icon
التغطية الحية

بعد أشهر من حملة "الهجرة".. كيف تأثرت العمالة السورية في إسطنبول؟

2024.01.10 | 11:38 دمشق

حي الفاتح في إسطنبول
حي الفاتح في إسطنبول
إسطنبول - محمد أمين
+A
حجم الخط
-A

لم تكن الحملة الأمنية التي قادتها رئاسة الهجرة التركية في ولاية إسطنبول لملاحقة المخالفين كسابقاتها، إذ أثرت على العمالة السورية وأصحاب الفعاليات الاقتصادية في المدينة الأكبر سكاناً بتركيا بشكل كبير.

وكانت إسطنبول التي يعيش فيها أكثر من نصف مليون سوري، بمثابة الملاذ لتأمين لقمة العيش بالنسبة لعشرات الآلاف من العمال والطلاب الذين دفعتهم قسوة الحياة للبحث عن عمل خارج الولايات التي سجلت قيودهم فيها.

وأمام مستقبل يغلفه الغموض، كان 24 أيلول 2023 هو تاريخ انتهاء المهلة التي حددتها الهجرة التركية للسوريين المقيمين في إسطنبول وهم بالأصل مسجلون في ولايات أخرى، أو ليس لديهم قيود في تركيا.

وبعد ذلك التاريخ عملت الهجرة على ترحيل المخالفين إما إلى ولاياتهم التي يحملون بطاقة الحماية المؤقتة "الكيملك" منها، أو إلى المناطق المحررة في شمال غربي سوريا.

وشكلت الحملة حالة من الخوف في صفوف العمال وأصحاب العمل، إذ باتت فئة منهم تتجنب الذهاب إلى مكان العمل كي لا يتم إيقافهم وترحيلهم، وأخرى اضطرت مجبرة على العودة إلى الولاية التي أتت منها لتبدأ من الصفر أو لتفكر بترك البلاد وسلك طرق التهريب إلى أوروبا رغم المخاطر التي قد تصل إلى حد الموت غرقاً أو في الغابات بسبب الجوع والبرد.

وعلى الرغم من قلة الرواتب والصعوبات التي تواجه اللاجئين السوريين مع الأزمة الاقتصادية وارتفاع نسب التضخم في تركيا، إلا أن معظم السوريين مجبرون على البقاء في إسطنبول لتأمين قوت يومهم كحد أدنى خصوصاً أن القسم الأكبر منهم لديهم حياتهم وعائلاتهم فيها.

الشرطة التركية

من مناطق الزلزال إلى إسطنبول ومنها إلى ريف حلب

طريف الصيادي شاب من مدينة معرة النعمان بريف إدلب كان يعمل في أحد مقاهي منطقة "أكسراي" في إسطنبول بعد أن خرج من ولاية هاتاي عقب الزلزال المدمر الذي ضرب المنطقة في شباط عام 2023، حاله كحال عشرات العوائل المتضررة، لكنه وجد نفسه ضحية الحملة الأمنية التي ألقته بريف حلب.

يقول "الصيادي" لموقع "تلفزيون سوريا": "عندما بدأت الحملة الأمنية كنت أعمل متخفياً وأمضيت نحو سنة كاملة أمكث بمكان عملي خوفاً من الترحيل وللعلم كنت أحمل وثيقة إذن سفر لكوني أتيت من مناطق الزلزال ولكن لم تكن شفيعة لي".

ويشير الصيادي، إلى أن وضعه المعيشي كان سيئاً في ظل قلة الرواتب وارتفاع الأسعار ولكونه المعيل لعائلته في الداخل السوري، مضيفاً أنه ليس أول من يتم ترحيله ولن يكون الأخير.

اتخذت قرار إغلاق مشروعي.. إيقاف الخسارة "ربح" 

لم يكن أثر الحملة الأمنية والتضخم الاقتصادي مقتصراً على العاملين وحسب بل طال أصحاب المشاريع الذين بدأ كثير منهم بالتفكير في إغلاق مشروعه بسبب الخسارات التي لحقت بهم، ومنهم من فعل ذلك بالفعل.

يقول أحد أصحاب محال بيع العطور في منطقة الفاتح والذي فضل عدم الكشف عن اسمه، إنه اضطر لإغلاق محله لتلافي الخسارة التي لحقت به، مشيراً إلى أنه لا يفكر بأن يفتح محلاً آخراً حتى يستقر الوضع الاقتصادي في تركيا.

وأضاف لموقع "تلفزيون سوريا" أنه "أصبح هناك صعوبة في إيجاد موظفين بسبب الحملة التي تسببت في عودة الكثير منهم إلى ولاياتهم أو قصدهم اللجوء إلى أوروبا وهنالك من تم ترحيلهم لعدم امتلاكهم كيملك إسطنبول، وهذا الحال ينطبق على معظم الزبائن الذين كانوا يترددون إلى المحل".

