icon
التغطية الحية

ارتفاع تكاليف المعيشة.. سوريون يضطرون لتقنين الطعام ضبطاً للنفقات

2023.03.08 | 13:42 دمشق

السوريون يضطرون لتقنين الطعام ضبطاً للنفقات
تكاليف المعيشة تُرهق السوريين
دمشق ـ فتحي أبو سهيل
+A
حجم الخط
-A

تستمر تكاليف المعيشة بالارتفاع في دمشق من دون توقّف، وباتت العائلة تحتاج إلى ثلاثة ملايين ليرة سورية من أجل تأمين وجبات الطعام الرئيسية شهرياً، بحسب استطلاع أجراه موقع تلفزيون سوريا مع عدد من العائلات، وفي الوقت ذاته يشير الاستطلاع إلى أنّ بعض العائلات تعيش بنصف مليون ليرة أو أقل.

وأكّدت معظم العائلات التي التقاها الموقع، أن تأمين المستلزمات الرئيسة من طعام وشراء ومنظفات ومواصلات تبلغ وسطياً 100 ألف ليرة سورية يومياً على أقل تقدير، وفي حال طهت العائلة ليومين أو ثلاثة، وهو مبدأ باتت العائلات تتبعه للتوفير، ما يعني 3 ملايين ليرة شهرياً (أكثر من 400 دولار).

التكاليف المذكورة أعلاه لا تتضمن أي نفقات إضافية من أعطال في المنزل أو أجرة منزل أو زيارة طبيب أو شراء دواء أو حتى مصروف يومي للأطفال أو ملابس، أو حتى الإنفاق على بنزين وصيانة سيارة أو مازوت التدفئة، وإن جمعت باقي النفقات فقد تصل الكلفة الشهرية للمعيشة مع الاقتصاد فيها إلى 5 ملايين ليرة وهو ما يساوي نحو 685 دولاراً.

تعتمد تلك العائلات التي تنفق ما بين 3  و 5 ملايين شهرياً على حوالات شهرية تأتيهم من الخارج بمعدل بين 100 و 300 دولار، يُضاف إليها ما يجنيه العاملون ضمن العائلة الواحدة حتى يستطيعوا تأمين جميع المتطلبات.

يقول فراس السعيد (اسم مستعار) وهو رب عائلة من خمسة أشخاص (أحدهم في ألمانيا)، إن "وجبة الغداء وحدها تكلفه 75 ألف ليرة على الأقل وغالباً ما يتم الطهي ليومين، أي نحو 37 ألف ليرة يومياً، يضاف إليها نحو 30 ألف ليرة للفطور والعشاء، ليصبح المبلغ اليومي 67 ألف ليرة، ومع إضافة المواصلات إلى المدارس والجامعات ونثريات ونوع فواكه واحد تصل الكلفة إلى نحو 125 ألف ليرة يومياً"، وفقاً لقوله.

ويضيف فراس - يعمل ميكانيكي سيارات - لـ موقع تلفزيون سوريا، أنّه تأتيه حوالة من ابنه في ألمانيا تتراوح بين 100 و 150 دولاراً فقط، ويشير إلى أن مدخوله الشهري مع الحوالة يتراوح بين 4 ملايين و4.5 ملايين ليرة سورية، يذهب منها نحو 800 ألف ليرة أجرة للمحل والمنزل، وبسبب عدم انتظام مدخوله فقد لا يستطيع دائماً تأمين وجبة غداء بالجودة ذاتها في كل مرة، ويضطر للتقنين بالنفقات مع أولاده أكثر.

ضبط النفقات بتقنين الطعام

"عندما يرغب السوري بضبط نفقاته يُخفّض جودة غذائه ويقلل كميته ويختصر بعض الأصناف مثل الخضراوات والفواكه واللحوم، بعد أن استحالت النفقات الأُخرى ولم تعد تندرج ضمن خطط العائلة الشهرية، مثل الملابس"، هكذا قال مرهف أبو سعيد (اسم مستعار) لـ موقع تلفزيون سوريا، مردفاً: "أعمل بصيانة الكهرباء في المنازل، وقد أعمل اليوم وغداً لا أعمل ولذا أضبط نفقاتي على الغذاء وفقاً لمدخولي".

