الدعوة الهولندية الكندية لمحاكمة سوريا.. بين المدخل الإنساني والضغط السياسي

2023.06.21 | 06:14 دمشق

آخر تحديث: 21.06.2023 | 06:14 دمشق

الدعوة الهولندية الكندية لمحاكمة سوريا.. بين المدخل الإنساني والضغط السياسي
+A
حجم الخط
-A

لا شك أن مسار محكمة العدل الدولية في لاهاي هو مسار ليس بالسهل لا سيما وأنها تابعة للأمم المتحدة، وتشكل الجهاز القضائي فيها، وتستند في أحكامها إلى القانون الدولي بما في ذلك القانون الدولي الإنساني، وتخضع إجراءات السير في تطبيق قراراتها لمجلس الأمن الدولي، الجهاز التنفيذي للأمم المتحدة وذراعها العسكري خاصة عندما يتم تطبيق القرارات الأممية تحت البند السابع الذي ينص على ضرورة تطبيق القرارات باستخدام القوة العسكرية في حال عدم الالتزام.

إن تعزيز الضغط السياسي في قضايا حقوق الإنسان خاصة عند ثبوت الانتهاكات الخطيرة يمثل بابًا مهمًا لإنصاف الضحايا وعدم السماح للمجرمين الإفلات من المحاسبة تحت عنوان التدخل في الشؤون الداخلية للدول.

وفي القضية السورية تقدمت كل من حكومتي هولندا وكندا بطلب لمحاكمة الحكومة السورية أمام محكمة العدل الدولية بعد استيفاء الإجراءات القانونية اللازمة التي يتطلبها نظام المحكمة وهي التفاوض مع الحكومة السورية (النظام) والاستجابة من طرفه في قضايا التعذيب، والتي لم تحصل مما دفع الدولتين لتقديم الطلب لمحكمة العدل الدولية التي لا يمكنها قبول طلب التقاضي أو الشكوى إلا من قبل دولة أو دول أو إحدى هيئات منظمة الأمم المتحدة، ولا تنظر إلا في القضايا التي يكون الطرف فيها دولة.

في إطار السعي للعدالة قدمت هولندا وكندا طلبًا لمحاكمة الحكومة السورية أمام محكمة العدل الدولية، وهذا الطلب يمكن أن يكون وسيلة فعالة لتحقيق ضغط سياسي للدفع بعملية سياسية تنهي هذه الانتهاكات وتؤسس لدولة تحترم حقوق الانسان وتصون كرامته

تعد حقوق الإنسان من القضايا العالمية التي تستدعي الاهتمام والتدخل الدولي للحفاظ على كرامة الإنسان وحماية حقوقه الأساسية، وفي هذا تمثل قضية الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ومنذ اندلاع النزاع في سوريا عام 2011 أكبر خرق للقانون الدولي الإنساني في العصر الحديث، حيث تعرض  الشعب السوري لأعمال عنف مروعة وانتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان من قبل نظام الاسد وفي إطار السعي للعدالة قدمت هولندا وكندا طلبًا لمحاكمة الحكومة السورية أمام محكمة العدل الدولية، وهذا الطلب يمكن أن يكون وسيلة فعالة لتحقيق ضغط سياسي للدفع بعملية سياسية تنهي هذه الانتهاكات وتؤسس لدولة تحترم حقوق الانسان وتصون كرامته.

وتعود محاولات تحريك ملف التعذيب والانتهاكات الخطيرة لحقوق الانسان في سوريا لعام 2019 حيث قدمت هولندا وكندا طلبًا لمحاكمة الحكومة السورية أمام محكمة العدل الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، ويستند هذا الطلب إلى التقارير والشهادات والأدلة الحية التي تشير إلى وجود انتهاكات خطيرة تمت في سياق ممنهج ومنتظم للانتهاكات في سورية، مثل استخدام الأسلحة الكيميائية والاعتقال التعسفي والتعذيب والقصف العشوائي على المدنيين بما في ذلك القصف الجوي بالبراميل والأسلحة المختلفة على المواطنين والمرافق العامة بما فيها المشافي والمدارس والمساجد وغيرها.

