icon
التغطية الحية

 هجمات انتقامية على إدلب.. تصعيد محدود أم تمهيد لعملية برية؟

2023.10.07 | 12:05 دمشق

خان يتصاعد في أعقاب الضربات التي شنها الجيش السوري وفقًا للخوذ البيضاء، في إدلب
دخان يتصاعد في أعقاب القصف الذي شنه النظام على إدلب ـ رويترز
إدلب ـ ثائر المحمد
+A
حجم الخط
-A

بعد نصف ساعة فقط من التفجير الذي وقع في الكلية الحربية بمحافظة حمص وسط سوريا، بدأت قوات النظام السوري بحملة قصف صاروخية ومدفعية عنيفة على مدن وبلدات محافظة إدلب وريف حلب الغربي، ضمن سياق وصِف بـ "الانتقامي" على خلفية مزاعم النظام بوقوف فصائل من المعارضة وراء تفجير الكلية عبر الطائرات المسيرة، وهي فرضية استبعدها ضباط وخبراء عسكريون بنسبة كبيرة لعدة معطيات.

حملة القصف العنيفة التي بدأت على مناطق شمال غربي سوريا، تسببت بحالة هلع بين المدنيين، وعمليات نزوح جديدة نحو المناطق الحدودية مع تركيا، مع تسلل الخوف إلى نفوس المدنيين من إمكانية توسع حملة القصف أو تطويرها إلى عملية عسكرية برية لقضم المزيد من المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة.

حصيلة 48 ساعة من التصعيد

في يوم الخميس الماضي، وثّق الدفاع المدني السوري مقتل 13 شخصاً وإصابة 62 بجروح، من جراء الهجمات الصاروخية والمدفعية التي شنتها قوات النظام السوري على أكثر من 15 مدينة وبلدة في ريفي إدلب وحلب، استهدفت الأسواق والمدارس والمرافق العامة.

ويوم أمس الجمعة، أعلن الدفاع المدني عن مقتل 11 مدنياً بينهم 3 أطفال وامرأة وإصابة 81 مدنياً بينهم 24 طفلاً و14 امرأة "من جراء هجمات إرهابية ممنهجة شنتها قوات النظام بقذائف المدفعية الثقيلة وراجمات الصواريخ، وبصواريخ تحمل ذخائر حارقة وصواريخ عنقودية محرمة دولياً، وبغارات جوية من قبل الطائرات الحربية الروسية، على أكثر من 22 مدينة وبلدة وقرية في ريفي إدلب وحلب".

بالتزامن مع ذلك، شهدت عدة مدن وبلدات في ريف إدلب الشرقي والجنوبي والغربي حركة نزوح للأهالي، بسبب التصعيد الأخير على المنطقة، فيما لا تزال الكثير من العوائل في المدن والبلدات التي تتعرض للقصف الهمجي من قبل قوات النظام وروسيا، لعدم قدرتهم على النزوح وعدم توفر أماكن آمنة تأويهم في ظل أزمة إنسانية غير مسبوقة، مع بدء العام الدراسي الجديد، واقتراب دخول فصل الشتاء.

وبينما دانت العديد من الدول العربية الهجوم الذي استهدف الكلية الحربية في حمص، وقدمت التعازي للنظام السوري، تغافلت هذه الدول نفسها عن حملة القصف التي شنتها قوات النظام على مدن وبلدات في ريفي إدلب وحلب.

ودعا الدفاع المدني، المجتمع الدولي إلى إيجاد صيغة تضمن توقف النظام عن الاستهداف الممنهج للسكان، في ظل عدم التزامه بأي إطار يدعم عملية الحل السياسي، مشدداً على ضرورة محاسبته على هذه الهجمات الشنيعة والانتهاكات الجسيمة واتخاذ إجراءات حاسمة لوضع حد لهذه الهجمات المتواصلة على أرواح الأبرياء وتقديم المسؤولين عنها إلى العدالة.

