icon
التغطية الحية

بعد تصارعها على النفوذ.. غياب الدعم يقرّب بين 4 ميليشيات بارزة في حلب

2023.01.10 | 11:27 دمشق

ميليشيات في حلب
+A
حجم الخط
-A

تعيش ميليشيات النظام السوري في مدينة حلب، حالة من "التوافق والتنسيق" المتبادل، بعدما كان الصراع والتنافس على تقاسم النفوذ والسيطرة هو السائد على مدى السنوات التي تلت سيطرة النظام على الأحياء الشرقية، أواخر العام 2016، وتمدده لاحقاً نحو طوق المدينة والأرياف المحيطة بها.

ويرجع التغيّر المفترض في العلاقة بين الميليشيات إلى مجموعة من العوامل أهمها: توقّف المعارك، وانخفاض معدلات الدعم المالي المقدم لها إلى مستويات قياسية، فضلاً عن صراعها مع الأجهزة الأمنية وأمراء الحرب البارزين، وبعض الفرق العسكرية النافذة التابعة للنظام، وذلك خلال رحلة بحثها عن بدائل تمويل ذاتي في عدد من القطاعات، كالعقارات والتهريب والاحتكار وصناعة المخدرات والإتجار بها.

أربع ميليشيات بارزة في حلب

نتحدث عن أربع ميليشيات محلية في حلب وهي: "لواء الإمام الباقر" و"لواء زين العابدين (ميليشيا من آل بري)" و"لواء القدس" الفلسطيني و"فيلق المدافعين عن حلب"، والأخير يضم تشكيلات "الدفاع المحلي" ويعتبر في الوقت ذاته مظلة إدارية وعسكرية غير مباشرة للميليشيات النشطة في بلدتي نبل والزهراء (الشيعيتين) شمالي حلب، كما أنّه مسؤول عن المجموعات المسلحة التي غادرت بلدتي كفريا والفوعة (الشيعيتين) شمالي إدلب، في العام 2018، وذلك ضمن اتفاق المدن الأربع، واستقر السواد الأعظم من عناصرها في أحياء حلب الشرقية مع عائلاتهم.

وبدت العلاقة المستجدة (التنسيق والتوافق المصلحي) بين الميليشيات واضحة، خلال الأسابيع القليلة الماضية، والتي تجلّت في العديد من الأنشطة الاحتفالية واللقاءات، أهمها تنظيم احتفالية "انتصار حلب" في الذكرى السادسة لـ سيطرة النظام على المدينة، والتي أقيمت في مقر "لواء الباقر" بحي البللورة، أواخر شهر كانون الأول 2022، وحضرها زعماء الميليشيات إلى جانب القنصل الإيراني في حلب.

وخلال الحفل الذي حضره أيضاَ وجهاء عشائر عربية موالية للنظام، ألقى نائب قائد "لواء القدس" عدنان السيد كلمة تحدّث خلالها عن دور الميليشيات في المعارك ضد فصائل المعارضة، وتقليص نفوذ الأخيرة وحصر سيطرتها في رقعة جغرافية محدودة في شمال غربي سوريا، وهي مناطق شبه محاصرة.

احتفالية "لواء الباقر" بذكرى ما يُسمّى "انتصار حلب" هي الاحتفالية الوحيدة على المستوى العسكري، في حين تولى المسيحيون في حلب تنظيم وتمويل الاحتفالية المركزية ضمن ساحة الحطب المدمّرة على أطراف المدينة القديمة، وذلك بإشراف مباشر من عضو مجلس محافظة حلب، جورج بخاش.

أمّا الاحتفاء الرسمي للنظام السوري، فقد اقتصر على زيارة قصيرة لـ رئيس "حكومة النظام" حسين عرنوس، والتي جرى خلالها تدشين مشاريع إرواء بلدة خناصر والقرى المحيطة جنوبي حلب، ومشروع إرواء قرى جب غبشة والسين في الريف الشرقي، إضافةً إلى افتتاح مركز صلاح الدين الصحي في المدينة.

