icon
التغطية الحية

في ذكرى التهجير الخامسة.. حلب عاصمة للدمار والتضليل

2021.12.27 | 05:14 دمشق

hlb_-_klast.jpg
حي الكلاسة في حلب ـ رويترز
إسطنبول ـ خالد الخطيب
+A
حجم الخط
-A

حرص نظام الأسد بعد العام 2016، وفي شهر كانون الأول من كل عام على الاحتفاء بذكرى سيطرته على أحياء حلب الشرقية، وجرت العادة أن يرسل رئيس حكومته على رأس وفد وزاري عريض للمشاركة في مناسبة سيطرته على المدينة، والذي شكل وفق أدبيات "حزب البعث" بداية ما يسمى "المحطة المفصلية" في مواجهة المشروع المعادي وإفشال "المؤامرة الكونية".

عرنوس في حلب

زار رئيس حكومة النظام حسين عرنوس حلب في 19 كانون الأول، ورافق عرنوس في زيارته وزراء الإدارة المحلية والبيئة والموارد المائية والصناعة والأشغال العامة والإسكان، وبدأ عرنوس وفريقه الحكومي زيارتهم بافتتاح سوق دير حافر الشعبي، وتابع الفريق جولته إلى مسكنة التي دشن فيها محطات ضخ مياه أعيد تأهيلها على ضفاف نهر الفرات، وحضر عرنوس وفريقه احتفالية إعادة افتتاح معمل الأعلاف في تل بلاط في ريف حلب الشرقي.

 وامتدت جولة الفريق إلى مدخل حلب الغربي الذي أعيد تأهيله، وشملت أيضاً مناطق في ريف حلب الجنوبي التي وصلتها كميات إضافية من مياه الري القادمة من نهر الفرات، وفي المدينة دشن فريق عرنوس محطة تحويل كهربائي على أطراف حي مساكن هنانو وتفقد أيضاً مشروع سوق الهال القديم، وعقد عرنوس في مجلس المحافظة جلسة وزارية أطلق خلالها الكثير من الوعود من أجل حلب والتي ركزت على الطاقة وإمداد المناطق الصناعية وإعادة إنعاشها.

المشاريع التي زعمت حكومة النظام أنها مشاريع محدثة وجرى تدشينها وافتتاحها خلال زيارة عرنوس وفريقه الحكومي بدأ العمل بها قبل سنوات، وبعضها موجودة أصلاً، كمعمل الأعلاف ومحطات الضخ على نهر الفرات، وهي مشاريع ترميم جزئي جرت خلال السنوات التي تلت سيطرة النظام على الأحياء الشرقية وريف حلب الشرقي خلال العامين 2016 و2017.

مصادر محلية متطابقة في حلب قالت لموقع "تلفزيون سوريا" إن "الأهالي سخروا من زيارة عرنوس وجولات الوزراء المُخطط لها سلفاً، إذ تم استنفار القطاعات الخدمية في مجلس المدينة ومجالس البلدات التي زارها، مسكنة ودير حافر، فنظفت الشوارع، وعلقت صور بشار الأسد والأعلام في الساحات والطرق التي يفترض أن يسلكها الوزراء والفريق الإعلامي المرافق لهم، والتيار الكهربائي لم ينقطع في بعض المناطق لـ24 ساعة متواصلة، في سابقة هي الأولى منذ سنوات".

وقال الباحث في الشأن السوري محمد السكري لموقع تلفزيون سوريا إن "النظام ما يزال يعتمد على الخطاب التضليلي في إطار دعايته المستمرة بالقدرة على النهوض بالواقع الاقتصادي والاجتماعي في سوريا، ولكن يبدو أن الأمور أعقد من ذلك بكثير".

وأضاف السكري أن "النظام عمليا مفتت من حيث البنية المؤسساتية وهي خارجة عن العمل من حيث الاستجابة والتفاعل مع متطلبات الشعب السوري اليومية، مدينة حلب تعتبر إستراتيجية للنظام ولكنه غير قادر على المحافظة عليها كحال المناطق الأخرى في سوريا لذلك يلجأ لتقديم وعود مستمرة خوفا من أي انهيار في حاضنته المؤيدة ولا سيما مع استمرار تهديد المعارضة التي تبعد كيلومترات عن المدينة، وبالتالي يحاول النظام انتهاج الأساليب التضليلية للحفاظ على سلطته وسيطرته وتحسبا لأي انفجار قد يحدث على صعيد الاحتجاجات".

