عصا "العم سام" الغليظة

2022.12.29 | 07:15 دمشق

عصا "العم سام" الغليظة
+A
حجم الخط
-A

بعد قانون "قيصر" قانون حماية المدنيين الذي استهدف المنظومة الحاكمة في دمشق يأتي قانون مكافحة المخدرات الذي يستهدف رأس النظام (بشار الأسد) ويجعله خارج سوريا المستقبل في أي تسوية أو حل سياسي مستقبلي!

لا شك أن الإدارة الأميركية عندما تتخذ قرار فيما يتعلق بشأن سياستها الخارجية يستند إلى رؤيتها لتحقيق مصالحها الاستراتيجية أولًا، وعلى مسؤوليتها العالمية كونها تحافظ على زعامتها للعالم ثانيًا.

بتاريخ 23 كانون الأول دخل قانون مكافحة كبتاغون نظام الأسد حيز التنفيذ، بعد تصديق الرئيس الأميركي "جو بايدن" عليه.

وفي النص

"يعتبر الكونغرس تجارة الكبتاغون المرتبطة بنظام بشار الأسد في سوريا مهددة للأمن الإقليمي والعالمي لأنها عابرة للحدود الوطنية، وبالتالي يجب على الولايات المتحدة أن تطور وتنفّذ استراتيجية مشتركة بين الوكالات لحرمان وتفكيك شبكات إنتاج المخدرات وتهريبها المرتبطة بالأسد"

ويتضمن القانون أيضًا دعم الدول المتضررة من عمليات تهريب المخدرات.

وفي فقرة أخرى يتحدث عن زيادة الوعي بمخاطرها وعلاقة نظام الأسد بإنتاجها وتهريبها…

ربط الحالة السياسية في سوريا بمحددات أميركية هي الأقوى على مستوى السياسة الخارجية الأميركية والأكثر تأثيرًا على الساحة الدولية

كما يتضمن أيضًا إقرار الميزانية اللازمة للجهات المختصة من وزارة الدفاع والوكالات الأخرى.

كما يمكّن القانون الجديد الجهات المختصة الاستفادة من بنود قانون قيصر في تطبيقه مما يعني ربط الحالة السياسية في سوريا بمحددات أميركية هي الأقوى على مستوى السياسة الخارجية الأميركية والأكثر تأثيرًا على الساحة الدولية كونها تشكل عقبة مانعة لأي مخالفات حتى من أعدائها وكونها أيضًا قوية بما تمتلكه الولايات المتحدة الأميركية من أدوات سياسية واقتصادية ومالية وتكنولوجية واسعة النطاق، بل تعتبر أهم من قرارات مجلس الأمن الدولي من حيث الفاعلية والتطبيق العملي خاصة في ظل تناقضات الدول الدائمة العضوية فيه!

ومن الجدير ذكره فإن هذا القانون يجد ما يبرره في القانون الدولي، إذ إنه يعتبر متوافقا مع الاتفاقيات الدولية لمكافحة المخدرات، لا سيما أن هناك عدة حوادث ووقائع أثبتت تورط هذا النظام ورأسه في سلسلة الإنتاج والتوزيع والتجارة والتهريب يقوم فيه أشخاص متنفذون داخل منظومة السلطة أمنيًا وعسكريًا.

يمكن أن يكون هذا القانون دافعًا لتشكيل تحالفٍ دوليٍ لمكافحة المخدرات بقيادة الولايات المتحدة الأميركية على غرار تشكيل التحالف الدولي لمحاربة داعش والمنظمات الإرهابية!

ماذا يعني إقرار قانون مكافحة المخدرات في سوريا سياسيًا؟

يعتبر القانون الخطوة الحاسمة في إنهاء رأس النظام السوري سياسيًا، بعد قانون قيصر الذي حجّم النظام ككل وعاقبه ومنع أي تعاون خارجي معه دوليًا أو على مستوى الشركات والأفراد.

ومن الواضح أن اعتبار بشار أسد رئيس عصابة لتجارة المخدرات والكبتاغون يشرعن استهدافه مثل امبراطور المخدارت العالمي المشهور (بابلو اسكوبار)

وهذا يعني أن أي تواصل مع بشار الأسد سواء كان شخصيًا أو رسميا من أفراد أو جهات يجعل صاحب الاتصال محل شبهة وقد يصبح عرضة للمساءلة.

وهذا ينهي أوهام التطبيع أو إعادة التأهيل وإنهاء المراهنة على بقائه أو مشاركته في أي حل سياسي مستقبلي.

وهذا سيؤدي إلى خلخلة في كامل المنظومة المغتصبة للسلطة ويزيد من احتمالات التخبط والقرارات الداخلية السيئة مع عدم الاكتراث بالوضع الاقتصادي والاجتماعي المزري.

على مستوى السياسة الدولية والإقليمية فهو ضربة موجعة لحلفاء النظام الذين ربطوا مصالحهم فيه وبرأس النظام الذين روّجوا كذبا أن لا بديل لا عن النظام ولا عن رأسه

وفي إطار العملية السياسية قد يدفع هذه العصابة إما للتشدد والمضيّ على نفس النهج الذي سارت عليه في المماطلة وارتهان الشعب السوري من دون أي مسؤولية وطنية مما يزيد في المعاناة الإنسانية، وربما يحرك بعض القوى داخل المنظومة للتخلص من بشار الأسد ومحاولة تقديم بديل ينقذ النظام غير القابل للإنقاذ وبالتأكيد لن تفلح.

وهذا قد يفسّر إشاعة وجود بشار الأسد في قاعدة حميميم الروسية تفادياً لأي مفاجآت.

وعلى مستوى السياسة الدولية والإقليمية فهو ضربة موجعة لحلفاء النظام الذين ربطوا مصالحهم فيه وبرأس النظام الذين روّجوا كذباً أن لا بديل لا عن النظام ولا عن رأسه.

وبغض النظر عن آليات تطبيق هذا القانون وإمكانية تطبيق من عدمها أو جدواه من الناحية العملية، إلا أنه يمثل عصًا غليظة تمتلكها الإدارة الأميركية تواجه فيها خصومها إقليمياً ودوليًا خاصة مع اتساع دائرة الصراعات الدولية لا سيما المواجهة الأميركية-الغربية مع روسيا في أوكرانيا.

ما الذي يتعيّن على قوى الثورة والمعارضة السورية فعله؟ لا بد من إعادة التوازن للمؤسسات والهيئات الممثلة لقوى الثورة والمعارضة وبث الروح فيها وتفعيلها ورفع مستوى الأداء السياسي والإعلامي بما يرقى لتضحيات السوريات والسوريين، وأخذ الهمّ الوطنيّ لغالبية الشعب السوري ضحية نظام الكبتاغون ففي المأساة السورية لا يمكن الفرز بين موالين أو معارضين باستثناء الأقلية الفاسدة.

ولكل السوريين والسوريات آن الأوان أن ينقذوا سوريا وينفضوا عنها كل الشوائب وأن ينحازوا لوطنهم ويتبرؤوا من هذه العصابة وخاصة من هم في مراكز القوى والقرار قد يكون أمرًا محل تقدير من كل السوريين.