اقرأ أيضاً.. في ذكرى التهجير الخامسة.. حلب عاصمة للدمار والتضليل

والمشاريع المذكورة، هي مشاريع متأخّرة سبق أن وعدت "حكومة النظام" بتنفيذها، عام 2018، وبطبيعة الحال لن يكون لها أثر فعلي على الأهالي، وخصوصاً العاملين في القطاع الزراعي الذي بات في معظمه بقبضة الميليشيات التي تسيطر على وسائل الإنتاج إلى جانب مساحات واسعة من الأراضي في المناطق التي شهدت موجات تهجير متتابعة من ريفي حلب الجنوبي والشرقي.

وخلال الأسبوع الأول من شهر كانون الثاني 2023، أقام "لواء الباقر" مجلس عزاء مركزي في الذكرى الثالثة لـ مقتل قائد "فيلق القدس" في "الحرس الثوري الإيراني" قاسم سليماني، وذلك في "حسينية الشهداء" الملاصقة لمقر اللواء بحي البللورة، وحضر المجلس قادة الميليشيات ومعمّمون من باقي "الحسينيات" المنتشرة في حلب وريفها، والقنصل الإيراني في حلب وعاملو القنصلية.

عزاء قاسم سليماني
إحياء ذكرى مقتل قاسم سليماني في مقر "لواء الباقر" بمدينة حلب

ويبدو أن الدعم الإيراني للميليشيات في حلب عموماً، و"لواء الباقر" خصوصاً انخفض كثيراً خلال العام المنصرم 2022، وهو ما دفع اللواء إلى البحث عن بدائل لتمويل مجموعاته التي زاد نشاطها في صناعة المخدرات وبعض أنواع الأدوية المزوّرة داخل أحياء حلب الشرقية والريف الجنوبي، وأصبح لدى "الباقر" ممرات تهريب خاصة مع مناطق سيطرة "قسد" وفصائل المعارضة، وتعرّضت مجموعات اللواء مع بداية العام الحالي لملاحقات أمنية واصطدمت مع دوريات لـ"الفرقة الرابعة" التابعة للنظام.

إدارة الجمارك العامة دهمت محطة وقود تعود ملكيتها لـ"لواء الباقر" على الأطراف الجنوبية للمدينة، وتم الكشف عن كميات ضخمة من المحروقات المخزّنة التي يتم بيعها في السوق السوداء بعدما يتم تهريبها من مناطق سيطرة "قسد"، وحصلت أيضاَ مواجهات بين الطرفين في مناطق شرقي حلب ضمن المنطقة القريبة من ممرات التهريب التي تصل مناطق النظام بمناطق سيطرة فصائل المعارضة قبالة بلدتي سكرية كبيرة وسكرية صغيرة جنوب شرقي مدينة الباب.

والصدامات بين أجهزة النظام الأمنية و"الفرقة الرابعة" من جهة و"لواء الباقر" من جهة ثانية، تزامنت مع تصاعد الحديث في الأوساط المحلية الموالية عن تجاوزات الميليشيات وتحميلها الجزء الأكبر من مسؤولية ندرة المحروقات وارتفاع أسعار بعض السلع التي باتت تحتكرها.

وهو ما دفع "الباقر" وعموم الميليشيات إلى محاولة التقرّب من الأوساط الشعبية والتودّد لها، فـ"الباقر" مثلاً خصّصت عدداً من مركباتها الخاصة والعسكرية لنقل الركاب من الأحياء الشرقية إلى وسط وغربي مدينة حلب، في أثناء أزمة المواصلات، كما وزّع كميات محدودة من المواد الإغاثية داخل الأحياء الخاضعة لسيطرته.

ونشر "لواء الباقر" بياناً بين الأوساط العشائرية المقربة منها، جاء فيه "لا نقبل باتهامنا بعمليات التهريب في حلب وخارجها، مهربو البضائع داخل حلب وخارجها معروفون، نحن أبرياء من هذه الاتهامات ونرجو إنصافنا من الإخوة المسؤولين وأصحاب القرار".

