icon
التغطية الحية

بين النعومة والخشونة.. كيف ينجو السوريون في دمشق من الموت جوعاً؟

2021.09.20 | 06:21 دمشق

2018-10-22t071042z_1029597387_rc1cbcc30f10_rtrmadp_3_mideast-crisis-syria-life.jpg
ساحة يوسف العظمة في العاصمة دمشق ـ رويترز
دمشق ـ خاص
+A
حجم الخط
-A

في بلادٍ بالكاد يصل متوسِّط راتب الموظَّف الحكومي أو عامل المياومة وسائر العاملين فيها إلى 90 ألف ليرة (25 دولاراً) شهرياً، وبقوّة شرائية بالكاد تغطّي استهلاكهُم من الخُبز والسكر والأرزّ والمواد الغذائية الرئيسية، فإنّ مظاهراً كالجوع والتشرُّد والفقر المدقع تصبحُ واقعاً يومياً معاشاً يسعى أهل البلاد إلى التحايل عليها ومجابهتها بكلّ ما توفَّر لهم من وسائل. فكيف يجابه السوريون إذاً هذه الظروف؟ وما الأعمال الجديدة التي لجأ إليها الشباب؟ وما الحلول التي يجترحها البعض لمواجهة هذه الأحوال التي تزيدها قرارات النظام سوءاً؟  

رَجل الإنترنت

شهدت البلاد ارتفاعاً متسارعاً في نسب البطالة في مختلف الفئات العمرية منذ عام 2011، لتبلغ نسبة البطالة بحلول عام 2021 55% بحسب تقرير للأمم المتّحدة، هذا ما دفع الشباب إلى البحث عن وسائل تمكّنهم من التغلّب على هذه الأزمة الاقتصادية.    

يجلس عمر (24 عاماً) خلف جهازه المحمول ما بين 8 إلى 11 ساعةً يومياً، يجوب خلالها مواقعَ إلكترونية عديدة بحثاً عن "رزق" كائن هنا أو هناك، في حين يُخصّص يومي عطلة يقضيهما في التحضير لفحوصه الجامعية في كلّية الحقوق.  

يكافح الشاب العشريني منذ سنتين تقريباً لأجل حياة أفضل له ولعائلتهِ في مكان يعتبره بمثابة "الجحيم الوحيد على الكوكب" بحسب تعبيره، ولهذا الهدف تلقّى عشرات الدروس في مجال البرمجة واقتصاديات الإنترنت على منصّة يوتيوب، ليصبح بعدَ ذلك قادراً على استثمار مهارتهِ وترجمتها إلى عملٍ يعتاش منه.

ويقول عمر لتلفزيون سوريا: "كنتُ في البداية أكتفي بالبحث في مواقع الجامعات الأميركية والكندية والبريطانية على استبيانات مدفوعة فأقضي وقتاً طويلاً في الترجمة والتعبئة والتدقيق لأضمن حصولي على دولارٍ أو خمسة أو عشرة؛ ثمّ تعلّمت كيفية تداول العملات الرقمية لأحوَّل بعضاً من أموالي إلى عملات رقمية مكّنتني فيما بعد من تكسّب المزيد من الربح". 

يكسب عمر يومياً من هذه الأعمال الرقمية ما يتراوح بين 30 إلى 45 دولاراً أيْ ما بين

 90 ألف ليرة إلى 120 ألفاً، والرقم الأخير يعادل متوسِّط راتب الموظَّف الحكومي البسيط في سوريا لشهرين، فكيف يشعر عمر إزاء ذلك؟ يجيب عمر عن تساؤلنا هذا بالقول: "إنّه شعور مزدوج؛ فيحقّ لي أن أكون سعيداً لأنه بإمكاني العيش بكرامة دون حاجة للسؤال أو الطلب، ولكن في الوقت نفسه أعلم أنّ هناك الآلاف ممَّن يعانون الفقر المدقع بسبب رواتبهم الهزيلة التي لا تكفي سوى يومين أو ثلاثة على أبعد تقدير".  

يواجه "رجل الإنترنت"، كما يحلو للأصدقاء تسميته، صعوبات عديدة؛ فالكثير من المواقع التي يحاول الولوج إليها لا تستجيب بسبب موقعه في سوريا ما يضطرّه إلى تفعيل برنامج تصل كلفته الشهرية إلى 7 دولارات، ناهيك عن الصعوبة البالغة التي يواجهها الشاب في تحويل واستلام الأموال حيث لا يملك حساباً بنكياً؛ ما يدفعه في بعض الأحيان إلى إرسال الأموال إلى حافظةٍ للأموال تحوّلها بشكل مباشر إلى عملات رقمية، إلى أن يتمكَّن من نقلها إلى حساب لأحد المعارف هنا أو هناك.  

