نظام الأسد.. حساب السوق لم يطابق الصندوق

2021.11.02 | 06:02 دمشق

tdwyr2.jpg
+A
حجم الخط
-A

راهنت روسيا على انعقاد جلسات اللجنة الدستورية واعتبرتها معبراً لانفراجة دولية تجاه حلحلة الوضع الاقتصادي المنهار تماما لنظام الأسد وبالتالي إنقاذاً لها من ورطتها التي غاصت فيها بالرمال المتحركة السورية، هذه الانفراجة ـ والتي جاءت على ما يبدو ضمن سياق "الخطوة بخطوة" ـ سحبت معها موسكو ـ ومن ورائها نظام الأسد وإيران ـ بأحلامهم بعيدا عبر حملة دعاية ضخمة دفع النظام فيها مئات الآلاف من الدولارات لشركات التسويق والعلاقات العامة بغية ترويج وتلميع صورة النظام فسال الحبر على صفحات كبريات الصحف العالمية مبشرة بعودة النظام إلى المنظومة الدولية وأن قوافل التطبيع معه تقف على أبواب قصر "المهاجرين" بالطوابير.

اللجنة الدستورية وخط الغاز العربي "الغاز الإسرائيلي"

تحرك الملك عبد الله الثاني ملك الأردن وفق إشارة وتكليف أميركي حصل عليه خلال زيارته للولايات المتحدة في الصيف المنصرم وأخذ موافقة موسكو على مرور الصفقة، محققا عدة أهداف منها الاقتصادي ومنها إبعاد إيران عن الجنوب ومنها عودة عمان كلاعب خط وسط وصانع ألعاب في ملعب تقوده الولايات المتحدة الأميركية وكان المفترض أن ثمن الخطوة مع الانفراجات الطفيفة للنظام ـ والتي لا تؤثر نهائيا على استمرار حالة العزلة الدولية ـ أن وافق النظام على عقد الجولة السادسة للجنة الدستورية ولكن على قاعدته الخاصة وليس على القواعد الدولية المطلوب تحققها لانفراجات أخرى (اتخاذ خطوات لا يمكن الرجوع عنها على طريق الحل السياسي وإنفاذ القرار 2254 وخاصة مسار اللجنة الدستورية وطبعا ذهب النظام بعيداً ـ وكما هي عادته ـ في تصوراته وبدأت ماكينته الإعلامية بضخ الأخبار المزيفة والتحليلات التي تفيد سرديته (انتصرت وطوابير التطبيع معنا سيراها العالم قريبا والجميع يخطبون ودنا) وهذا غير صحيح.

إيران تريد عدم خروج الملف السوري خارج مفاوضاتها النووية

منذ إعلان صفقة الغاز تحركت إيران لإفشالها عبر أكثر من خط فقامت بافتعال تفجير في خط الغاز القريب من العاصمة دمشق (حران العواميد) وهي منطقة عسكرية تعتبر ذات طبيعة أمنية خاصة وأقرب للمنطقة العسكرية وهي ذات نفوذ إيراني بحت، ثم تبعتها بإيصال مادة الديزل إلى لبنان (حزب الله) ثم زيارات متواترة لمسؤولين إلى النظام للتحصيل والمطالبة بتنفيذ الاتفاقيات الاقتصادية وآخرها محطة الكهرباء لترسل رسالة لجميع من راهن على انفراط عقد التحالف أو بالأحرى الاستتباع الذي فرضته إيران على بشار الأسد وأن ملف سوريا هو ضمن ملفات التفاوض النووي ولن تفرط إيران بهذه الورقة بهذه السهولة بل ستستثمرها بالحد الأقصى ولن تتسامح مع أي تحرك روسي أو انزلاق من النظام بهذا الاتجاه.

هذه الرسائل قرأت بشكل واضح لكل الدول المعنية وخاصة أن تحذيرات بدأت تنطلق من الولايات المتحدة للأردن وبعض الدول للتنبيه أن النظام ما زال يخضع للعزل وأي انفراجة له ستكون مقرونة بخطوات (لا يمكن الرجوع عنها) لجهة الحل السياسي، أول ردة فعل تجاه هذه التحذيرات صدور تراجع أردني لافت عن خطط فتح الخط الجوي المنتظم مع دمشق مما كسر الصورة التي روجها النظام، لتتوالى بعد ذلك البيانات الدولية وخاصة الثلاثي الفرنسي البريطاني الأميركي باعتبار نظام الأسد نظاما مجرما.