وأضاف البيان الذي جرى تداوله على مواقع التواصل المحلية، أن "لواء الباقر قدّم 500 قتيل من عناصره، وما يزيد على 1000 جريح خلال المعارك ضد فصائل المعارضة.. كنا القوات الوفية وما زلنا على استعداد لتقديم أغلى ما نملك فداء لسوريا وقيادتها".

"لواء الباقر: مستعدون للمشاركة في عمل عسكري ضد "قسد"

قال قائد ميليشيا "لواء الباقر" خالد المرعي، خلال جلسة عشائرية في مقر اللواء ضمت وجهاء وقادة من الصف الأول، مؤخراً، إنهم على استعداد كامل للمشاركة في عملية عسكرية مرتقبة ضد "قسد" شرقي الفرات.

وحاول "المرعي" في تسجيل آخر مواكبة مساعي التقارب بين النظام السوري وتركيا، عندما أرسل رسائل تطمين لأبناء قبيلة "البكارة" (البقارة) في عموم مناطق سوريا، حتى أولئك المتحالفون مع "قسد" والفصائل المعارضة.

وتداولت صفحات "الباقر" على مواقع التواصل، تسجيلات مصورة تظهر الصدامات التي جرت بين عشائر من "البكارة" والشرطة العسكرية التابعة للجيش الوطني السوري في ريف منطقة عفرين شمال غربي حلب، وقال المرعي: "نحن بكارة سوريا لا تفرقنا لا حدود ولا أعلام، ونحن متضامنون مع البكارة في شرقي الفرات وفي الشمال السوري، وأي حدا يمس كرامة ولاد عمنا ندافع عنه بصدورنا".

وعلى الطرف الآخر، تزايدت اللقاءات بين قادة الميليشيات في حلب، خلال الأسابيع الماضية، وفي بداية العام 2023، أجرى نائب قائد "لواء القدس" عدنان السيد، زيارةً للقنصل الإيراني في مقره على أطراف حي الزبدية، ونظم اللواء مجلس عزاء لـ"سليماني" في حي مشهد النقطة بمدينة حلب، حضره معظم قادة الميليشيات.

ونجح قائد "لواء القدس" محمد السعيد، في إجراء مصالحة بين عائلات "آل بري"، وتحديداً بين عائلتي "نصر بري، وهاني بري"، وذلك بحضور زعيم "ميليشيا زين العابدين" جاسم بري، وقادة آخرين من الميليشيات، وخصّص "لواء القدس" عدداً من مركباته العسكرية والخاصة لنقل الركاب في حي النيرب باتجاه أحياء مدينة حلب، ونقل الركاب أيضاَ بين الأحياء.

مضافة آل بري
قائد "لواء القدس" مع قائدة "لواء زين العابدين" في مضافة شعبان بري بمدينة حلب

ميليشيا "لواء القدس" المدعومة من روسيا، ليست بحال أفضل من باقي الميليشيات التي تدعمها إيران في حلب، فقد خفّضت القوات الروسية دعمه بشكل كبير وهو ما دفعه لإيقاف عمليات التجنيد بشكل مؤقت، وتخفيض الرواتب، ومحاولة الاستفادة من تجارة المخدرات، وعمليات التهريب (التهريب النهري عبر الفرات مع "قسد") عبر مجموعاته المنتشرة بكثافة في مناطق دير الزور وجنوبي الرقة.

اقرأ أيضاً.. "لواء القدس".. ميليشيا روسية خارج حدود حلب

ويبدو أن القنصل الإيراني في حلب بات مقره "مَحجّاً" لقادة الميليشيات بما فيهم زعيم "لواء القدس"، فالجميع بحاجة القنصل للحصول على الحماية وضمان البقاء، ولأجل تخفيف التوتر مع الأجهزة الأمنية و"الفرقة الرابعة"، للضغط عليها كي تسمح للميليشيات بأن تتقاسم معها أنشطة التهريب وتجارة وتصنيع المخدرات.