icon
التغطية الحية

وثائق البنتاغون المسربة تكشف آثار حرب أوكرانيا على سوريا والشرق الأوسط

2023.04.14 | 14:29 دمشق

وزيرا خارجية أميركا وإسرائيل يتحدثان عن إيران في مؤتمر صحفي في 30 كانون الثاني 2023
وزيرا خارجية أميركا وإسرائيل يتحدثان عن إيران في مؤتمر صحفي في 30 كانون الثاني 2023
The Intercept- ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

سلطت وثائق سرية لتقارير استخباراتية أميركية تم تسريبها مؤخراً الضوء على ازدياد التهديد بنشوب نزاع بين الولايات المتحدة وإيران، بالإضافة إلى الجهود الإسرائيلية الواضحة لتوريط الولايات المتحدة بشكل مباشر في العمليات التي تستهدف مصالح إيران في الشرق الأوسط، حيث كشفت تلك الوثائق حساسية الوضع الجيوسياسي، وكيف يمكن للتوتر بين روسيا وإسرائيل أن يزداد بشكل كبير في ظل حرب روسيا على أوكرانيا.

وذكرت أنباء بأن مجموعة الوثائق السرية قد تم نشرها عبر الإنترنت ضمن أحد منتديات الألعاب، بعد ذلك اعتقلت الشرطة الأميركية يوم الخميس حارساً يعمل لدى القوات الجوية الأميركية، عمره 21 عاماً، واسمه جاك تيكسيرا، وذلك للاشتباه بتورطه في عملية التسريب.

إسرائيل تطلب المدد الأميركي لمجابهة إيران

وفي وثيقة اشتملت على إحاطة مؤرخة بـ28 شباط، صنفت بأنها: "سرية للغاية"، كونها صادرة عن وكالة استخبارات الدفاع، وردت تفاصيل حول أربعة سيناريوهات محتملة يمكن لإسرائيل من خلالها أن تقدم الدعم المتمثل بأسلحة فتاكة لأوكرانيا، وهذا ما سعت واشنطن إليه طوال الفترة الماضية، بيد أن إسرائيل رفضت ذلك، نظراً لوجود علاقات تربطها بروسيا.

وفي أحد تلك السيناريوهات الممكنة، نقرأ في الإحاطة بأن: "روسيا تواصل سماحها للأسلحة التقليدية المتطورة الإيرانية بالمرور عبر سوريا، وهذا ما يدفع إسرائيل لتطلب من الولايات المتحدة أن تزيد دعمها لنشاطات إسرائيل في محاربة إيران مقابل تقديم مساعدات تتمثل بأسلحة فتاكة لأوكرانيا" (فقد اتهمت إسرائيل إيران بنقل معدات عسكرية إلى الأراضي السورية، وهذه الأسلحة يمكن أن تستخدم ضدإسرائيل في أي نزاع يمكن أن ينشب مستقبلاً).

تقدم هذه الوثيقة أيضاً معلومات شاملة وعامة حول هذا السيناريو الذي يبدو أنه يشير إلى الظروف الراهنة التي يمكن أن تمهد الطريق لحدوثه، حيث ورد فيها: "يؤيد قادة الدفاع الإسرائيليون فكرة المخاطرة بشكل أكبر للوقوف في وجه إيران، ويشمل ذلك اقتراحهم لعمليات إسرائيلية-أميركية ثنائية". فلقد شاركت الدولتان في تدريبات عسكرية على مستوى عال في الوقت الذي كان فيه التوتر في المنطقة بحالة تصاعد. إذ خلال شهر كانون الثاني الماضي، أجرت الولايات المتحدة وإسرائيل أكبر تدريب عسكري مشترك في التاريخ، وهو عبارة عن تمثيل لغارات جوية تنفذ على مواقع نووية إيرانية.