اقرأ أيضاً: "سوق منفلت".. ارتفاع الأسعار في سوريا 30 بالمئة منذ وقوع الزلزال

وأضاف "أشتري الزيت أو الأرز أو السمن وحتى اللحم تبعاً لما أجنيه، فمثلاً حصلت اليوم على 75 ألف ليرة، تكون خطط اليوم التالي ضمن هذا المبلغ ولا يجب أن تتعداه، ولذا نتناول طعامنا على هذا النحو، كأن أشتري بـ20 ألف ليرة لحمة عجل مسوفة (نحو ربع كيلو) و2 كيلو بطاطا بنحو 5 آلاف ليرة وبـ5 آلاف زيت قلي (فرط) وبعض الخضراوات المرافقة بنحو 5 آلاف وأطهو مفركة بطاطا لتصبح الكلفة 35 ألف ليرة".

وتابع: "يكون الفطور بيضاً مقلياً أو مسلوقاً ولو فرضنا عشر بيضات سعرها 8500 ليرة، وبهذا تصل الكلفة إلى 43,500 ليرة، وعلى العشاء بـ5 آلاف لبنة و5 آلاف مسبحة و5 آلاف صنف آخر، وهكذا تصل الكلفة إلى نحو 58,500 ليرة، أي بقي معي نحو  16,500 ليرة، أخصم منها ثمن علبة دخان بنحو 5500 ليرة، بقي 11 ألف ليرة، يمكن أن تنفق على المواصلات أو أي شيء آخر".

مرهف مضطر للإنفاق وتحديد كمية الطعام تبعاً لمدخوله اليومي الذي رغم تدنيه فإنه يعتبر جيداً نوعاً ما قياساً بـ"رهيم" المتزوج حديثاً، والذي يعمل صباحاً براتب 125 ألف ليرة في إحدى الدوائر الحكومية، ومساءً في أحد محال البقالة براتب 350 ألف ليرة، أي أن راتبه الشهري بالكاد يصل إلى 500 ألف ليرة.

أسلوب قاس للبقاء على قيد الحياة

يتبع "رهيم" أسلوب مرهف ذاته لكن بطريقة أقسى، حيث يضطر إلى تناول شوربة العدس ليومين متتالين مع الخبز، وفي معظم الأحيان يقتصر يومه مع زوجته على وجبتين فقط بالصنف ذاته، ويقول: "قد تصنع زوجتي عجينة الفلافل في المنزل ونقلي في الصباح والظهر والمساء لتكون هذه وجبتنا طوال اليوم، أو نتناول الفول على الغداء والعشاء وفي الفطور نتناول خبزاً وشاياً".

"رهيم" لا يدخن ويذهب إلى عمله مشياً على الأقدام ولم يشترِ ملابس من ثلاثة أعوام تقريباً، وفق قوله، ويعتمد على الملابس التي تصل إليه من "أهل الخير"، ويوضح: "تمر علينا بعض الأيام نأكل فيها الخبز والشاي فقط لنؤمن أجرة الغرفة الصغيرة التي نعيش فيها في المزة جبل بـ150 ألفاً شهرياً، وأحياناً اضطر للعمل بتوصيل الطلبات وشطف أدراج الأبنية أيام الجمعة لتأمين ذلك".

يذكر أنّ برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة أشار في تقرير سابق نشره، شباط الفائت، إلى أنّ 70% من السوريين ربما لا يتمكنون في المدى المنظور من توفير الطعام لعائلاتهم، موضحاً: "بعد 12 عاماً من الصراع، والاقتصاد العاجز نتيجة للتضخم، والانهيار القياسي للعملة المحلية والارتفاع غير المسبوق لأسعار المواد الغذائية، هناك 12 مليون سوري لا يعرفون من أين ستأتيهم الوجبة التالية من الغذاء، و2.9 مليون آخرون معرضون لخطر الانزلاق إلى الجوع".

اقرأ أيضاً: منظمة حقوقية: 90% من الشعب السوري تحت خط الفقر

وسبق أن قال وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارتن غريفيث، عام 2021 (قبل انزلاق التضخم إلى مستويات أعلى في العام الحالي 2023)، إن أعداد السوريين الذين يعيشون تحت خط الفقر تتجاوز الـ90% من إجمالي عدد سكّان البلاد، مشيراً إلى أن كثيراً منهم يضطر إلى اتخاذ خيارات صعبة جداً لتغطية نفقاتهم.