icon
التغطية الحية

معقل التهريب.. ميليشيات نظام الأسد وفروعه الأمنية تخنق ريف حلب الشرقي

2022.04.02 | 06:19 دمشق

msknt_6.jpg
مسكنة
تلفزيون سوريا ـ خالد الخطيب
+A
حجم الخط
-A

تحولت منطقة ريف حلب الشرقي إلى واحدة من أهم المناطق الاستراتيجية بالنسبة لقوات النظام والميليشيات الموالية لها، والفروع الأمنية بمختلف مسمياتها وتبعياتها، وذلك في الفترة ما بعد العام 2017، أي بعد انسحاب تنظيم "الدولة" من المنطقة، وما تبعه من تحركات ميدانية في المنطقة للقوى الثلاث، المعارضة السورية ونظام الأسد وقوات سوريا الديموقراطية "قسد".

رسمت تلك التحركات خريطة السيطرة الحالية، وترجع أهمية المنطقة لكونها مصباً لمعظم ممرات التهريب التي تصل النظام بمناطق المعارضة و"قسد"، وتصاعدت أهميتها خلال العامين الماضيين بعد أن زاد اعتماد النظام على المهربات لتأمين مختلف احتياجاته من المواد والسلع الغذائية والتحويلية، ولذلك كان من الطبيعي أن تصبح المنطقة محط اهتمام معظم القوى العسكرية والأمنية التابعة له، والتي طالما وضعت في قائمة اهتماماتها البحث عن مصادر الثروة والهيمنة فيها.

مقار وحواجز للنظام والميليشيات

تنتشر في منطقة ريف حلب الشرقي عشرات المقار والحواجز العسكرية التي تتبع للفرقة الرابعة والميليشيات العشائرية وأبرزها مليشيا "لواء الباقر" المدعومة من إيران، والتي استفادت من عامل القربى العشائرية لتوسع نفوذها في المنطقة ويكون لها حصة الأسد من عمليات التهريب وذلك من خلال عشيرتي البو عاصي والكليزات التابعتين لقبيلة البكارة، وينتشر أبناء العشيرتين في عدة قرى وبلدات في ريف ناحية الخفسة التابعة لمنطقة منبج، وقرى أخرى في منطقتي دير حافر ومسكنة، والمناطق الرئيسية الثلاث تشكل التجمعات السكانية الأكبر في المنطقة.

أمدت العشيرتان ميليشيا الباقر بمئات المجندين، وكان لعامل النفوذ وهيمنة الباقر دور في تمدد العشيرتين والاستفادة بشكل أكبر من مشاريع الزراعات المروية، و"الخفسة" اليوم تعتبر عقدة طرق المواصلات التي تصل إلى ممرات التهريب وفيها يقل نفوذ المديريات الخدمية الرسمية لحساب توسع نفوذ القوى الأمنية والعسكرية التابعة للنظام لذا كانت هي ومجموعة كبيرة من البلدات على يمين نهر الفرات تصنف إلى حد ما كمنطقة عسكرية. وأهم القرى في المنطقة قبات الصغير وقبات الكبير وذخيرة وخربة شهاب وشعيب ورسم الأحمر والهرمل وأم ميال وأبو كهب وأبو طويل وجب السلطان وزعرورة وغيرها.

وتنتشر في المنطقة مقار وحواجز تابعة للفيلق الخامس والفرقة 25 مهام خاصة "قوات النمر" المدعومة من روسيا، ومن غير المستغرب أن تجد حاجزاً لأحد الفروع الأمنية بين حاجزين عسكريين على واحد من الطرق الواصلة إلى ممرات التهريب، وعادة ما تكون حواجز فروع الأمن العسكري والسياسي والمخابرات حواجز غير ثابتة "طيارة".

ابتزاز وإتاوات على الحواجز

قالت محلية متطابقة لموقع تلفزيون سوريا إن "الانتشار الأمني والعسكري الكثيف في المنطقة خلق حالة من التوتر والاستياء في الأوساط الشعبية التي يغلب فيها الطابع العشائري، فالمنطقة ذات كثافة سكانية عالية مقارنة بباقي مناطق ريف حلب لكونها تضم أراضي زراعية خصبة وتجاور نهر الفرات الذي يشق طريقه فيها بمجموعة كبيرة من قنوات الري، ووجود الميليشيات والقوى الأمنية جعل حياة الناس في المنطقة أشبه بالجحيم، ووقع معظمهم ضحية الابتزاز على الحواجز، ويضطر الناس لدفع الإتاوات ليتمكنوا من التنقل، وليتفادوا الاعتقال".

وتضيف المصادر "واقع الانتشار الخانق دفع أبناء المنطقة، وبالأخص العشائر إلى التعاطي بإيجابية مع حملات التجنيد التي نفذتها الميليشيات المدعومة من إيران وقوات النمر، والهدف الحصول على الحماية في ظل الفوضى الأمنية، وبهدف الاستفادة من عمليات التهريب والتكسب من تجارة وتصنيع المخدرات، فالمنطقة باتت معقلاً لكبار تجار المخدرات".

وكان لحملة الاعتقالات التي نفذتها الفرقة الرابعة مؤخراً في ناحية الخفسة دور في تصاعد حالة التوتر، فالحملة طالت أشخاصاً تتهمهم الفرقة بإثارة الفوضى وإدارة صفحات في مواقع التواصل تسلط الضوء على حالة الفساد والانتهاكات، وكانت الحملة أكثر شدة بعد أن تداولت صفحات محلية في وسائل التواصل تسجيلاً مصوراً يظهر فيه عناصر من الفرقة وهم يأخذون من السيارات مبالغ مالية مقابل السماح لهم بالمرور.

