icon
التغطية الحية

اغتيالات "منظّمة" في محافظة درعا.. من المسؤول والمستفيد؟

2023.04.27 | 08:18 دمشق

حاجز عسكري تابع للفرقة الرابعة في درعا - مواقع التواصل
حاجز عسكري تابع للفرقة الرابعة في درعا - مواقع التواصل
درعا - أيمن أبو نقطة
+A
حجم الخط
-A

سجّلت بلدة محجة في الريف الشمالي لمحافظة درعا أربع عمليات اغتيال منذ مطلع الشهر الجاري، كان آخرها صباح أول أمس الثلاثاء 25 من نيسان، لتضاف إلى عمليات اغتيال ممنهجة في محافظة درعا تأخذ منحىً تصاعدياً بين الحين والآخر منذ سيطرة النظام السوري على المحافظة في تموز 2018.

وطالت عملية الاغتيال الأخيرة فيصل حمدي الحوشان، وهو أحد أبرز المتعاونين مع جهاز الأمن العسكري في درعا، وتربطه علاقة وثيقة مع رئيس الفرع.

وبعد خمس سنوات على سيطرة النظام السوري على محافظة درعا، لم تتوقف عمليات الاغتيال التي باتت منظمة تستهدف شخصيات معارضة وأخرى انضمت لصفوف النظام وتتعاون مع أجهزته الأمنية، في حين تطول عمليات اغتيال ضباط النظام وعناصره وآخرين من قيادات وعناصر تنظيم داعش.

من المسؤول الأول عن الاغتيالات في درعا؟

وعقب سيطرة النظام على محافظة درعا، روّج الروس لعملية اتفاق التسوية على أنها تشكّل بداية سلام في المحافظة بعد مرحلة من الاقتتال الدامي، وقدّم الاتفاق عمليات تسوية لكل من مقاتلي المعارضة والمدنيين على أساس عدم ملاحقتهم أمنيًا.

إلّا أن الواقع الدامي في درعا عنوانه اليومي اغتيالات لا ينجو منها أي طرف من الأطراف، سواء المعارضة أو الموالية للنظام السوري، لتغدو الاغتيالات واقعًا صعبًا يقيّد حركة أبناء المحافظة ويهجّر آخرين منها خارج البلاد.

وقال المحلل العسكري والاستراتيجي العميد أسعد الزعبي لموقع تلفزيون سوريا إن عملية التسوية التي رعتها روسيا في جنوب سوريا كانت خرقاً كبيراً للحاضنة الشعبية وضمن صفوف المدنيين بهدف التعرف على من كل يحمل سلاحاً ضمن فصائل المعارضة، وتبع عملية التسوية انقسام كبير بين أبناء محافظة درعا من خلال إلحاق أعداد منهم ضمن جيش النظام السوري أو أجهزة النظام الأمنية.

وفي مرحلة لاحقة، بحسب الزعبي، أثارت الأجهزة الأمنية نعرات وخلافات فيما بينها على مستوى المجموعات المحلية التي قامت بتجنيدها من أبناء محافظة درعا، وهي عملية التصفية الأولى للشباب في المحافظة.

وأضاف في حديثه أن النظام شكّل مجموعات مخدرات من أبناء المنطقة "بدؤوا كمدمنين ثم تحولوا إلى مروّجين، حتى وصلنا إلى الحقد الكبير من أهالي حوران على من يعمل في فلك ترويج المخدرات بسبب ضررها وخطرها الكبير على المجتمع المحلي".

الضربة قبل الأخيرة

ويرى الزعبي أن النظام بدأ بمرحلة التخلص من بعض المجموعات التي تعمل في ترويج المخدرات من أبناء المنطقة الجنوبية عن طريق استفزاز أصحاب الثارات عليهم، ويهدف النظام لإرسال رسالة لدول الجوار أنه يتخلص من تجار المخدرات بهدف كسب ودها.

وبحسب الزعبي فإن تلك المجموعات أصبحت ظاهرة بعملها، لذلك سيعمد النظام إلى التخلص منهم ومن ثم بناء شبكات جديدة غير معروفة للعمل في تهريب المخدرات.

واعتبر بأن ضربة النظام هذه تعتبر قبل الأخيرة في التخلص من أبناء حوران بعد مراحل التسوية والتجنيد والخلافات، وصولاً للمرحلة الأخيرة التي تهدف إلى إنهاء وجود فئة الشباب من المنطقة الجنوبية من سوريا.