وعود "كاذبة"

مع كل زيارة لحلب كانت حكومة النظام تطلق حزمة كبيرة من الوعود حول توفير الخدمات الأساسية في الأحياء الشرقية (الكهرباء والمياه والاتصالات والصرف الصحي) وإعادة إنعاش القطاعات الاقتصادية المتضررة، وتطوير وسط المدينة التجاري عمرانياً وتجارياً وسياحياً ومكافحة الجريمة.

وجرت العادة أيضا أن يجري الوزراء المرافقون لرئيس الحكومة جولات ميدانية في المدينة وريف حلب، والتي تكون عادة مادة دسمة للسخرية بين الأهالي الذين اعتادوا هذا النوع من الخداع، وأصبح لدى معظمهم قناعة بأن النظام غير قادر على فعل شيء في ظل سيطرة الميليشيات الإيرانية والقوات الروسية والفروع الأمنية التي قطعت أوصال المدينة وريفها.

وقال الباحث الاقتصادي يونس الكريم لموقع "تلفزيون سوريا" إن "النظام حرص منذ العام 2011 على وضع حلب في دائرة اهتمامه وعلى مختلف الأصعدة الأمنية والعسكرية وفي الحملات الدعائية التي تروج لصموده واستمرار نفوذه، وما إن سيطر النظام على الأحياء الشرقية أواخر العام 2016 حتى بدأ بمرحلة جديدة يستثمر فيها منجزه العسكري بالتشارك مع القوى والميليشيات الإيرانية والروسية، وبدأ يروج لتعافي المدينة المدمرة عبر حملة دعائية منظمة ووعود حكومية فارغة لم يطبق منها إلا الجزء القليل ودليل ذلك أن حلب المنكوبة ما تزال تغط في بؤس وظلام شديدين بعد 5 سنوات من خروج المعارضة".

من جهته، يرى الباحث الاقتصادي يحيى السيد عمر أن حلب تعد العاصمة الاقتصادية لسوريا، وفيها يتركز الثقل الصناعي والتجاري ورؤوس الأموال، هذا قبل عام 2011، أما حالياً فحلب خارج الحسابات الاقتصادية، فمختلف القطاعات الاقتصادية مدمرة وخارج الخدمة، وكل ما يدعيه النظام غير صحيح، مزاعم الإنعاش التي يروج لها غير واقعية.

يضيف السيد عمر خلال حديثه لموقع تلفزيون سوريا: "مما لا شك فيه أن النظام أحوج ما يكون لإعادة الحياة الاقتصادية للمدينة، فالحصار الغربي أنهك مؤسساته، ولكن النظام غير قادر حالياً على النهوض بحلب، فمن جهة أولى لا يمتلك الموارد ولا الخبرات اللازمة، ومن جهة أخرى لا يستطيع دعم اقتصاد حلب من دون موافقة كبار أمراء الحرب، فهم أصحاب القرار الفعلي وعلى ما يبدو فإن مصلحتهم في استمرار تعطل الاقتصاد".

وأضاف "في ظل عجز النظام عن تحريك الاقتصاد وفي ظل معدلات الفقر المرتفعة تزداد النقمة الاجتماعية على النظام، ولذلك فإن وعود الإعمار تشكل تخفيفا للحنق الاجتماعي ليس إلا، وليس لها أي إسقاطات اقتصادية حقيقية".

حراك حكومي مضلل في حلب

بعد أسابيع قليلة من سيطرة النظام على الأحياء الشرقية نهاية العام 2016، كانت الزيارة الأولى لرئيس حكومة النظام السابق عماد خميس إلى حلب في كانون الثاني 2017، والتي رافقه خلالها 15 وزيرا، ووعد حينها بفتح الطرقات والمستوصفات والمدارس وعودة حركة الإنتاج، وتسهيل عودة المصانع للعمل وإعادة تأهيل المناطق الصناعية.

وفي منتصف شهر أيلول من العام ذاته 2017، أعلن خميس، عن التحضير لمشروع صناعي كبير في حلب، وقال خميس في مجلس الشعب إن فريقا حكوميا سيزور مدينة حلب قريبا للتحضير للمشروع الصناعي الذي سينهض بالمدينة، ولم يقدم خميس أي إيضاحات حول نوع المشروع وطبيعته وكيفية تمويله.

وبالفعل كان خميس ووزراؤه وهذه المرة عددهم 16 وزيراً في حلب في كانون الثاني من العام 2018، وصرح خميس أن حصة حلب في موازنة العام 2018 تبلغ 40 مليار ليرة سورية وكان المبلغ في ذلك الوقت يعادل 80 مليون دولار، والتي كان من المفترض أن يتم صرفها على إصلاح مشاريع البنى التحتية والخدمية المدمرة في المدينة ومشاريع إعادة الإعمار.

