والتنمية بزعامة أردوغان، بأغلبية مقاعد البرلمان.

كانت قضية اللاجئين السوريين في تركيا من أهم القضايا التي طُرحت خلال الانتخابات، حيث تعهد أردوغان بإعادة مليوني لاجئ سوري إلى بلادهم، بحلول نهاية عام 2024، بعد توترات سياسية كبيرة جرت بين الحكومة والمعارضة، تخلّلها حملات ترحيل كبيرة للسوريين، خاصّة الذين يعيشون في المدن التركيّة الكبرى مثل إسطنبول وأنقرة.

الجنوب السوري

كان من أبرز ما جرى في العام 2023 على الساحة السوريّة، اندلاع احتجاجات شعبية في السويداء جنوبي سوريا، تطوّرت من مطالبات بتحسين الوضع المعيشي والخدمي إلى مطالب بإسقاط نظام الأسد، والانتقال السياسي، وتطبيق القرار الأممي 2254.

ورغم مواجهة النظام لاحتجاجات السويداء بالاعتقالات والملاحقات الأمنية، ولاحقاً إطلاق الرصاص على المظاهرات، لكنّها فشلت في إخمادها، وما تزال مستمرة وبشكل شبه يومي تقريباً، منذ انطلاقها، منتصف آب الماضي.

وفي درعا المجاورة، ما تزال المحافظة ومنذ سيطرة النظام السوري عليها بموجب اتفاق "تسوية" رعته روسيا، منتصف تموز 2018، تشهد اغتيالات وفوضى أمنية يحاول النظام من خلالها، استعادة السيطرة بشكل أكبر وفعلي على مدن وبلدات درعا.

وسجّل مكتب التوثيق في "تجمّع أحرار حوران" ما لا يقل عن 1983 عملية ومحاولة اغتيال، أدّت إلى مقتل ما لا يقل عن 1323 شخصاً في محافظة درعا، منذ سيطرة النظام على المحافظة في تموز 2018 وحتى تشرين الأوّل 2023.

وقرب السويداء ودرعا، على الحدود الأردنية، شهدت المنطقة تطورات متسارعة في العلاقات بين النظام السوري والأردن، عقب تصاعد عمليات تهريب المخدرات بشكل كبير، الأمر الذي دفع الأردن إلى اتخاذ إجراءات صارمة لمكافحة هذه الظاهرة، وسط مخاوفه من تنامي نفوذ إيران ووكلائها في الجنوب السوري.

وفي 11 من كانون الأول 2023، شهدت الحدود السورية الأردنية مداهمات واشتباكات بين الجيش الأردني ومجموعات مسلّحة استمرت لأكثر من 14 ساعة، أسفرت عن مقتل وإصابة عدد من المسلّحين، والقبض على 9 آخرين، فضلاً عن ضبط مواد مخدرة وصواريخ وتدمير سيارة محملة بالمواد المتفجرة.

وشهدت، الأشهر الأخيرة من العام 2023، تكثيفاً للقصف الإسرائيلي على مناطق سيطرة النظام السوري، خاصّة مطاري دمشق وحلب، اللذين خرجا عن الخدمة عدة مرات وخلال أوقات متقاربة، ما جعل الرحلات الجوية الخارجية محصورة بمطار اللاذقية.

وفي شمال شرقي سوريا، تصاعد التوتر بين الولايات المتحدة وميليشيا إيران، على خلفية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة المستمر، منذ السابع من تشرين الأول الماضي، حيث استهدفت الميليشيات أكثر من مرة وعبر مسيّرات، قواعد أميركية في سوريا، ردّت عليها القوات الأميركية بتنفيذ غارات على مواقع وأهداف إيرانية في المنطقة.

ملف جرائم النظام السوري

كذلك شهد العام 2023، تطورات قانونية مهمة في أوروبا، تمثّلت بوصول ملف جرائم النظام السوري إلى محكمة العدل الدولية لأوّل مرة، إلى جانب فتح محاكمات لعناصر من ميليشيات موالية للنظام في هولندا، وإصدار القضاء الفرنسي مذكرة توقيف دولية ضد بشار الأسد وشقيقه ومعاونيه بسبب جرائم ضد الإنسانية.

الضغطُ القانونيُّ لم يقتصرْ على أوروبا، ففي الولاياتِ المتحدةِ دخلَ (قانون مكافحة كبتاغون الأسد) حيّز التنفيذ، منتصفَ العام 2023، لينضمَّ إلى (قانون قيصر) في تضييق الخناق على نظام الأسد، كما تحرّك الكونغرس الأميركي وصاغ مشروع قانونٍ جديد لمناهضةِ التطبيعِ مع الأسد، وهدفُه حظرُ أيِّ إجراءٍ رسمي يقضي بالاعتراف أو تطبيع العلاقات مع أيِّ حكومة في سوريا يرأسُها الأسد.