ويتفق المحامي والناشط الحقوقي عاصم الزعبي مع العميد أسعد الزعبي، الذي أفاد بأن عملية التسوية بدرعا كانت محطة جديدة لتوسّع عدة أطراف في المحافظة، إذ أن الروس الذين أشرفوا على عملية التسوية لم يكترثوا للواقع الدامي بعد أن سمحوا بقصد أو غير قصد لإيران وميليشياتها بالدخول كلاعب رئيسي في المنطقة بهدف زعزعة استقرارها وتهجير أبنائها منها.

وأضاف، في حديثه لموقع تلفزيون سوريا، أن إيران تهدف لإحداث عملية تغيير ديموغرافي في المنطقة الجنوبية، وهي تعمل على النفس الطويل سواء في الملف الأمني أو تشييع أبناء المنطقة أو ملف تهريب المخدرات الذي يعتبر شغلها الشاغل في المنطقة للفائدة الاقتصادية بالدرجة الأولى.

"هناك أياد تعبث في محافظة درعا وتعزز الفوضى على رأسها أجهزة النظام الأمنية التي تسعى لإبقاء حالة عدم استقرار سائدة وفي ذلك تحقق هدفاً مهماً وهو إبقاء كل خيوط المحافظة بيدها"، بحسب الزعبي.

ويردف: "خلال عمل مكتب أمن الفرقة الرابعة في درعا قام بإجراء دراسات موسعة جداً عن الناشطين والمعارضين، هذه الدراسات نُقلت للأجهزة الأمنية وخاصة جهاز الأمن العسكري الذي يعتبر المسيطر على كامل المحافظة وهو المسؤول الرئيسي عن الاغتيالات والفوضى".

إحصائيات دامية

وأوضح المحامي عاصم الزعبي، المسؤول عن مكتب توثيق الانتهاكات في تجمع أحرار حوران، أن الأخير وثق منذ بدء عملية التسوية في درعا في تموز 2018 وحتى نهاية آذار الفائت 2023، ما لا يقل عن 1723 عملية اغتيال، أدت إلى مقتل ما لا يقل عن 1149 شخصاً، من مختلف التوجهات سواء من قياديي وعناصر المعارضة السابقين، أو من المدنيين أو عناصر وضباط النظام.

ويشير إلى أن عمليات الاغتيال يتم تصنيفها بشكل منفصل عن ملف الجنايات الذي يقوم على أسباب جنائية مثل عمليات القتل بدافع الثأر والسرقة والسطو المسلّح والخلافات الشخصية والعشائرية في المنطقة.

مَن يقتل مَن في درعا؟

بيّنت عدة عمليات اغتيال وقعت في محافظة درعا ضلوع أجهزة النظام الأمنية في مدينة درعا بالعمل في ملف الاغتيالات بهدف التخلص من قيادات وعناصر المعارضة السابقين، وشخصيات موالية باتت تشكل عبئاً على النظام نفسه بعد انفضاح أمرها.

وفي 15 من كانون الثاني 2023 قتل القيادي السابق في فصائل المعارضة عامر النصار بعملية اغتيال في مدينة الحارّة شمال غربي درعا، كشفت هذه العملية عن عمل القيادي لصالح فرع أمن الدولة في منطقة الجيدور ووقوفه خلف العديد من عمليات الاغتيال والخطف لشخصيات معارضة للنظام.

وأوضحت محادثات من الهاتف الشخصي للنصار بثها موقع تجمع أحرار حوران، السياق الذي تعمل عليه أجهزة النظام الأمنية في التخلص من المعارضين، لاسيما كشف محادثات بين عامر النصار ورئيس المخابرات العامة في سوريا اللواء حسام لوقا توضح إعطاء توجيهات لعمل النصار في المنطقة.

في المقابل، كشفت اعترافات القيادي في تنظيم "الدولة" رامي الصلخدي، اجتماعه مع رئيس جهاز الأمن العسكري بدرعا العميد لؤي العلي وطلب الأخير منه اغتيال شخصيات في مدينة جاسم، من بينهم معارضون للنظام.

ويعد الصلخدي أحد المسؤولين عن إدخال قياديين وعناصر من "داعش" إلى مدينة جاسم قبل أن تشن فصائل محلية هجوماً على العديد من مقار التنظيم في المدينة بتاريخ 14 من تشرين الأول 2021 أدت لإنهاء وجودهم في المنطقة بعد أن سهّل النظام تنقلهم.