روسيا تلعب على الحبلين: الإسرائيلي والإيراني

وثمة سيناريو محتمل آخر بحسب ما ورد في تلك الإحاطة، وهو أن روسيا تتسبب بسقوط ضحايا بسبب القصف الإسرائيلي الدوري لسوريا، كما أنها تستهدف الطائرات الإسرائيلية مباشرة بمساعدة إيران. وتنقل هذه الوثيقة أيضاً خبراً مفاده بأن إسرائيل طالبت أكثر من مرة بدعم أميركي لطائراتها التي تحلق في الأجواء السورية وذلك حتى تنفذ غارات على مواقع إيرانية في سوريا.

وفي الوثيقة ذاتها نجد قائمة طويلة بالأسلحة الإسرائيلية التي يمكن أن تعطى للأوكرانيين مقابل الدعم الأميركي، وتشمل تلك القائمة نظم صواريخ أرض-جو والنظم المضادة للدبابات التي صنعتها إسرائيل والتي بوسعها نقل هذه الأسلحة الفتاكة  حسبما ورد في الوثيقة التي تقول بأن ذلك يمكن أن يتم: "تحت وطأة الضغط الأميركي المتزايد، أو عند تراجع علاقاتها مع روسيا".

هذا ولقد رفض مجلس الأمن القومي الأميركي التعليق على ما ورد في الوثيقة خاصة بالنسبة لما جاء فيها عن السيناريوهات الإسرائيلية المحتملة.

مسار الصدام الأميركي-الإيراني

منذ الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي الإيراني أيام إدارة ترامب، دخلت الولايات المتحدة في مسار صدام مع حكومة إيران بشأن الطاقة النووية وبرنامج الصواريخ البالستية لديها. ولذلك تسلط الوثائق المسربة الضوء على جهود أخرى للرقابة الأميركية، ركزت على إيران، فقد ورد في إحدى الوثائق بأنه وفقاً لـ: "تقرير استخباراتي حول المؤشرات والتحليلات المتخيلة" فإن فيلق الحرس الثوري قد خطط لإطلاق صاروخ مزود بقمر صناعي مخصص للاتصالات يعرف باسم ناهد-1 وذلك في مطلع شهر آذار.

وتتحدث وثيقة أخرى عن المناقشات التي قامت بين مسؤولين إيرانيين، أحدهما الناطق الرسمي باسم البرنامج النووي الإيراني، واسمه بهروز كمالفاندي، ونائب الرئيس الإيراني للشؤون السياسية، محمد جامشيدي، حيث تحدثا خلال تلك المناقشات عن استراتيجيتهما بشأن مسألة التعاطي مع الزيارة المرتقبة لرئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية، رفايل غروسي، إلى إيران خلال شهر آذار، حيث ورد في تلك الوثيقة على لسان كمالفاندي قوله بأن غروسي كان على استعداد لنزع فتيل التوتر، وذلك فيما يتعلق بتقرير مرتقب للوكالة حول أنشطة إيران النووية، كما ورد بأن جامشيدي كلف كمالفاندي بالخروج بنقاط للحوار يمكن تسريبها للإعلام بحيث يمكن التخفيف من أي أثر سلبي لتقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

وفي التقرير الصادر عن الوكالة بنهاية شهر شباط تبين بأن مفتشي الوكالة عثروا على جزيئات يورانيوم مخصب بنسبة تصل إلى 83.7% وذلك في أحد المواقع النووية في إيران، ويعتقد بأن نسبة اليورانيوم المخصب هذه تكفي لتصنيع سلاح نووي بنسبة 90%، على الرغم من أن التقرير أشار إلى أن عملية التخصيب التي تم اكتشافها في معمل فوردو النووي يمكن أن تعتبر حالة تقلب عرضية وليس بالضرورة دليلاً على إمكانية تصنيع أسلحة مستقبلاً.