كذلك في الولاياتِ المتحدة، طُرح مشروع قرار في مجلس النواب يدعو إلى إنشاء محكمةٍ دولية خاصة لمحاكمة نظام الأسد على جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها بحقِّ الشعبِ السوري، وكان للمنظمات السورية العاملة في أميركا، دور كبير في دعم هذه الجهود.

تفجير الكلية الحربية

في الخامس من شهر تشرين الأوّل، أفادت وسائل إعلام النظام السوري بأنّ "هجوماً بطائرات مسيّرة استهدف حفل تخريج دورة ضباط في الكلية الحربية بحمص، ما أسفر عن أعداد كبيرة من القتلى الإصابات".

وبعد نصف ساعة فقط من تفجير الكلية الحربية، بدأت قوات النظام السوري بحملة قصف صاروخية ومدفعية عنيفة على مدن وبلدات محافظة إدلب وريف حلب الغربي، ضمن سياق وصِف بـ"الانتقامي"، على خلفية مزاعم النظام بأنّ فصائل من المعارضة تقف وراء التفجير، وهي فرضية استبعدها ضباط وخبراء عسكريون.

ودانت العديد من الدول العربية، استهداف الكلية الحربية في حمص، وقدمت التعازي للنظام السوري، بينما تغافلت عن حملة القصف المكثّفة التي شنتها قوات النظام على مدن وبلدات في ريفي إدلب وحلب، شمال غربي سوريا.

شمال غربي سوريا

في شمال غربي سوريا، واصلت "هيئة تحرير الشام" حملات اعتقال داخلية، تستهدف عشرات القياديين والمسؤولين التابعين لها في مفاصل عسكرية وإدارية، معظمها لأسباب لم تُفصح عنها، لكن أشار لها مناهضون للهيئة ومنشقون عنها بأنّها تندرج تحت "تصفية حسابات".

وبحسب مناهضي الهيئة، فإنّ القائمين على الحملة هم من "تيار إدلب وبنش"، ويستهدفون بشكل أساسي "تيار الشرقية" المقرّب من القيادي المعتقل "أبي ماريا القحطاني"، إضافة إلى أنصار القيادي "جهاد عيسى الشيخ" (أبي أحمد زكور)، الذي تمكّنت مجموعات الهيئة من دخول اعزاز التي فرّ إليها "الشيخ"، لكنها لم تتمكن من اعتقاله.

وكان موقع تلفزيون سوريا قد نشر تقريراً، مطلع كانون الأوّل، أكّد فيه أن القيادي "زكور" وصل إلى مفترق طرق بخلافاته مع أبي محمد الجولاني (زعيم الهيئة)، بعد عدة أشهر من الأزمة التي بدأت باعتقال الهيئة للقيادي "أبي ماريا القحطاني"، المقرّب من "زكور"، وذلك بتهم التعاون مع جهات خارجية.

وعن حصيلة الضحايا في شمال غربي سوريا، أعلنت الشبكة السورية لحقوق الإنسان في تقرير لها، مقتل 1032 مدنياً، منذ بداية العام الحالي وحتى كانون الأول 2023، معظمهم على يد قوات النظام وروسيا و"قسد".

وتأتي حصيلة الضحايا بالقصف والانتهاكات والتجاوزات، مع استمرار الأزمة الإنسانية وتفاقهما في الشمال السوري، في ظل تدهور الخدمات الأساسية مثل الصحة والتعليم والإمداد بالمياه والكهرباء، مع دخول الشتاء الذي يزيد من معاناة الأهالي، منذ 12 عاماً، خاصّة في المخيمات.

في النهاية، يمكن القول إنّ العام 2023 شهد استمراراً للصراع والتحديات في سوريا، من دون تحقيق تقدم كبير نحو حل سياسي شامل أو تحسين كبير في الأوضاع الاقتصادية والإنسانية، وكما أشار غير بيدرسن مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة الخاص إلى سوريا، بأنّ "العام 2023 كان عاماً مأساوياً آخر بالنسبة للمدنيين السوريين"، لكن يبدو أنّه كان "مثالياً" بالنسبة لرئيس النظام بشار الأسد، الذي انفتحت أمامه أبواب التطبيع ودعوات الزيارة، وسط تجاهل العالم العربي بأنّه هو أصل المأساة السورية وأساسها.