روسيا ومأزق الحل في سوريا

2020.12.28 | 23:02 دمشق

54f27e44-26f3-4efe-9b51-9896878e7c53.jpg
+A
حجم الخط
-A

منذ التدخل العسكري في سوريا والذي مضى عليه خمس سنوات ونيف مازالت روسيا بوتين تدعم الدكتاتور ضد شعبه، مشتركة وموغلة  في الجرائم المرتكبة ضد السوريين المدنيين وغير المدنيين في انتهاك واضح وصارخ لقواعد  الحرب والقانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف، هذا من جهة ومن جهة أخرى وصلت لحد الوقاحة من تصريحات متكررة من كبار مسؤولي النظام الروسي بدءاً برأس النظام بوتين حول استخدام سوريا والشعب السوري كمختبر لتجارب الأسلحة الروسية، وتكرار ذلك من المسؤلين العسكريين وأهمها تصريحات وزير الدفاع سيرغي شويغو عن استخدام وتجريب ١٦٢ نوعاً من الأسلحة هذا على الصعيد العسكري.

أما فِي الدعم السياسي استخدمت روسيا بوتين حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن الدولي لمنع صدور قرارات تدين إجرام نظام الأسد وتمنعه من الاستمرار حتى قرار إدخال المساعدات الإنسانية وليس محاسبة النظام لم تسلم منه، حيث استخدمت هذا (الحق) خمس عشرة مرة!

ما فتئت إدارة بوتين منذ سلسلة أستانة ومحاولة اختطاف الحل من مسار المفوضات في جنيف، بعد تعطيلها لمجلس الأمن إلى المسار الذي يمكن أن تفرض رؤيتها الخاصة للحل

وفي حين تتذرع موسكو بتدخلها أنها جاءت بناء على طلب من الحكومة (الشرعية) وهي تنتهك شرعية هذه الحكومة جيئة وذهابًا ورئيس نظام هذه الحكومة الشرعية لايعلم بدخول وخروج المسؤولين الروس إلا إذا اقتضت المصلحة الإعلامية الروسية إعلان ذلك، وهو غالباً ما يتفاجأ!

وما فتئت إدارة بوتين منذ سلسلة أستانة ومحاولة اختطاف الحل من مسار المفوضات في جنيف، بعد تعطيلها لمجلس الأمن إلى المسار الذي يمكن أن تفرض رؤيتها الخاصة للحل، وذلك باستغلال مخاوف الطرفين الآخرين فيه (تركيا - وايران) بسبب الأخطار الإقليمية والمصالح الجيوسياسية، حيث لم يلق هذا المسار ترحيباً من المجتمع الدولي خارج الدور الميداني – العسكري الذي ظل خارج المسارات السياسية على الرغم من تأثيره فيها، حيث لم يعترف به دوليا ضمن هذا السياق.

ولقد تجلى ذلك في تصريح للرئيس الأميركي دونالد ترامب "إننا ضمنا مصالحنا في سوريا في جنيف" في إشارة واضحة أن الحل لابد أن يكون دولياً أولا وضمن مسار جنيف التفاوضي واستنادا لمرجعيات القرارات الأممية وأهمها القرار ٢٢٥٤ والقرارات ذات الصلة.

 جاء هذا التصريح في أعقاب الإعلان عن نية ترامب سحب القوات الأميركية من سوريا نهاية عام ٢٠١٨.