ولفت إلى أنه في عام 2023 بدأت الأمور تسير عكس التيار بسبب التضخم حيث ازدادت المصاريف على المنشآت بدءا من الرواتب مع زيادة في الإيجارات والضرائب والفواتير، وبالتالي أصبح هناك زيادة في كلفة المنتج وزيادة السعر على المستهلك، وتزامن ذلك مع قلة نسبة الأرباح لعدم تمكنهم من رفع الأسعار كـ نسبة وتناسب مع الزيادة التي حصلت على الكلفة بهدف الحفاظ على أكبر قدر من الزبائن".

وأردف "أصبح هناك شح في اليد العاملة من موظفين وعمال مصانع ومشاغل، ما تسبب في ركود في السوق، فهم أيضاً لهم حصة في الاستهلاك".

وأشار إلى أنه "لم يكن ذلك فقط، فقد أدت الحملات العنصرية ضد العرب والأجانب إلى ضعف موسم السياحة، ما تسبب في زيادة الأسعار وتراجع المبيعات وركود في الأسواق مع زيادة المصاريف ليصبح الوضع صعباً جداً".

واختتم قوله، بأنه قرر إغلاق المحل لوقف الخسارة، مؤكداً "إيقاف الخسارة يعد ربحاً".

إسطنبول

تراجع زبائن الصالونات وانتشار "الحلاقة المنزلية"

تراجع عدد السوريين مع مغادرة عشرات آلاف الشباب إلى أوروبا أو عودة قسم كبير منهم إلى الولايات التي لديهم قيد فيها، إلى جانب من تم ترحيلهم أثّر على سوق الحلاقة في إسطنبول أيضاً.

وقبل عام من الآن كانت صالونات الحلاقة السورية تعج بالزبائن وقد تحتاج لحجز موعد فيها، لكن الآن بات كثير من الزبائن لا يخرجون من منازلهم خوفاً من الترحيل.

وفي خضم ذلك انتشرت الحلاقة المنزلية عبر حجز مواعيد مع الحلاقين في المنازل مقابل أجرة معينة.

فارس أحد الحلاقين الذين التقاهم موقع "تلفزيون سوريا" في حي الفاتح بإسطنبول، والذي شدد على الضرر الكبير الذي تسببت به الحملة الأخيرة.

وأضاف فارس أن "معظم الزبائن يقطنون خارج الفاتح ولا يحملون (كيملك إسطنبول)، ما قلل من نسب مجيئهم إلى الصالونات، بل إن بعضهم أصبح يتصل بنا لتحديد موعد في منزله".

وتابع أن "أحد الزبائن لم يخرج من منزله منذ قرابة 6 أشهر خوفاً من أن يتم ترحيله، ومن حين إلى آخر يتصل بي ونحدد موعد حلاقة في منزله". 

ولفت الحلاق السوري، إلى أن معظم زبائنه اضطروا إلى مغادرة تركيا والتوجه إما إلى دول الخليج أو مصر، ومنهم من عاد إلى سوريا أو توجه إلى أوروبا، مقدراً نسبة الضرر التي لحقت به بنحو 70%.

وأشار إلى أنه تم إلقاء القبض على عدد من الزبائن الذين كانوا يواظبون على زيارة صالونه وتم ترحيلهم إلى إدلب في شمال غربي سوريا.

مطعم جوري

التأثير شمل عيادات الأسنان

لم يقتصر الأثر السلبي للحملة الأمنية والتضخم الاقتصادي على الصالونات ومحال العطور بل شمل معظم الفعاليات الاقتصادية بما فيها عيادات الأسنان التي بدورها شهدت تراجعاً بنسبة المراجعين وبعدد الأطباء الذين سلكوا طريق أوروبا أيضاً.

وقال أحد أطباء الأسنان في إسطنبول لموقع "تلفزيون سوريا"، "لاحظنا في الآونة الاخيرة انخفاض نسبة المراجعين وخاصة من فئة الذكور بين 18 و25 عاماً بسبب الملاحقات الأمنية فيما يخص (الكمالك) حيث باتوا يضطرون لعدم الخروج من أماكن العمل أو المنزل إلا للضرورة ما تسبب بإلغاء الكثير من المواعيد وتجنب الذهاب للعيادات".

وحول أثر التضخم الاقتصادي على عيادات الأسنان يوضح الطبيب، أن "المواد أصبحت مرتفعة جداً حيث بات تجار مواد الأسنان يتعاملون بالدولار عوضاً عن الليرة التركية الأمر الذي انعكس سلباً على الأطباء، لكون أجور المرضى بالليرة، ما تسبب بارتفاع أسعار الخدمات الطبية ليقرر غالبية المرضى التراجع عن التركيبات والتجميل والاكتفاء بالمعالجات البسيطة لتخفيف الألم، الأمر الذي أدى لضعف مردود العيادات".

وأشار الطبيب السوري، إلى أن العديد من زملائه غادروا تركيا بسبب الوضع الاقتصادي المتردي وتوجهوا إلى دول الخليج، وآخرون وصلوا مؤخراً إلى أوروبا عبر طرق التهريب.

إسطنبول