"عقيدة الأخطبوط" الإسرائيلية

خلال السنوات الماضية التي أعقبت خروج دونالد ترامب من الاتفاق النووي، وفشل جو بايدن بإحياء هذا الاتفاق، أصبح النهج الأميركي تجاه إيران متشدداً بتحريض من قبل بعض الشخصيات السياسية الإسرائيلية، ومن بينها رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو الذي أطلق حملة مضادة للاتفاق النووي وأمضى سنين وهو يحث الولايات المتحدة على اتخاذ موقف أكثر تشدداً تجاه إيران، كما قامت إسرائيل بتنفيذ عملياتها التي استهدفت المصالح الإيرانية في سوريا، حيث ضربت إيران بشكل مباشر خلال العام الماضي ضمن ما سمّاه مسؤولون عسكريون إسرائيليون: "عقيدة الأخطبوط" في التعامل مع الأراضي الإيرانية بوصفها هدفاً للغارات والاغتيالات العسكرية.

ومع صدور قرارات عسكرية مهمة من قبل إدارتي ترامب وبايدن، تم وضع أسس النزاع مع إيران الذي يتخذ أبعاداً كثيرة، فضلاً عن الاستعدادات الخطيرة الذي زاد عددها وأصبحت وشيكة الوقوع، إذ في 16 كانون الثاني من عام 2021، أي بعد مرور أيام فقط على تنصيب بايدن رئيساً، أمر ترامب بإخراج إسرائيل من القيادة الأوروبية التابعة للجيش الأميركي، حيث تم السماح لها بالانضمام لتجنب أي توتر مع دول الجوار في الشرق الأوسط، ونقلها إلى منطقة القيادة الوسطى المسؤولة عن تلك المنطقة، بما يسهل التنسيق العسكري ضد إيران، ولم يقم بايدن بإلغاء هذا القرار.

كما خرج البنتاغون بخطة طوارئ في حال نشوب حرب مع إيران، وذلك خلال السنة المالية لعام 2019.

وعلى الرغم من تعاظم التوتر، إلا أن مسؤولين لدى الاستخبارات الأميركية صرحوا بأنهم لا يعتقدون بأن إيران قررت استخدام برنامج الطاقة النووية لديها كسلاح، إذ ورد في أحدث مراجعة قام بها البنتاغون للوضع النووي والتي عثر عليها في أواخر السنة الماضية، بأن: "إيران لا تمتلك اليوم سلاحاً نووياً، ونعتقد في الوقت الراهن بأنها لا تسعى لامتلاك هذا السلاح". ولقد كرر مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، بيل بيرنز، تلك الفكرة منذ مدة قريبة وذلك في مقابلة مع محطة سي بي إس أجريت معه في شهر شباط الماضي حيث قال: "على حد علمي، لا نعتقد بأن المرشد الأعلى في إيران قد اتخذ قراراً بشأن استئناف الاستعانة ببرنامج إيران النووي كسلاح، والذي نرى بأن إيران قامت بتجميده أو أوقفته بنهاية عام 2003".

الاتفاق النووي حبل يخنق رقبة إيران

إلا أن الشكوك والعداوة الشديدة بين كلا الطرفين ما تزال تدفع مسؤولين أمنيين وسياسيين أميركيين للنظر إلى البرنامج على أنه مصدر خطر، إلى جانب مناقشتهم فكرة التلويح بالحرب أو حتى بتغيير النظام كوسيلة لحل تلك المشكلة.

ففي تقرير صادر عن مركز الأمن الأميركي الجديد، وهو مركز أبحاث أمني وطني يعبر عن آراء الوسط، هنالك من يؤيد فكرة قيام حكام الولايات المتحدة بدراسة مسألة إرسال رسائل خاصة لقادة إيران السياسيين والعسكريين يتم من خلالها الإشارة إلى حل هذا البرنامج بهدف إسقاطهم وإبعادهم عن السلطة، وذلك في حال عدم تخليهم عن البرنامج النووي"، كما أوردت تلك الوثيقة أن الاغتيالات الأخيرة التي طالت مسؤولين إيرانيين يجب أن تقنعهم بأن البرنامج النووي ما هو إلا عبء ثقيل يخنقهم، وليس بوليصة تأمين تضمن بقاءهم".

