icon
التغطية الحية

"تسليح المساعدات الإنسانية".. كيف تتلاعب روسيا والصين بأموال الإغاثة الدولية؟

2023.01.10 | 13:15 دمشق

المساعدات الإنسانية إلى سوريا
مجرد التهديد الروسي باستخدام حق النقض على دخول المساعدات عبر الحدود أدى بالفعل إلى ضمور الاستجابة الإنسانية - رويترز
ترجمة وتحرير موقع تلفزيون سوريا
+A
حجم الخط
-A

خلال الأسابيع التي سبقت تصويت الأمم المتحدة، أمس الإثنين، على قرار تمديد تفويض المساعدات الإنسانية عبر الحدود إلى سوريا، شعر الدبلوماسيون وعمال الإغاثة وملايين السوريين بالقلق من أن تستخدم روسيا حق النقض في مجلس الأمن لمنع تمديد التفويض، وكان لديهم سبب وجيه للقلق.

لطالما جادلت موسكو بأن المهمة الإنسانية تنتهك سيادة سوريا، واستخدمت "الفيتو" عدة مرات في السابق لإلغاء نقاط عبور أخرى لإيصال المساعدات إلى سوريا، وهذه المرة تم تجنب الأزمة، على الأقل خلال الأشهر الستة المقبلة، لكن عدم اليقين بشأن مصير القرار كشف عن صعوبة تقديم المساعدات الإنسانية في عصر المنافسة بين القوى العظمى.

روسيا والصين تمكّنان الحكومات القمعية

خلال السنوات الأخيرة، أظهرت روسيا والصين أنهما أكثر استعداداً لاستخدام قوتهما الدبلوماسية وحق النقض في مجلس الأمن لتمكين الحكومات من حرمان شعوبها من المساعدات الإنسانية، وكان ذلك واضحاً في الصيف الماضي، حيث ساعدت روسيا والصين إثيوبيا في تأخير اجتماعات مجلس الأمن لمناقشة إعلان المجاعة في تيغراي.

ووفقاً لما ذكره الأمين العام السابق للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ، مارك لوكوك، فإنه لم يتم الإعلان عن المجاعة رسمياً في شمال إثيوبيا، على الرغم من أن ما يقرب من نصف مليون طفل يعانون من سوء التغذية في تيغراي.

ولتبرير تقييد أو منع المساعدات، تجادل الصين وروسيا بأن السيادة مصونة حتى عندما تقوم الأنظمة القمعية بشن حرب حصار ضد شعوبها، وبالطبع، فإن تطبيقهم غير متسق للغاية مع القانون الدولي، لا سيما بالنظر إلى الحرب العدوانية الروسية في أوكرانيا، من خلال تسييس المساعدات الإنسانية وتسليحها، حيث تعمل الصين وروسيا على توسيع نفوذهما على حساب الاستقرار الدولي والأعراف الإنسانية وحقوق الإنسان.

وإذا تمكنت الحكومات القمعية من التلاعب بمساعدات الإغاثة لمتابعة نزاعاتها الداخلية، فإن المجتمع الدولي يفقد أداة أساسية لتخفيف المعاناة وإدارة الأزمات، ويجب على الولايات المتحدة وحلفائها إيجاد طرق لتقليل تأثير تنافس القوى العظمى على الأزمات الإنسانية في سوريا وخارجها، وتتمثل إحدى الطرق في إخراج بعض المناقشات حول مساعدات الإغاثة من مجلس الأمن الذي يعيش حالة استقطاب.

تسليح المساعدات الإنسانية

وتسليح المساعدات الإنسانية ليس ظاهرة جديدة، لكن نتائجها في سوريا حادة ومأساوية بشكل خاص، حيث رفض نظام الأسد، بعد اندلاع الثورة السورية في العام 2011، بشكل منهجي المساعدة الإنسانية لشرائح كبيرة من السوريين، سعياً لإجبار المجتمعات الخاضعة لسيطرة المعارضة على الاستسلام أو القضاء عليها بشكل كامل.

ورداً على ذلك، تبنى مجلس الأمن في العام 2014 بالإجماع القرار 2165، الذي سمح لوكالات الأمم المتحدة بتمويل وتسليم وتنسيق المساعدات عبر أربعة معابر حدودية إلى المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، ودون موافقته. ونتيجة لذلك، وصلت وكالات الإغاثة إلى ملايين الأشخاص الذين كانوا سيبقون دون مساعدة لولا ذلك القرار.