واحتفت وسائل إعلام النظام في ذلك الوقت بالمبلغ على أنه كبير وروجت له باعتباره إنجازاً حقيقياً لمدينة حلب التي تحتاج أصلاً لأكثر من 5 مليارات دولار كمرحلة أولى، لإعادة الكهرباء والمياه وشبكة الاتصالات وغيرها من المرافق والعمران الذي دمرته قوات النظام والميليشيات على مدى خمس سنوات تقريباً.  

وعندما كان خميس يتحدث عن عودة الإنتاج وتنشيط قطاعاته المختلفة وتوفير الخدمات كان الأهالي يعانون من الفلتان الأمني في المدينة والأرياف، وتوحش عصابات السرقة والسطو التي تنتشر في كل مكان وتمارس أفعالها أمام أعين الفروع الأمنية المشتركة أصلاً في حالة الفوضى والفلتان الأمني.

شكلت زيارة خميس وأعضاء حكومته لحلب أوائل العام 2018 بداية مرحلة جديدة أتاحت لأمراء الحرب أمثال حسام القاطرجي وآخرين فرصة الاستثمار في قطاع العقارات وشراء منازل ومزارع المهجرين في حلب، إذ أوعز خميس للبدء بتوسعة المخطط التنظيمي للمدينة وأن تباشر المحافظة عمليات الهدم والإزالة للتجمعات السكنية المصنفة عشوائية.

وتضمن المخطط الجديد في الأعوام التالية تعديل ضابطة البناء لعدد من المواقع الحيوية في قلب المدينة، وأهمها المدينة القديمة وهو ما يتيح فرصة الاستثمار السياحي وتغيير مواصفات الأبنية الأثرية، وبدأ فعلياً هدم أجزاء واسعة من حي الحيدرية في القسم الشمالي الشرقي وبوشرت عمليات البناء الأولى في منطقة التطوير العقاري، وحينها روج فريق خميس لمقولة رددها الحلبيون بسخرية، وهي أن حلب ستتحول لدبي ثانية بحلول العام 2020، لا بل ستتفوق عليها بالعمران والنهضة.

مصادر متطابقة في حلب قالت لموقع تلفزيون سوريا: "رحل خميس ولم تطبق حكومة النظام إلا الجزء اليسير من الوعود التي أطلقها على مدار 4 سنوات، وهو الجزء المتعلق بالجانب الدعائي وليس ذا أثر فعلي يمكن أن يلمسه المواطن، كما تركزت الإصلاحات المزعومة في مناطق هيمنة الميليشيات وأمراء الحرب النافذين خدمة لمصالحهم، فالأحياء الشرقية ما تزال غالبيتها من دون شبكة كهربائية، وما تزال شبكات الصرف الصحي ومياه الشرب متضررة بفعل القصف الجوي والبري لقوات النظام، وزادت حياة الحلبيين بؤساً في ظل تغول الميليشيات الإيرانية وتحكمها بأدق تفاصيل الحياة اليومية والخدمية للمواطن".

ويرى الباحث في الشأن السوري رضوان الدبس أن النظام يعمل وفق عدة محاور إعلامية ودعائية ونفسية موجهة للحاضنة الشعبية، ومنها الزيارات الميدانية لبعض الدوائر أو المؤسسات الحكومية والترويج لافتتاح مشاريع لأكثر من مرة وتنظيم زيارات دورية تفقدية ووعود بتنفيذ مشاريع أو توسيع طرق ومنشآت قائمة.

يضيف الدبس خلال حديثه لموقع تلفزيون سوريا: "من متابعة الحراك الحكومي المضلل نرى أن 90 في المئة مما يروج له غير حقيقي، ولم ينفذ أصلا أو نفذ بغير ما وعد به أو نفذ جزءا بدائيا ثم توقف المشروع من دون إبداء أسباب واضحة وهناك عشرات الأمثلة على ذلك، ومن هنا نرجع هذه الزيارات أو الوعود الى الأصل الذي تسير به الحكومة ومنذ نشأتها إلى الكذب والتطبيل الإعلامي لا غير وإيهام الشعب والمواطن المسكين بأن هناك عملا والحكومة تقوم بواجبها ثم ينتهي كل ذلك بمجرد إعلان الأخبار ومغادرة الفريق الحكومي".