انتشرت صور الوثائق الاستخباراتية المسربة على منصة ديسكورد للتراسل خلال الأشهر الماضية، وهذه الوثائق تعالج العديد من المواضيع، بيد أن معظم ما تم الاطلاع عليه منها حتى الآن يشتمل على دراسات تحليلية مفصلة لتطور مسار الحرب في أوكرانيا وتقييمات استخباراتية أميركية بعدد الشركاء والخصوم الأجانب. بيد أن الحكومة الأميركية لم تؤكد رسمياً حتى الآن ما إذا كانت هذه الوثائق أصلية، بل قامت بفتح تحقيق بأصولها، وأدلت بتصريحات رسمية تشكك بصحتها.

إذ صرحت ريبيكا فارمر الناطقة الرسمية باسم مجلس الأمن القومي الأميركي بأن: "وزارة الدفاع وأوساط الاستخبارات تقوم بمراجعة وتقييم صحة الوثائق التي تم تصويرها وانتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بيد أننا لسنا في موضع يخولنا تأكيد صحة أي معلومات معينة وردت فيها أو التعليق عليها".

تلازم أوكراني-شرق أوسطي

أتت تلك التسريبات في وقت ارتبط فيه النزاع في أوكرانيا مع التوتر المستمر في الشرق الأوسط ارتباطاً وثيقاً، حيث تبين بأن إيران قد تحولت إلى مزود رئيسي لتقنية المسيرات بالنسبة للجيش الروسي، في حين أعلنت مصادر إعلامية تابعة للدولة مؤخراً بأن إيران وقعت اتفاقية لشراء طائرات مقاتلة متطورة من روسيا.

منذ بداية النزاع في أوكرانيا، كرهت إسرائيل التورط بشكل مباشر بأي شيء يقف ضد روسيا، وسعت لحفظ قنوات التواصل مع القوات الروسية في سوريا عند تنفيذها لغارات جوية على مواقع إيرانية هناك، كما رحبت كثيراً بالوجود الروسي في سوريا بوصفه حصناً منيعاً يقف في وجه توسع النفوذ الإيراني. وقد تعرض هذا الموقف لمزيد من الضغوط بعد التقارب الذي تم بين روسيا وإيران منذ بداية الحرب على أوكرانيا، وهذا ما ألمحت إليه إحدى الوثائق السرية.

اقرأ أيضا: المسيرات الإيرانية تخذل الروس في أوكرانيا

زاد قلق إسرائيل من النفوذ الإيراني في المنطقة من تزايد رغبتها بمواجهة إسرائيل عسكرياً، وخاصة عقب تعثر الجهود الدبلوماسية إلى جانب الاتفاق النووي، وهنا بدت الولايات المتحدة عازمة على مواصلة المشاركة في هذا النهج العدواني، حتى مع احتمال قيام حرب مستقبلاً قد تنجر إليها الولايات المتحدة أيضاً. إذ أعلنت القيادة الأميركية الوسطى يوم الإثنين الماضي عن نشر غواصة نووية مزودة بصواريخ موجهة في البحر المتوسط، فوجهت بذلك رسالة تهديد واضحة لإيران، ما دفع الأخيرة للمسارعة إلى اتهام الولايات المتحدة بالإتجار بالحروب، وذلك لأنه نادراً ما تكشف البحرية الأميركية عن مواقع غواصاتها، لأنها تولي الغموض وعدم الكشف أولوية على كل شيء آخر.

وفي إحدى المناسبات التي أقيمت في القدس خلال شهر شباط الماضي، بدا السفير الأميركي لإسرائيل، توم نيدز، كمن يعطي إسرائيل الضوء الأخضر لتتخذ خطوات ضد إيران بدعم أميركي عندما قال: "بوسع إسرائيل، بل يجب عليها، أن تقوم بكل ما يتعين عليها القيام به للتعاطي مع إيران، وإننا سندعمها في ذلك".

المصدر: The Intercept