ومع ذلك، استخدمت روسيا في السنوات الأخيرة نفوذها في مجلس الأمن لتقليص صلاحيات القرار إلى معبر واحد، هو معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا.

وحتى مع هذه القيود، تصل مساعدات الأمم المتحدة إلى 4.5 ملايين شخص في شمال غربي سوريا، معظمهم من الناجين من حصار نظام الأسد وحملات القصف الروسية، ومع ذلك، ضمنت جهود موسكو أن الغالبية العظمى من مساعدات الأمم المتحدة يتم تمريرها عبر دمشق، مما يمنح نظام الأسد مزيداً من السيطرة على توصيل المساعدات.

الفيتو لانتزاع التنازلات الدبلوماسية

وسمحت هذه السيطرة لنظام الأسد بحجب المساعدات عن مناطق معينة، وتحويلها إلى حلفائه ومؤيديه، كما أنها أتاحت له تشكيل قصة الصراع بنفسه، والأكثر سوءاً من كل ذلك هو أن مكتب الأمم المتحدة في دمشق لم يكشف عن حصار النظام السوري لمدينة مضايا حتى انتشرت صور مروعة في وسائل الإعلام، مطلع العام 2016، لأطفال هناك يتضورون جوعاً.

كما هددت موسكو باستخدام حق النقض "الفيتو" لانتزاع تنازلات دبلوماسية من أعضاء مجلس الأمن الآخرين، بما في ذلك الولايات المتحدة، وهددت العام الماضي بإغلاق معبر باب الهوى للحصول على موافقة المجلس على أنشطة التعافي المبكر في مناطق سيطرة النظام السوري، ودعم أكبر لعمليات تسليم المساعدات عبر الخطوط، ما يمنح النظام السوري سيطرة أكبر على المساعدات التي تصل إلى شمال غربي سوريا.

وبعد نقاش حاد في مجلس الأمن في تموز الماضي، أجبرت روسيا على تمديد الأمم المتحدة تفويض المساعدات عبر الحدود لستة أشهر فقط، بعد أن كان التمديد لمدة 12 شهراً في كل مرة، ما أوقع مجموعات الإغاثة في مأزق بشأن كيفية التخطيط لتلبية الاحتياجات الماسة للسوريين شمال غربي سوريا، بشأن القدرة على توظيف عمال الإغاثة، وتخطيط البرامج، وإدارة المستشفيات والمدارس ومرافق المياه، وإيصال المساعدات الأساسية للملايين الذين يعتمدون عليها للبقاء على قيد الحياة.

كما يمنع عدم اليقين الدبلوماسي والإطار الزمني القصير لمدة ستة أشهر وكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية على التخطيط لاستجابة إنسانية فعالة، وكان التأثير على الأرض ملموساً، فعلى سبيل المثال، أفاد منتدى المنظمات غير الحكومية في شمال غربي سوريا العام الماضي أن أكثر من 8500 وظيفة غير حكومية في المنطقة تم قطعها، وتعليق أكثر من 400 من الأنشطة الطبية والتعليمية والحماية ومرافق المياه والصرف الصحي.

وخلاصة القول في ذلك، هي أن مجرد التهديد باستخدام حق النقض الروسي، قد أدى بالفعل إلى ضمور الاستجابة الإنسانية.

ما الذي يحاول الأسد وبوتين فعله؟

وبالنسبة لروسيا، فإن هذا هو مقصدها، حيث لم يستطع النظام السوري وروسيا استعادة شمال غربي سوريا بالقوة، وسيواجهان مقاومة واسعة وعنيفة، وأيضاً معقدة بسبب وجود القوات التركية، لكن من خلال قصر المساعدات الإنسانية إلى المنطقة فإنهما قادران على احتواء المعارضة وإضعاف السكان المدنيين، كما أن قطع المساعدات عبر الحدود بشكل كامل من شأنه أن يزيد من إحكام الخناق.

وسيدفع السوريون ثمناً باهظاً من جراء ذلك، وسيحاول الكثيرون الفرار إلى تركيا أو البلدان المجاورة الأخرى، التي أغلقت أبوابها إلى حد كبير في وجه اللاجئين السوريين، ويمكن أن تؤدي النتائج إلى زعزعة استقرار منطقة هشة بالفعل، مما يؤدي إلى معاناة إضافية سيدفع المانحون الأميركيون والأوروبيون فاتورتها.

