إحاطات إنسانية لأهداف سياسية

2021.12.06 | 05:09 دمشق

hq720.jpg
+A
حجم الخط
-A

لماذا لم تحضر الأجسام الرسمية لقوى الثورة والمعارضة وتقدم إحاطات في مجلس الأمن؟ ولماذا هي ممثلة للشعب السوري إذًا في حال أنها لا تستطيع الحضور؟!

تساؤل يتبادر لكل السوريين.. للإجابة على هذا السؤال لابد من الإضاءة على آلية عمل مجلس الأمن الدولي الجهاز التنفيذي لمنظمة الأمم المتحدة والذي يشكل حقيقة الإطار الرسمي الذي يتم داخله إدارة الصراعات السياسية الدولية بين القوى "العظمى" والتي تمتلك حق "الفيتو"، أي الاعتراض على أي مشروع قرار يطرح للتصويت عليه وإبطاله بمجرد أن تعارضه إحدى هذه الدول التي تسمى دائمة العضوية في مجلس الأمن، وهي (الولايات المتحدة الأميركية- جمهورية روسيا الاتحادية- جمهورية الصين الشعبية- جمهورية فرنسا- المملكة المتحدة "بريطانيا").

ويضم المجلس أيضا عشرة أعضاء غير دائمين من دول العالم موزعة جغرافياً على القارات حيث يتم انتخابها من الجمعية العامة للأمم المتحدة ولا تملك هذه الدول حق الفيتو 

أعضاء غير دائمين تنتخبهم الجمعية العامة لمدة سنتين: 

أستونيا (2021)، الهند (2022)، إيرلندا(2022)، كينيا(2022)، المكسيك(2022)، النيجر(2021)، النرويج (2022)، سانت فنسنت وجزر غرينادين (2021)، تونس (2021)، فيتنام (2021). وأي قرار في الأمور والقضايا السياسية يحتاج لأغلبية تسعة أعضاء مع عدم اعتراض أي من الدول الخمس دائمة العضوية.

وهذا ما يجعل من أي قرار قضية مساومة ومفاوضات بين هذه القوى ولا يمكن أن يمر قرار دون توافق بينها، ويختلف مدى التعطيل والإبطال حسب أهمية القضية للأطراف ومدى تناقض المصالح بينها وبين انسداد الأفق واستخدام الفيتو أو فشل طرح مسودة مشروع القرار أو الخروج بقرارات توافقية غالبا ما تكون رخوة وتحمل في طياتها عوامل فشل تطبيقها، مثال ذلك ذكر العبارة الآتية (يبقي المجلس القضية قيد نظره، ويمكن أن يتخذ إجراءات تحت الفصل السابع) وهذا يعني صعوبة بالغة في الوصول لقرار ملزم ينفذ بالقوة الدولية ويفتح المجال للتسويات والصفقات خارج إطار الأمم المتحدة وبين القوى الدولية والإقليمية للخروج بحل دون عودة لمجلس الأمن، وعلى حساب الدول والشعوب الضعيفة كما حصل في قضية استخدام السلاح الكيماوي من قبل السلطة الحاكمة في دمشق، حين مارست الولايات المتحدة الأميركية في عهد إدارة الرئيس باراك أوباما آنذاك ضغوطها السياسية والعسكرية وتدخلت روسيا لإنجاز صفقة جعلت القرار الأممي قرار مجلس الأمن ٢١١٨ الذي يدين استخدام نظام الأسد للأسلحة الكيماوية المحرمة دولياً، عبارة عن أرشيف سياسي لم تنتج عنه أي محاسبة بل تم استغلال هذه الجريمة لإرغام نظام الأسد التخلي عن السلاح الكيماوي كما أعلن عن ذلك، ولصالح الصراع مع الكيان الصهيوني، بينما لم يتورع عن استخدام مواد كيماوية محرمة دوليًا مرات عديدة بلغت الخمسين حسب تقارير منظمات دولية….!

تكون هذه الإحاطات بمنزلة شهادات من أشخاص عانوا أو مورست بحقهم انتهاكات أو من ناشطين ينتمون إلى مناطق النزاع حيث تكون المشاركة تحت عنوان إنساني، والهدف بالنهاية سياسي دون شك

وضمن هذه الصيغة المعقدة من إدارة الأزمات الدولية تتخذ الدول أساليب وطرقا أخرى لدعم مواقفها وفي سبيل تحقيق مصالحها الاستراتيجية ومنها تسليط الضوء على القضايا الإنسانية وانتهاكات حقوق الإنسان بقصد التأثير على خصومها وإحراز إدانة أخلاقية على الأقل! واستمرار جعل القضية حاضرة، ومن تلك الممارسات دعوة ناشطين غير محسوبين على الأجسام السياسية لحضور جلسات مجلس الأمن العلنية ليقدموا إحاطات عن قضاياهم دون اعتراض من الأطراف الأخرى، خاصة إذا كانت تلك الأطراف منخرطة بشكل أو بآخر في دعم الطرف الذي قام بانتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان وبجرائم ضد الإنسانية، حيث تكون هذه الإحاطات بمنزلة شهادات من أشخاص عانوا أو مورست بحقهم انتهاكات أو من ناشطين ينتمون إلى مناطق النزاع حيث تكون المشاركة تحت عنوان إنساني، والهدف بالنهاية سياسي دون شك، ولهذا تدعى شخصيات لا تنتمي إلى قوى سياسية لأحد أطراف الصراع ولا تمثل أجسامًا سياسية بل تشكل نموذجا لحالة ومعاناة متكررة وموثرة.

وهذا ما يفسر غياب الأجسام الرسمية (المعترف بها) كممثلة عن الشعب السوري مثل الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، أو هيئة التفاوض أو حتى عن المنصات المشاركة فيها، في حين تدعى هذه الشخصيات كأفراد وتوصل أصوات الضحايا ومعاناتهم. 

يبقى التعامل الرسمي في الميادين السياسية والمحافل الدولية عن طريق هذه الأجسام وهي التي تدعى رسميًا للتمثيل السياسي ولعمليات التفاوض والمؤتمرات والاجتماعات السياسية.

وقد تكررت دعوة سوريين وسوريات أفراد في اجتماعات مجلس الأمن الدولي فيما يخص القضية السورية، وعلى الرغم من عدم وجود نتيجة ملموسة إلا أنها تجعل من قضيتنا كسوريين قضية عالمية حاضرة على منبر الأمم المتحدة، وقضية إنسانية عالمية تؤثر في الرأي العام العالمي وتجذب التعاطف والدعم، يجب الاستفادة من ذلك في استمرار العمل الحثيث للضغط على الحكومات بهدف الوصول للتغيير المنشود بتطبيق حل سياسي شامل وعادل ينصف الضحايا والمعتقلين والنازحين واللاجئين، ويحاسب كل من تلطخت أيديهم بالدماء الطاهره التي سفكت على اتساع الجغرافيا السورية، وإيجاد بديل وطني ديمقراطي، يحفظ كرامة الإنسان بدلا من الدكتاتورية وسلطة القمع والإرهاب.

وحتى الآن كل هذا الحراك الدولي والمؤتمرات تمثل مؤشرا على عجز دولي وتجاهل تحاول بعض هذه القوى إظهار اهتمامها إلا أن ذلك لايعدو ذر الرماد في العيون.