اللجنة الدستورية بدايات متفائلة ونهاية مخيبة للآمال ماذا حدث؟

وسط تفاؤل وصف بأنه زائد عما يلزم شطب هذا التفاؤل معه تاريخ وطبيعة نظام الأسد التي لا تريد سوى القتل والقتل فقط، انعقدت الجولة السادسة لأعمال اللجنة الدستورية "بإنجاز" كما سماه المبعوث الدولي، ولأول مرة لقاء بين الرئيسين المشاركين والاتفاق على المنهجية وسار اليوم الأول بشكل سلس ونال الاستحسان عبر تصريحات مستبشرة من السيد هادي البحرة وكذلك أتى اليوم الثاني وسط ترحيب دولي بهذه الانطلاقة والبداية الحسنة لها، ولكن هناك أمر كان يجري بالتوازي فقد أنهت التصريحات الدولية المتواترة أحلام نظام الأسد وروسيا بالقفز على الحبال، فقد ظن الروس والنظام معاً أن هذه الخطوات منهما والتي اعتبرت من قبلهما أقصى ما يمكن فعله ومنحة لا يمكن أن تقدر بثمن، (الوجه البشوش واستخدام التسمية الرسمية لوفد المعارضة وإنجاز اللقاء الأول بين الرئيسين المشاركين ومنهجية وأوراق) على ذلك يجب على العالم فتح ذراعيه للقتلة ويستقبل المجرم اتصالات وتعود سفارات وأحيانا سفارات وتهليل ودعاية وتضخيم أحداث لتوحي أن النظام سيعود أقوى من ذي قبل، فقد جاءت التصريحات الغربية مغايرة لهذه الأحلام إذ أكدت جمعيها أن لا عملية تطبيع ستجري مع النظام قبل تطبيق القرار 2254 والسير بجدية في العملية السياسية.

وفي ظل كل تلك الأجواء وخلف الستار تختبئ طهران والتي شعرت أن نفوذها في سوريا سيكون ثمنا تدفعه روسيا لكي تسير عربة الحل على السكة، فكان اليوم الثالث وكانت الجلسات على موعد دموي رسمه النظام بطريقة المجرم الغبي فكانت مجزرة أريحا وافتعال انفجار باص المبيت في دمشق..

مجزرة أريحا ومسرحية انفجار باص المبيت في دمشق

مع كل مفصل أو اجتماع دولي أو مؤتمر يطالعنا نظام الأسد بفائض إجرامه فمع انطلاق اليوم الثالث من اجتماعات اللجة الدستورية "وبالمصادفة البحتة " أن هذا اليوم سيقدم النظام ورقة المضامين الدستورية "مكافحة الإرهاب" يرتكب صباح هذا اليوم مجزرة مروعة في مدينة أريحا في ريف إدلب بقصف الطريق المؤدي إلى مدرسة ويوقع شهداء معظمهم من الأطفال والأمهات، ولكي يكتمل المشهد الدموي استفاقت دمشق على حادثة حيرت الجميع انفجار باص للمبيت عند جسر "الرئيس" هذا الانفجار الذي فيه علامات استفهام كبيرة عن طبيعته وكيفية وصول من فجره لهذه المنطقة الحصينة أتى كمَخرج للنظام (فرع إيران) لكي يحول جلسات اللجنة الدستورية إلى حفلة مزاودة وكيل التهم ـ  ناهيك أصلا عن صلاحية العنوان لكي يكون ضمن المضامين الدستورية أصلا ـ لكن شكلت المجزرة وحادثة الباص الغريبة سبباً لكي تفشل الجولة السادسة من اجتماعات اللجنة الدستورية ـ والتي تعتبر أصلا عملية هشة ـ  ويرى فيها النظام مهربا من الالتزامات المترتبة عليه والتي تعهدت بها روسيا، طبعا بعد المجزرة و"حادثة الباص" وتقديم ورقة الإرهاب من قبل ممثلي العصابة المجرمة تحولت الجلسات إلى مسرح ردح واستفزاز وتهجم من قبل عناصر الأمن الذين سموهم وفد النظام، وانتهى التفاؤل وذهبت الاستبشارات بالخير وكأن هناك زرا خفيا تم الضغط عليه ونعتقد أن اليد التي ضغطت على الزر لم تكن إلا اليد الإيرانية.

الحفلة انتهت أزيلوا الديكورات

حلم النظام بالتعويم والذي جند له أقلاما وضخّم أحداثاً ترافق مع مكالمة هاتفية من ملك الأردن وأخرى مع ولي عهد أبو ظبي اصطدم بطريق وعر ومواقف تمنعه من الإفلات من عملية الخنق بمجرد جلسة للجنة الدستورية ومنحنا "مكرمة الاقتراحات" والوجه البشوش لرئيس مفرزة اللجنة الدستورية الكزبري، كل هذا الديكور الذي صنعه النظام على عجل من "الستيروبورد" ـ  و بضغط من روسيا التي راهنت على الجلسات وعلى تفاعل كبير من النظام في اللجنة الدستورية بل تعهدت بذلك ـ ذهب أدراج الرياح عندما بدأت تظهر المواقف الأميركية التي أنهت هذا الحلم، عندما تم تحذير الدول من المضي في التطبيع مع نظام الجريمة المنظمة في مقال نشرته صحيفة " الفانيشل تاميز " على لسان مسؤول أميركي رفيع المستوى لتتوالى بعدها الأصابع الإيرانية بالعزف على أجساد السوريين واللبنانيين فلم تكن أحداث الطيونة وإيقاف قطار حكومة ميقاتي والتي كانت ضمن سلة واحدة وصفقة واحدة، كل ذلك نستطيع أن نعبر عنه بأن النظام (فرع إيران) قرر إزالة الديكور والعودة إلى المربع الأول، بعد أن فشل في سرقة التطبيع بشكل مجاني ومبتذل وبثمن بخس بالنهاية أستطيع أن أقول:

لا تطبيع ولا حكومة لبنانية ولا تعويماً، ومشروع الغاز يمكن انتظاره، والعودة إلى الجامعة العربية أصبحت مستحيلة بناء على تصريحات الأمين العام للجامعة أحمد أبو الغيط