وظهر في أهم تسجيل تم تداوله مطالبة عناصر الفرقة لسائق مركبة نقل متوسطة بدفع مبالغ تتراوح بين 1000و 500 ليرة ورفض العناصر أخذ مبالغ أقل، وتكرر دفع السائق لأكثر من عنصر على حاجز مشترك بين الفرقة والمخابرات الجوية.

وزعمت حسابات تديرها قوى عشائرية محلية في المنطقة وهي مقربة من الفرقة الرابعة أن التسجيل المصور مفبرك، والسائق ومرافقه اللذان صورا التسجيل يعملان في تهريب المخدرات والدخان وهما حاقدان على حواجز الفرقة لأنها ضبطت كميات كبيرة من المهربات التي كانا ينقلانها من مناطق المعارضة و"قسد" باتجاه مدينة حلب.

وقال مصدر محلي في دير حافر شرقي حلب لموقع تلفزيون سوريا إن "أهم تسجيل مصور يظهر انتهاكات عناصر قوات النظام تم تصويره في حاجز المنارة المشترك على مدخل حلب الشرقي، وفي حاجز الفرقة الرابعة غربي دير حافر، وحاجز آخر في ريف الخفسة، وبسبب التسجيل الذي ظهرت فيه هويات العناصر الذين يأخذون الإتاوات نفذت الفرقة الرابعة حملة اعتقالات انتقامية في المنطقة، وتم اعتقال عدد كبير ممن يعتقدون أنهم مسؤولون عن التصوير وإدارة الصفحات التي تتابع الانتهاكات في المنطقة، وقاموا بالاعتداء عليهم بالضرب والشتائم ونقلوا إلى مدينة حلب".

يضيف المصدر " بعد تداول التسجيل المصور نقل مكتب أمن الفرقة الرابعة عناصر الحواجز والضباط المسؤولين فيها إلى مناطق أخرى بينها معبر التايهة، وشددت الحواجز من إجراءاتها الأمنية واتبعت أساليب استفزازية ضد أبناء المنطقة على الطرق الواصلة بينها وبين مدينة حلب". يتم تداول أسماء لعدد كبير من الضباط والشخصيات النافذة في قوات النظام والمليشيات والفروع الأمنية المنتشرة في المنطقة، بينهم أبو أسعد من الأمن العسكري، ونوري العمر، والمساعد حسام من الفرقة الرابعة، والرائد عبدو سلاتي وغيرهم.

حواجز تهرب البشر والمخدرات

تعتبر المنطقة المقابلة لقرية تل أسود التي تسيطر عليها "قسد" في ريف منبج منطقة تهريب رئيسية، وتتنوع البضائع التي يتم نقلها بين الجانبين، أهمها المواشي والدخان وقطع غيار السيارات والمخدرات والمواد الغذائية، بالإضافة لعمليات تهريب البشر، أما منطقة السكرية التي تسيطر عليها الفصائل قرب مدينة الباب والتي تقابل قريتي زعرورة وجب السلطان الواقعتين تحت سيطرة قوات النظام في الريف الشرقي فتعتبر منطقة التهريب الأهم في الشريط الممتد بين المعارضة والنظام بريف حلب.

وتأتي عمليات تهريب البشر في قائمة الأنشطة وتليها المخدرات ومن ثم المواد الغذائية والمواشي والسيارات وغيرها، وتفرض الحواجز على كل رأس ماشية مبلغ 10 آلاف ليرة سورية، أما عمليات تهريب البشر والمخدرات فغالباً ما تقوم بها مجموعات خاصة تتبع للفرقة الرابعة والتي خصصت أماكن إقامة ومبيت للناس، ومستودعات للتفريغ وتبديل الشاحنات، وتشمل أيضاَ ورشات تغليف لبعض السلع المهربة.

الباحث في الشأن السوري محمد السكري يرى أن منطقة شرق حلب توفر للقوى المسيطرة مداخيل مالية كبيرة تغطي من خلالها مصاريفها وعمليات التجنيد، لذا من الطبيعي أن تشهد حالة من التنافس بين منظومتي الفساد والجريمة، عسكر النظام وفروعه الأمنية. يضيف السكري خلال حديثه لموقع تلفزيون سوريا إن "غياب مؤسسات النظام الإدارية يعبّر عن عجز النظام وعدم قدرته على فرض سياسات مستقرة لإعادة الثقة مع الحاضنة المؤيدة له، لذلك عمل النظام على بعض المشاريع التحتية، والترويج لمشاريع حيوية يزعم أنها ستنعش المنطقة".

يتابع "النظام لا يملك هيمنة كاملة على المنطقة لمنح أي هوامش لتلك القوى على العكس تلك الميليشيات هي من تمنح النظام هوامش فقط لفرض حالة تنظيمية مرتبطة بسيادة الدولة الظاهرية لغايات براغماتية تتعلق ببقاء سيطرة الأخيرة، على حساب القوى الأخرى منها الإيرانية والروسية أو القوات التابعة لها".

يروج النظام لعودة الخدمات في منطقة ريف حلب الشرقي، وقد أرسل أواخر آذار وزير الموارد المائية تمام رعد ليطلع على واقع الري في مشروع مسكنة وتحدثت مواقع إعلامية موالية عن دخول 17000 هكتار إلى نظام الاستثمار للموسم الحالي وزار رعد محطات معالجة المياه في الخفسة. وهذه التحركات الخدمية المزعومة اعتبرها أبناء المنطقة محاولة للتغطية على واقع معاناتهم في ظل هيمنة الميليشيات وسياسة التجنيد وانتشار المخدرات، وتعاطيها والاتجار بها.