من جهته قال الصحفي سمير السعدي لموقع تلفزيون سوريا إن النظام يحاول منذ سيطرته على محافظة درعا وبدعم إيراني التخلص من معارضيه وإحداث فوضى تمكنه من بسط سيطرته ونفوذه بالقوة على المناطق الرافضة للمصالحة أو تلك التي تعتبر معقلاً لرافضي التسوية من عناصر الفصائل المعارضة.

وأشار السعدي إلى أنه لا يمكن إنكار وجود مجموعات تعمل ضد قوات النظام غالبية تلك المجموعات من بقايا الجيش الحر، العمليات التي تنفذها هذه المجموعات تستهدف بالدرجة الأولى قوات النظام والمتعاونين مع الأجهزة الأمنية، خاصة أولئك المتورطين بتسليم معارضين للنظام.

المخدرات لتمويل الاغتيالات

قال مسؤول مكتب توثيق الانتهاكات في تجمع أحرار حوران: "نلاحظ أن أجهزة النظام الأمنية تعمل باتجاهات مختلفة، فهي تعمل لصالح الميليشيات الإيرانية في عمليات اغتيال الناشطين وعناصر المعارضة السابقين من خلال مجموعات مرتبطة بها وهي مجموعات محلية باتت معروفة للجميع، كما أنّ هذه المجموعات تسهم إلى حد كبير بتجارة وتهريب المخدرات".

وأشار إلى أنه "من خلال شهادات حصلنا عليها في مكتب التوثيق اتضح أن المجموعات التي تعمل في تهريب وتجارة المخدرات أصبحت تموّل نفسها للعمل على خطف واغتيال الناشطين والمعارضين بالتنسيق مع ضباط الأجهزة الأمنية"

وأضاف:" تبيّن ارتباط أجهزة النظام بتنظيم داعش بشكل واضح خلال الفترة السابقة حيث يقوم التنظيم بتنفيذ أجنداتها مقابل تسهيلات تقدمها الأجهزة الأمنية أهمها حماية عناصره خلال تنقلهم ودعمهم لوجستياً"، موضحاً أن بعض المجموعات المنخرطة في صفوف التنظيم تعمل في ترويج المخدرات أيضاً.

هل من حلول لتلافي وقوع الاغتيالات؟

قال العميد أسعد الزعبي إنه عندما بدأت موجة الاغتيالات بشكل عشوائي بعد عام 2018 اقترحنا "اجتماع مثقفين" بدرعا بهدف تشكيل مجموعة حماية ذاتية في كل قرية، تتمكن تلك المجموعات من خلال تكاتف الجهود على مراقبة ورصد أي تحرك مريب بواسطة كاميرات سرية.

وشدد على سرية عمل تلك المجموعات بعيداً عن أجهزة النظام الأمنية، وضرورة التعاون معها من قبل كل أطياف المجتمع المحلي لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من أبناء حوران.

اقرأ أيضا: تقرير: مناطق تصنيع وتهريب المخدرات في الجنوب السوري

من جهته، يؤكد الصحفي سمير السعدي أنه ليس من مصلحة النظام السوري ولا إيران التهدئة في مناطق الجنوب السوري، فهما يسعيان إلى إبقاء الوضع على حاله في المنطقة، "هذا مطلب إيراني، فهي تحاول التخلص من أبناء المنطقة، خاصة وأنها أسهمت في تهجير عدد كبير من شبان المنطقة والبقية مصيرهم القتل والاعتقال لإتمام المشروع الإيراني جنوبي سوريا".

بينما أفاد مسؤول توثيق أحرار حوران أنه من الممكن تلافي عمليات الاغتيال أو الحد منها على الأقل من خلال فضح المجموعات المحلية التابعة للأجهزة الأمنية والتي تقوم بتنفيذها بشكل علني وتسليط الضوء عليها وتعريف أبناء المحافظة بها وتحديد ما أمكن من عناصرها، إضافة إلى تشكيل مجموعات محلية في كل بلدة ومدينة تراقب الغرباء وخاصة الملثمين والذين يستقلون السيارات التي لها نوافذ مظللة.

وفي ظل استمرار عمليات الاغتيال في محافظة درعا، يفتقد أبناؤها أي مبادرة تنقذهم من التصفية والقتل المنظم، في وقتٍ تسعى فيه بعض الدول العربية إلى التطبيع مع نظام الأسد دون الاكتراث بواقع بعض المحافظات السورية التي تقبع تحت سيطرة النظام وتعاني من ويلات الاغتيال والخطف والاعتقال المستمر.