وعلى مدار العقد الماضي، كانت الولايات المتحدة وألمانيا والمملكة المتحدة بالفعل الدول المانحة الأكثر سخاءً للمساعدات الإنسانية في جميع أرجاء العالم، وستتعرض لضغوط شديدة للحفاظ على هذه المستويات.

والأسوأ من ذلك، فإن الآثار الضارة لتدهور الوضع الإنساني في سوريا يمكن أن تنتشر بسهولة خارج المنطقة، حيث من المرجح أن يستجيب الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، الذي يواجه انتخابات في وقت لاحق من هذا العام، لموجة جديدة من اللاجئين السوريين من خلال دفع التدفق نحو الاتحاد الأوروبي.

وسبق أن أدت موجة اللاجئين، بين عامي 2015 و2016، إلى ترسيخ الانقسامات داخل المجتمعات الأوروبية، ورفع مستوى الأحزاب اليمينية المتطرفة، وتحدي المفاهيم الأوروبية لحقوق الإنسان، ومن المؤكد أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، سيسعد لرؤية دول الاتحاد الأوروبي تواجه مثل هذا الوضع مرة أخرى.

ما يحاول بشار الأسد وفلاديمير بوتين فعله في سوريا ليس بالأمر الجديد، ففي العام 2008، منعت الحكومة العسكرية في ميانمار عمال الإغاثة الدوليين من دخول البلاد بعد أن خلف الإعصار "نرجس" ما يقرب من 140 ألف قتيل و2.4 مليون آخرين في قطر، وذلك خوفاً من التدخل الخارجي من قبل الحكومات الأجنبية.

واليوم يمنع المجلس العسكري في ميانمار المساعدات من الوصول إلى العديد من مناطق الأقليات العرقية، سواء تم تسليمها داخلياً أو بوسائل عبر الحدود.

أيضاً في منطقة تيغراي في إثيوبيا، فرضت الحكومة الفيدرالية منذ عامين حصاراً على المساعدات والخدمات لملايين المدنيين، على أمل عزل قوات المعارضة وإضعاف السكان في مناطق سيطرتها.

وطوال العقدين الماضيين، منعت روسيا والصين مجلس الأمن من إصدار قرارات تدين الأزمة الإنسانية، وتدعو إلى عمل إنساني أقوى في كل من ميانمار وإثيوبيا.

هل يجب إخراج مجلس الأمن من معادلة المساعدات الإنسانية؟

وإذا كانت روسيا والصين ستحميان الحكومات القمعية في مجلس الأمن، فلا ينبغي أن تكون هذه الحكومات قادرة على تحديد مواطنيها الذين يتلقون مساعدات خارجية، ويجب على الولايات المتحدة وحلفائها إيجاد طرق لتقليل المأساة الإنسانية التي تنتج عندما تتنافس القوى العظمى في الأزمات الإنسانية، وفي بعض الحالات، سيكون إخراج مجلس الأمن من المعادلة خطوة أولى مهمة.

وفي الحالة السورية، وحتى قبل إصدار القرار 2165، جادل كثير من الباحثين القانونيين بأن قرار مجلس الأمن ليس مطلوباً لإضفاء الشرعية على توصيل المساعدات عبر الحدود في مواجهة الحكومة القمعية، وتستند هذه الحجة إلى شقين:

الأول، أنه لا توجد قاعدة في القانون الدولي تنص، بشكل لا لبس فيه، على أنه من غير القانوني للوكالات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة عبور حدود دولية إلى جزء من دولة لا تملك الحكومة الوطنية سيطرة إقليمية عليها لتقديم مساعدة إنسانية محايدة، في تعاون كامل مع السلطات المحلية والمجتمعات المحلية.

الثاني، يشير رفض نظام الأسد السماح بالمساعدات الإنسانية للسكان المحتاجين طوال فترة الصراع إلى نمط تكون فيه البدائل مثل المساعدات عبر الحدود ضرورية، حيث سبق أن اقترحت الأمم المتحدة ومجلس الأمن، بشكل ضمني أو صريح، أن امتناع حكومة النظام السوري عن الموافقة على المساعدة الإنسانية في الأجزاء غير الخاضعة لسيطرتها هو قرار تعسفي.