والسؤال الذي يتبادر إلى أذهان السوريين والسوريات ما الذي يمكننا الاستفادة منه في نصرة قضيتنا سياسيًا وإعلاميًا؟

وللإجابة على هذه السؤال من المهم تحديد بعض النقاط التي يجب الإضاءة عليها والمرجو أن تنعكس إيجابًا على القضية وهي:

أولاً -المساهمة في تعبئة الرأي العام العالمي والوعي العام بقضية إنسانية تمثل اهتماما عالميًا حيث إن طلب محاكمة الحكومة السورية يساهم في زيادة الوعي العام بالجرائم التي ارتكبتها قوات النظام وميليشياته وداعميه، وبالتالي يسهم في تحريك الرأي العام العالمي لدعم العدالة ومحاسبة المسؤولين.

ثانيًا -تحريك الضغط الدبلوماسي: الطلب يوفر فرصة للدول والمنظمات الدولية للتحدث بصوت واحد والضغط على الحكومة السورية للتعاون مع التحقيقات الجارية وتسليم المسؤولين عن الجرائم للعدالة، وتشكيل موقف مشترك يحد من التمادي في التطبيع.

ثالثا -وضع أسس تعزيز السلام والاستقرار: من خلال تعزيز المساءلة القانونية حيث يمكن تحقيق تأثير إيجابي على الوضع الأمني والاستقرار في سوريا والمنطقة، وبالتالي تقديم فرصة للشعب السوري للمصالحة وإعادة بناء الوطن وتحقيق السلم الأهلي.

ويمكن تحقيق الضغط السياسي من خلال الدول الموقعة على ميثاق محكمة العدل الدولية وذلك وفقًا لنظامها الأساسي ومن خلال ما يتطلبه هذا النظام من نقاط وهي:

التعاون الدولي: يتطلب طلب محاكمة الحكومة السورية تعاونًا دوليًا وتنسيقًا بين الدول والمنظمات الدولية، ويمكن للمنظمات ذات الصلة بحقوق الإنسان والمجتمع الدولي الضغط على الحكومات الأخرى لدعم الطلب والعمل معًا لتعزيز المساءلة والعدالة.

العقوبات الدولية: حيث يصبح استخدام العقوبات الدولية كوسيلة للضغط السياسي على الحكومة السورية والمسؤولين عن الجرائم، ويمكن للدول المانحة والمنظمات الدولية تكثيف العقوبات وفرض قيود اقتصادية وسياسية لزيادة الضغط على الحكومة للتعاون مع المحكمة.

طلب هولندا وكندا محاكمة الحكومة السورية أمام محكمة العدل الدولية يمثل خطوة هامة في سبيل تحقيق العدالة وحماية حقوق الإنسان في سوريا

ومن أهم المكتسبات التي تلي تقديم الطلب توفير الدعم السياسي للضحايا: حيث لا بد للدول والمنظمات الدولية تقديم الدعم السياسي والمعنوي والمادي للضحايا والمنظمات المحلية والروابط للضحايا وذويهم في سوريا مما يساهم في تعزيز قدرتهم على الصمود والمطالبة بالعدالة والمحاسبة.

وفي المحصلة فإن طلب هولندا وكندا محاكمة الحكومة السورية أمام محكمة العدل الدولية يمثل خطوة مهمة في سبيل تحقيق العدالة وحماية حقوق الإنسان في سوريا، ويمكن استغلال هذا الطلب لتحقيق ضغط سياسي حقيقي على حكومة النظام وجعله يلتزم بمسار العملية السياسية وفقًا للقرارات الأممية ذات الصلة، لا سيما القرارين ٢١١٨ و٢٢٥٤ ودفع المجتمع الدولي للتعاون والتصدي للجرائم المروعة التي ارتكبت ومازال مرتكبيها خارج يد العدالة، ويجب أن يكون التعاون الدولي والضغط السياسي متواصلين لضمان أن ينال الجناة العقاب الذي يستحقونه ومحاكمتهم أمام المحكمة الجنائية الدولية كخطوة لاحقة لمحاكمة حكومة النظام عن مسؤوليتها بصفتها تحتكر الدولة السورية، وهي مسؤولة عن الانتهاكات والجرائم التي ارتكبها أعضاء في أجهزتها، وتحقيق العدالة للضحايا والاعتبار لهم ولذويهم وبناء مستقبل مستدام يستند إلى حقوق الإنسان والعدالة، وضمان عدم الإفلات من العقاب وعدم تكرار المأساة مرة أخرى.