إلى سجل العار ومزبلة التاريخ

2022.08.05 | 05:37 دمشق

اتحاد الكتاب
+A
حجم الخط
-A

يبدو الحديث عن رذائل الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب مملاً، ولا يثير أحداً ممن تابعوه وراقبوه، فهو في الواقع مجرد مؤسسة رسمية عربية بائسة، تأتمر عناصرها أي الاتحادات الوطنية المنتسبة إليها بسياسات حكوماتها، ولا تشذ عنها، رغم أن هذه المؤسسات مبنية على وجود كتاب وأدباء يفترض الواقع أنهم يمثلون الصوت العالي في وجه الرداءة التي تسببت بها الأنظمة.

نعم، لا يشعر المرء بالإثارة حتى على المستوى النفسي، أي أنه لا يستمتع حتى بشتم هؤلاء، ولا بالتنقيب في فضائحهم الأخلاقية، لكن الحقيقة التي لا يجب أن تدفعنا نوابضنا المزاجية الشخصية إلى تجاهلها، هي أننا يجب ألا نمرر لهؤلاء ولا لغيرهم أي من الأفعال التي يرتكبونها، كي لا يسجل في التاريخ أن الصوت المعارض، قد صمت وتجاهل، أو مررّ وعلى الأقل لم ينتبه!

من موقعي الشخصي كسوري لاجئ، لا يمكنني السكوت حيال رؤية زيارة ممثلي 12 اتحاداً عربياً لمدينتي دمشق، وقيامهم بالاجتماع فيها، ودعمهم للنظام الذي هددني لكوني صاحب رأي، واضطرني للجوء، وكذلك قيامهم بلقاء بشار الأسد، وتوجيههم برقية تحية له في نهاية الاجتماع الدوري لمجلسهم.

فهؤلاء لم يأتوا فقط لإلقاء الشعر في مديح الشام، الأمر الذي قاموا به فعلاً، بل أتوا ليساندوا وبشكل فج ومقزع نظام الإبادة السوري، وهذا التصرف ينقل المسألة من عتبة الأدب والثقافة إلى مستنقع عمالة الارتزاق الآسن، حيث تعيش الكائنات المتطفلة، التي تترصد أي نظام بائس متهاوٍ لتعيش على فضلاته، فتبالغ في إظهار علاقتها معه، تحت شعارات براقة مستعادة من متاحف القومجيين وغيرهم.

لقد فعلوا مثل هذا مع نظام صدام حسين البائد فنالوا كوبونات النفط الشهيرة، وكرروا الأمر ذاته مع القذافي فوهبهم عدة تمويلات، وانتهى بهم الأمر إلى تسول الجعالات من إيران، بحجة المقاومة والممانعة!

وفي السياق يصبح قدومهم بكامل غبائهم وانحطاطهم الفكر والأخلاقي إلى دمشق، مكرراً ومملاً، لكن كيف يمكن للسوريين الذين يعيشون مأساتهم الكبرى أن يمرروا القصة من بوابة الضجر؟

أتحدث هنا عن كتاب ومثقفين عرب، زاروا دمشق دون أن يعلنوا موقفاً سياسياً داعماً للنظام، لكن مرورهم في المكان كان يوحي بأن الأمور طيبة وأنهم يستطيعون أن يجلسوا في مقهى الروضة الدمشقي أو الهافانا في الصباح

في بدايات الثورة السورية قام بعض الثائرين بوضع قائمة سوداء، أو سجل العار، كتبوا فيه أسماء كل من قام بدعم النظام أثناء قيام قواه الأمنية بقتل المتظاهرين في الشوارع، لكن هذا التوثيق لمن تواطؤا مع القتلة صار منسياً، ليس بسبب عدم الجدوى، بل لسبب آخر هو هول المذابح والنزوح واللجوء، فأمام مثل هذه الأحداث من كان سيلتفت لبعض المرتزقة الذين كانوا يتباهون بقباحاتهم الأخلاقية؟

في الوقت الحالي، لم يتغير شيء في حياة السوريين كي يظن البعض أن صمت البنادق والمدافع –إن صمتت فعلاً- هو بطاقة بيضاء تسمح لهم أن يأتوا بلاداً خلت من نصف سكانها؟!

أتحدث هنا عن كتاب ومثقفين عرب، زاروا دمشق دون أن يعلنوا موقفاً سياسياً داعماً للنظام، لكن مرورهم في المكان كان يوحي بأن الأمور طيبة وأنهم يستطيعون أن يجلسوا في مقهى الروضة الدمشقي أو الهافانا في الصباح، وأن يسهروا في المساء أمام قاسيون المعتم بسبب انقطاع الكهرباء، وأن يتحدثوا عن الياسمين، دون أن يسألوا أنفسهم هل هذه الوجوه هي الوجوه؟ وهل يحمل المكان البهجة دون أهله، أم أن اللقاء ببعض من بقوا يكفيهم شر السؤال؟!

إذا كنا نحمل هذه الكلمات بغضب إلى أصدقائنا ممن لا نشك بكونهم يؤيدون حق السوريين بالعدالة والحرية، فكيف سنتحدث عن هذه الثلة من المرتزقة الذين تحدثوا بكل وقاحة في بيان ختامي لاجتماعهم عن "ضرورة حماية حقوق الكاتب والمبدع والمثقف العربي" وطالبوا "جميع الحكومات العربية بوقف التضييق على الحريات العامة وإلغاء القوانين الاستثنائية التي من شأنها أن تقيد حرية المثقف والكاتب المبدع" وتحدثوا عن "التضامن المطلق مع ضحايا انتهاك الحقوق والحريات الفكرية والإبداعية"، بينما تنتهك حيوات مئات الآلاف من المعتقلين السوريين بالقرب منهم؟ وقبل أن يوجهوا التحيات لبشار الأسد، هل تجرأ أحدهم وسأله عن مصير المغيبين في سجونه من أهل الثقافة والأدب؟

يمكن للسوري أن يريح عقله من التفكير بمثل هذه الأفعال الشنيعة التي يقوم بها بعض من "الأشقاء" العرب، عبر تنميط هؤلاء ووضعهم في سلة الكائنات الطفيلية، وبالتالي سيعفي نفسه من مراقبة أفعالها، لكن من الواجب علينا ألا نتجاهل ضرورة أن تضاف الأسماء إلى لوحة العار، وأن يعرفوا أننا نفعل هذا، وبشكل علني، فالقضية بالنسبة لنا أكبر من كل ما يكتبون، وبلادنا المنهوبة المسلوبة أغلى من كل الجعالات التي يتسولون!