وأكدت المنظمة الإنسانية أن ضمان حماية المدنيين في سوريا والتمسك بمبادئ حقوق الإنسان والنزعة الإنسانية، هو أقل ما يحتاجه السكان بعد 12 عاماً من الحرب عليهم في وقت غاب فيه الحل السياسي في ظل مجتمع دولي تحكمه التوازنات والمصالح السياسية.

هل كان التصعيد مبيتاً له؟

تشير التوقعات إلى أن النظام السوري كان مستعداً للتصعيد على مناطق شمال غربي سوريا، وبدأ حملة القصف بعد نصف ساعة فقط من التفجير في حمص، متهماً ما وصفها "التنظيمات الإرهابية" بقصف الكلية الحربية بواسطة الطائرات المسيرة، دون أن يعرض أدنى دليل على مزاعمه في ظل غياب أي صور لحطام أو أثر الطائرات المزعومة.

ووجهت قناة "الميادين" الموالية لإيران الاتهامات لتنظيمين في شمالي سوريا بقصف الكلية، حيث قالت: "هناك معلومات تؤكد أن الحزب التركستاني وكتيبة المهاجرين هما الفصيلان اللذان يمتلكان تقنية الطائرات المسيرة"، مدعية أن "قطع طائرات مسيرة متطورة نقلت إلى الفصيلين قبل 3 أشهر، وفرنسا هي التي زودتهما بهذه التقنية".

وأشارت إلى أن "المعلومات تؤكد رصد إطلاق طائرة مسيرة من مناطق سيطرة الحزب التركستاني قبيل استهداف الكلية الحربية في حمص".

من جهته رأى القيادي في فصائل المعارضة السورية، العقيد مصطفى بكور، أن "كل الوقائع على الأرض تثبت أن الضربة على الكلية الحربية قد قام بها الإيرانيون، وبيان وزارة الدفاع الذي صدر بشكل مستعجل من نظام الأسد، وكأنه قد أُعد مسبقاً قبل الضربة ثم البدء وخلال وقت قصير بعد الضربة بعمليات قصف مكثفة على الشمال السوري المحرر، يدل ذلك كله على أن التصعيد الحالي كان مبيتاً ويتم التحضير له منذ وقت، واتخذ عملية الكلية الحربية ذريعة لذلك".

أما عضو الهيئة السياسية في الائتلاف الوطني السوري، وقائد فصيل فيلق الشام، منذر سراس، فقد ذكر أن التصعيد العسكري لنظام الأسد وحلفائه على المدنيين في كل من إدلب وريف حلب، يهدف من جديد لمنع الاستقرار وتهديد حياة المدنيين، وحرف الأنظار عن الحراك السلمي في مدينة السويداء والوضع الاقتصادي الذي يزداد سوءاً كل يوم.

وفي تصريحات نقلها موقع الائتلاف، نفى سراس بشكل كامل علاقة الجيش الوطني السوري بالتفجيرات التي طالت مواقع النظام العسكرية في حمص، موضحاً أن ما حدث عبارة عن "تفجيرات داخلية من صنع النظام وليس قصفاً جوياً كما ادعت وسائل إعلامه، وذلك بهدف استغلال هذه الأفعال وارتكاب المزيد من الجرائم ضد المدنيين في المناطق المحررة".

هل يتطور التصعيد لعملية برية؟

قال مرصدان عسكريان في المعارضة السورية، لموقع تلفزيون سوريا، إن الواقع الميداني في شمال غربي سوريا يقتصر على التصعيد بالقصف الجوي والمدفعي من قبل روسيا والنظام السوري لمدة غير معلومة، دون وجود بوادر أو حشود عسكرية توحي بعملية برية نحو مناطق سيطرة المعارضة.