وهذا يعني، من بين أمور أخرى، أن النظام السوري منع المساعدات بطريقة تنتهك التزامات الدولة بموجب القانون الدولي. فعلى سبيل المثال، لا يُسمح للدول بتجويع السكان المدنيين، ولا يمكنهم منع المساعدات عن المدنيين، لأن هؤلاء المدنيين يُعتبرون داعمين لأعداء الدولة.

ومؤخراً، قالت مجموعة من منظمات الإغاثة الإنسانية السورية في الشتات إنه على الرغم من أن الإجراءات التي اتخذها مجلس الأمن كأساس أوضح للمساعدات عبر الحدود مع القرار 2165، فإن الوضع على الأرض اليوم يجعل القرار واحداً فقط من عدة مبررات قانونية لاستمرار هذه المساعدات.

وباختصار، يدعم رفض النظام السوري التعسفي للمساعدات طوال النزاع وخطوط السيطرة الثابتة في البلاد الحجة القائلة بأن "المساعدات الإنسانية عبر الحدود قانونية".

تسليح المساعدات مدمر لملايين المدنيين

ولا يعني أي مما سبق أن مجلس الأمن يجب أن يمتنع عن تجديد المساعدات إلى سوريا عبر الحدود، وحتى التعطيل المؤقت للمساعدات قد يكون كارثياً على سكان شمال غربي سوريا، ولا يزال مكتب الشؤون القانونية التابع للأمم المتحدة يعتبر القرار شرطاً أساسياً لاستمرار هذه المساعدة الإنسانية، ومن الواضح أن وكالات الأمم المتحدة لا تزال ترى بأنها ملزمة بهذا الرأي القانوني الداخلي.

وعلى الرغم من أنه ينبغي على الأعضاء الآخرين في مجلس الأمن مواصلة جهودهم الدبلوماسية للإبقاء على القرار 2165 حياً، فإن المعضلة الحالية ستستمر حتى يكون هناك نقاش قوي وشفاف بين مكتب الشؤون القانونية والعديد من الخبراء الخارجيين الذين يختلفون مع تحليله.

وتلعب هيئات الأمم المتحدة الأخرى دوراً مهماً في حالة سوريا، حيث يمكن للجمعية العامة ولجانها ذات الصلة إصدار قرار يؤكد على ضرورة استمرار المساعدات عبر الحدود في ضوء ظروف شمال غربي سوريا، وستكون هذه الخطوة دليلاً هاماً على الإرادة السياسية العالمية، ومن شأنها أن تعزز الحجة القانونية القائلة بأن عمل مجلس الأمن ليس ضرورياً.

وعلى نطاق أوسع، يجب على الولايات المتحدة وحلفائها العمل على ترسيخ الحق في المساعدات الإنسانية، حتى لو رفضته حكومة ذات سيادة بشكل تعسفي، ويمكن القيام بذلك عن طريق قرار من الجمعية العامة، أو عن طريق تعديل لقرار العام 1991، الذي أنشأ بشكل أساسي النظام الإنساني الدولي الحالي.

ويمكن أن توضح هذه التعديلات كيف ومتى تكون الأمم المتحدة قادرة على توفير الدعم للمدنيين في حالات مثل تلك الموجودة اليوم في سوريا وإثيوبياً، في حين يجب على الولايات المتحدة، وغيرها من الدول المناصرة للهيكل الإنساني الدولي، تشجيع الدول ذات التفكير المماثل على بناء دعم متعدد الأطراف لهذا النوع من النهج.

ومن المؤكد أن العمل على هذا الصعيد الآن بالغ الأهمية، حيث من المرجح أن تزداد رغبة الصين وروسيا في استخدام نفوذهما لصالح الطغاة، خاصة مع اشتداد حدة المنافسة بين القوى العظمى، وتسليح الصين وروسيا للمساعدات الإنسانية أمر مدمر لملايين المدنيين، وسيكون مكلفاً للولايات المتحدة وشركائها.

وعلى الرغم من ذلك، ومن خلال التعاون الدبلوماسي والمثابرة، يمكن أن تكون الأزمة السورية فرصة للمجتمع الدولي لمعالجة المشكلة وجهاً لوجه، وفي غضون ذلك، إنقاذ الأرواح في الأزمات الإنسانية الأخرى، الآن وفي المستقبل.

لقراءة المقال الأصلي في مجلة "فورين أفيرز" هنا.