وبعد فشل ما حاولت موسكو تسويقه على أنه "مؤتمر وطني" في "سوتشي" عادت لتدخل من بوابة اللجنة الدستورية التي على مايبدو لم تستطيع أيضا أن تفرض رؤيتها للحل، بل عرت وفضحت عدم جدية النظام وبينت أنه لم يكن ليحضر وفده دون الضغوط الروسية وطبعًا لم تكن هذه الضغوط لإجباره على الدخول بجدية في العملية الدستورية بل لأهداف تكتيكية روسية، وكانت تستغل النظام قبل وبعد كل جولة لتعزيز احتلالها لسوريا وارتهانها لتتمكن ليس فقط من امتلاك أكبر حصة من الكعكة السورية بل تفرض شروط التفاوض على القوى الدولية الأخرى، ومن الواضح والجلي عدم مقدرة روسيا على إنجاز حل دون التوافق مع القوى الدولية، وعجزها عن بسط سيطرتها على كامل الجغرفيا السورية بسبب وجود الولايات المتحدة الأميركية في منطقة الجزيرة السورية، ووجود قوات تركيا في شمال غرب سوريا وفصائل قوى الثورة والمعارضة ناهيك عن الوضع غير المستقر في الجنوب وعدم السيطرة التامة، وبنفس الوقت وجود الشريك غير الموثوق على الأرض ألا وهو الطرف الإيراني والميليشيات التابعة له، كما لم يستطع الروس إقناع الدول العربية الخليجية والدول الأوروبية بتمويل إعادة الإعمار من جهة ولا إعادة العلاقات مع نظام الأسد.

وجاء قانون قيصر ليزيد الوضع تعقيدًا ويوقف أي محاولة لترويج إعادة تأهيل هذا النظام بل يمنع أي تعاون أو تمويل لإعادة الإعمار.

كل هذا جعل من الواقع الذي يعرفه بوتين وإدارته، هو غير ما يتم تسويقه إعلاميا، فالنزهة في ربوع سوريا بدأت تشبه بل تتحول لنزهة مشابهة لسلف النظام الروسي الاتحاد السوفييتي في أفغانستان، وقد نسب لبعض المسؤولين الأميركيين صراحة القول: نحن مهمتنا أن نترك روسيا تغرق في سوريا، وهذا ما تؤكده سياسة التجاهل والرجوع للوراء الأميركية التي مازالت السمة الغالبة على تصرفات الإدارات المتعاقبة ديمقراطية وجمهورية.

موسكو تدرك تماماً أن الوقت ليس في صالحها، وماهذه الإشارات إلا دلائل على عجز روسي

وفي الحقيقة لم تتوقف موسكو عن إرسال إشارات مستمرة ورسائل متعددة من تعيين ممثل لبوتين، إلى تعيين ممثل للافروف، والتصريحات المتكررة تارة أن روسيا (بوتين) باشرت بتطبيق القرار ٢٢٥٤ إلى الدعوة لحلقة جديدة من مسلسل أستانة .. إلى مؤتمر للاجئين في سوريا إلى محاولة الإفلات من المسار الدولي - الأممي، إلى تداخل وتحريك ملفات إقليمية أخرى من ليبيا إلى أذربيجان.

وموسكو تدرك تماماً أن الوقت ليس في صالحها، وماهذه الإشارات إلا دلائل على عجز روسي من جهة، يصاحبه قلق من استهلاك المكتسبات العسكرية التي دفعت روسيا فيها ثمناً باهضاً إنسانياً وأخلاقيًا ولم تستطع زيادة هذه المكتسبات عسكريا ولَم تنجح في تطويبها سياسياً وهي تدفع من رصيد إنجازاتها من جهة أخرى.

وحاليًا بالإضافة للأسباب الآنفة الذكر هناك محاولة لاستغلال الانشغال الأميركي بالاستحقاق الرئاسي لتحقيق مكاسب معنوية تعزز موقفها حيث يعلم الجميع ألا حلَّ دون توافق دولي وأن ماتريده موسكو من مقابل في ملفات متعددة ليس من الضروري أن يتحقق وما تريد في سوريا من سقف عال لا أحد مستعد لدفع مقابل، وهي بين خيارين مأزق التنازلات أو الاستنزاف خاصة مع وجود حلفاء يقبعون تحت ضغوط اقتصادية خانقة وملامح فشل نظام الأسد في تأمين استمرار مؤسسات الدولة.