وعن مستقبل حملة القصف، ذكر العقيد مصطفى بكور، في حديث مع موقع تلفزيون سوريا، أن "التصعيد العسكري الحالي شمل أغلب المناطق المحررة وإمكانية استمراره تتعلق بالموقف الدولي والإقليمي، وقدرة الفصائل على توجيه ضربات دقيقة على مصادر النيران وكذلك قدرة الحاضنة الشعبية على الصبر على الخسائر البشرية".

ورجح العقيد أن "فترة هذا التصعيد لن تطول إذا ما كانت ردود الفصائل موجعة وخاصة إذا ما تمت بعض العمليات النوعية على الأرض وأدت إلى خسائر مهمة في قوات العدو".

واستبعد بكور تطوير التصعيد الحالي لعمل عسكري على الأرض، مشيراً إلى أن الفصائل تتعامل مع التصعيد بالرد على مصادر النيران حسب الإمكانية المتوفرة، مع الاستعداد لإمكانية تطور التصعيد بشكل أكبر".

بطبيعة الحال، النظام السوري ليس بحاجة لذريعة التفجير في الكلية الحربية أو غيرها لقصف المدنيين، فالقصف متواصل ولم يتوقف منذ 12 عاماً بالرغم من اتفاقيات خفض التصعيد ووقف إطلاق النار المبرمة بين الدول صاحبة النفوذ السياسي والعسكري في سوريا.

يتفق مع ذلك المحلل العسكري والاستراتيجي العقيد عبد الجبار العكيدي، الذي رأى أن النظام السوري يقتات على الأعمال العسكرية ليشغل "حاضنته والمدنيين ضمن مناطق سيطرته عن مطالبهم المعيشية والخدمية والاقتصادية، ولتجنب تذمر الحاضنة التي بدأت تتململ من الواقع السيئ في مناطق سيطرة النظام".

وعن إمكانية بدء النظام السوري لعملية عسكرية باتجاه محافظة إدلب في المدى القريب، قال العكيدي في حديث مع موقع تلفزيون سوريا: "لا أتوقع ذلك، ولا يمكن للنظام فعل ذلك، لأنه مكبّل بالاتفاقيات الدولية، والأهم، أن الأمر ليس بيد النظام، وليس له أي قرار ببدء عمل عسكري من عدمه".

تخوف وترقب

يتخوف سكان مناطق شمال غربي سوريا من استمرار حالة التصعيد العسكري وتوسعها أو ارتفاع وتيرتها، في ظل غياب المعطيات عن المدة المحتملة لهذا القصف، وانعدام التوضيحات والتطمينات من الجهات العسكرية في المنطقة حيال ما يجري.

ومما يرفع من وتيرة الخوف بين عدد كبير من المدنيين، هو ربط التصعيد في إدلب، بالتصعيد العسكري التركي ضد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في شمالي حلب وشرق الفرات، وهو ما يعيد للأذهان فرضية "المقايضة" بمناطق السيطرة وفق تفاهمات دولية، إلا أن هذه الفرضية يبدو أنها غير واردة في الوقت الحالي، كون التصعيد التركي بدأ لأسباب معلومة أحدها تبني "حزب العمال الكردستاني" (PKK) لهجوم على منشأة أمنية في أنقرة.

ومن المستبعد أن تغامر روسيا بدعم أي عملية عسكرية في الوقت الحالي نحو مناطق النفوذ التركي في شمال غربي سوريا، خاصة أنها تبذل جهوداً لتطبيع العلاقات بين النظام السوري وأنقرة وتولي أهمية بارزة لمناطق شمال شرقي سوريا الخاضعة لسيطرة النفوذ الأميركي، وبناء على ذلك، يتوقع فرض تهدئة في نهاية المطاف بجهود دبلوماسية تركية - روسية، لكن السؤال الأبرز يتمثل بحجم التصعيد مستقبلاً وفرص نجاح الأطراف في العودة خطوة إلى الوراء ووقف القصف، وهذا ما يمكن معرفته بناء على سير الأحداث في الأيام المقبلة.