ليس عمر استثناءً في الداخل السوري، فالعديد من الشبّان والفتيات الذين ضاقت بهم الأحوال ذرعاً أخذوا يبحثون عن اقتصاديات بديلة تسعفهم في تلبية احتياجاتهم الأساسية، وسناء (21 عاماً)، مصفّفة شعر سابقاً ومسوّقة على الإنترنت حالياً، واحدة من الفتيات التي "فهمت اللعبة" حين كانت لا تزال تعمل عندَ أحد مُصفّفي الشعر، فتقول:  
"كنت أتقاضى جمعيةً لا تزيد على العشرين ألف ليرة قبل أن أكتشف العمل على الإنترنت؛ علّمتني إحدى صديقاتي كيف أبيع "الفولورز" (المتابعين) على الإنترنت، ثمّ ومع مرور الوقت تعلّمت كيف أسوُّق على الفيس بوك، فتواصلت معي شركات ناشئة ومحال بيع ملابس ومطاعم لكي أروُّج لها عبر حسابي على فيس بوك وهكذا حتّى استطعت نهايةً أن أترك عملي كحلّاقة وأتفرَّغ للتسويق والعمل في مواقع التواصل الاجتماعي". 

وعلى الرغم من انتشار هذه الأعمال والمخارج الاقتصادية الناعمة وغير المُجهدة فثمّة أعمال أخرى مجهدة وخطرة يضطرّ السوريون إلى قبولها بسبب تردّي أوضاعهم المعيشية. 

أطفال البلاستيك والورود  في دمشق

لا يكاد يخلو حيّ من أحياء دمشق أو ريفها من مظهر من مظاهر الفقر والتسوّل، فما إن تطأ قدماك حيّاً من تلك الأحياء حتّى يتهافت إليكَ فتيان وأطفال لا تتجاوز أعمارهم أربعة عشر عاماً إمّا ليبيعوك الورود أو البسكويت أو قدّاحات قديمة بأحجار لا تدور. 

ويبقى حال هؤلاء الفتيان والأطفال أفضل من أقرانهم الذين تراهم غارقين في قيظ الظهيرة في حاويات القمامة والخرائب يجمعون فوارغ المياه وزجاجات الكولا وعلب الشامبو والأكياس وكلّ مادّة مصنوعة من البلاستيك ليبيعوها بأسعار بخسة لا تكاد تكفي لشراء ربطة خبز و200 غرام من اللبنة.  

 

أطفال 1.JPG
طفل سوري في العاصمة دمشق ـ خاص

 

في إحدى تلك الأحياء صادفنا أمّ هاجر (52 عاماً)، نازحة من البوكمال إلى دمشق _كشكول، ومعها بناتها الثلاث هاجر (13 عاماً) سهى (8 أعوام) وشهد (5 أعوام) يجولون بين أكياس النفايات بحثاً عن البلاستيك. تقول أمّ هاجر لتلفزيون سوريا: "ما بيدنا حيلة، من الصُبح نطلع أنا والبنيّات وما نرجع إلّا مع العتمة، ويوميتنا ما تتجاوز الـ 4500 ليرة (1،2 دولار) يعني خُبز وخضرة ولبن يلّا تكفّي". 

تجاهد هذه المرأة الخمسينية الأرملة لتحوُل بين الجوع وبناتها؛ فتتحمّل كرب الأيَّام وقذارة الروائح وسوء المستفيدين من البلاستيك وخطر الإصابة بالأمراض كلّ يوم لتؤمِّن إيجار منزلها غير  المكسو (40 ألف ليرة 12 دولاراً) ووجبة واحدة تتحلّق وبناتها الثلث حولها كلّ ليلة.

ويشير تقرير نشرتهُ الأمم المتّحدة مطلع العام الجاري إلى أنّ 12.4 مليون مواطن سوري يعانون من انعدام الأمن الغذائي و1.3 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي الشديد ويوجد 6.8 ملايين نازح داخلي منذ عام 2011 إلى 2021.(1) 

 

أطفال 2.JPG

 

أمّا رائد (11 عاماً)، طفل نازح وعائلتهِ إلى جرمانا في ريف دمشق؛ كانَ منغمساً في إحدى الحاويات بحثاً عن البلاستيك، ويقول الطفل رائد: "بشتغل الصبح بلمّ البلاستيك وبالليل أبيع خبز بالفرن الآلي مشان ساعد أمّي بمصروف البيت". 

ترك رائد منزله ومدرسته في الحسكة في الصفّ الثاني ونزح وعائلته إلى ريف دمشق، وبدأ بالعمل في سنّ التاسعة لينجو ووالدته وشقيقه الرضيع من الجوع والتشرّد، والآن يُفترض برائد أن يكون في الصفّ السادس ابتدائي، غير أنّ ظروف الحياة، تحت وطأة التهجير والإفقار والتشفّي، دفعت برائد للعمل كما الرجال في الليل والنهار؛ فتجرَّد بذلك من كلّ حقوقهِ كطفلٍ في التعليم واللهو والعيش ببراءة إلى جانب أقرانهِ.