هل ما أخفته مفاوضات النووي كشفته حرب المطارات؟

2022.09.09 | 06:51 دمشق

ا
+A
حجم الخط
-A

في تصريح لافت لرئيس الوزراء الإسرائيلي ومن القاعدة الجوية لطائرات F35 التي قصفت مطار حلب الدولي قال لابيد "من السابق لأوانه أن نعرف إذا ما سننجح حقا في صد الاتفاق النووي ولكن إسرائيل مستعدة لمواجهة جميع التهديدات والسيناريوهات إذا واصلت إيران اختبارنا، إنها ستكتشف ذراع إسرائيل الطويلة وقدراتها".

كلمات قالها "يائير لابيد" ونعتقد أنها ليست مجرد تحذيرات أو تهديدات إذ أن الوقائع  تعكس جديتها فعلا، فمنذ أسبوع أو أكثر تتعرض مواقع إيرانية حساسة في سوريا  للقصف المركز وقد تطور ذلك حتى بدا أنه استراتيجية ممنهجة، فقد طال القصف مطار حلب مرتين ودمشق وبعدها مواقع في دير الزور، فيما يبدو أنه اتفاق خطّته إسرائيل في واشنطن والعواصم الأوروبية فقد قامت إسرائيل بحملة دبلوماسية مكوكية في الأيام الأخيرة وعلى أعلى المستويات، رافقت الأجواء الإيجابية التي خلفها تبادل النصوص النهائية لمشروع الاتفاق النووي مع إيران، كلام رئيس الوزراء الإسرائيلي يظهر أن لديه ما يشي بما هو مطلوب من إيران وهي ترفض تنفيذه إلى الآن فلا أميل إلى أن (الفجوة بين الطرفين) ـ على حسب تعبير الخارجية الأميركية ـ تكمن في الأمور التقنية أو الضمانات إذ إن هناك شيء ما مطلوب من إيران وإلى الآن لم تبتلع إيران تنفيذه، لا سيما إذا استدعينا إلى الذاكرة القريبة غارات الولايات المتحدة الأخيرة على مواقع الميليشيات الإيرانية والتي ترافقت مع ضربات إسرائيلية على مناطق نفوذ إيران في سوريا، سوريا التي أصبحت قطعة من جهنم بالنسبة لإيران حيث أصبح وجودها هناك إلى الآن مؤلماً ومكلفاً جداً.

من معركة بين الحروب إلى مطاردة الفريسة

مؤشرات كثيرة يمكن جمعها كلها في خيط واحد وهو الضغط الأقصى على إيران لدفعها للخروج من سوريا أو تقليص وجودها للحد الأدنى، فحملة القصف المركزة وخاصة على المطا رات تحمل في طياتها هدفين الهدف الأول حرمان طهران من المطارات وهو ما  تعلنه تل أبيب حيث تضرب شحنات الأسلحة النوعية الممنوع وصولها إلى يد ومواقع الميليشيات الإيرانية وتقصير مدارج الهبوط لمنع طائرات الشحن الضخمة من الهبوط في المطارات، فقد  جرى ذلك في مطار دمشق حتى خرج عن الخدمة ونقلت إيران نشاطها إلى مطار حلب الذي تلقى ضربات تحذيرية بعدها أيضا ضربات أخرجته عن الخدمة في ضربات الثلاثاء 6/9/2022 ولكن هناك هدف آخر حملته كثافة القصف وإصرار إسرائيل عليه حيث تسعى إسرائيل وحلفاؤها إلى حرمان إيران من امتلاك قوة صاروخية (أرض جو) وصواريخ دقيقة تجعل من إخراج طهران من سوريا في المستقبل القريب مهمة مستحيلة مما سيؤدي ذلك إلى ترسيخ وقبول وجود طهران كأمر واقع وتقودنا الوقائع فيما يبدو إلى أنّ إسرائيل تخلت عن منهجها السابق  في (معركة بين الحروب) لتنتقل إلى مرحلة أخرى أعلى وهذه المرحلة لا يمكن أن تكون لولا توافق ورضا أميركي بالدرجة الأولى ـ لأنها صاحبة المصلحة الآن في الهدوء أو الضغط على إيران ـ وأيضا رضى روسي مؤكد وضروري ـ لأنها صاحبة المصلحة في إبعاد غريمها في النفوذ على سوريا ـ هذه المعركة الجديدة التي أصبحت دولية ولكن برأس حربة واحد هو إسرائيل ـ بدليل  ما أدلى به المبعوث الخاص للحكومة البريطانية إلى سوريا جوناثان هارغريفز حيث قال إن بريطانيا وباقي الدول العظمى الغربية تعتمد على نتائج هذه الهجمات، وأفاد المسؤول البريطاني بأن الوجود الإيراني في سوريا يمكن أن يتحول إلى مركز العمل السياسي للقوى العظمى.

مؤشرات كثيرة يمكن جمعها كلها في خيط واحد وهو الضغط الأقصى على إيران لدفعها للخروج من سوريا أو تقليص وجودها للحد الأدنى

بهذه التصريحات يمكننا أن نفهم  خيوط المعركة التي تقودها إسرائيل والتي دفعت طهران للهروب إلى الحضن الروسي وطلب الحماية الروسية جرى ذلك في الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية الإيراني (حسن عبد اللهيان) وكان واضحاً من طهران الارتباك من حيث تحميل الزيارة ملفات كثيرة ظهرت في المؤتمر الصحفي بشكل لافت، ولا يفسر ذلك سوى أن طهران تريد الحماية من موسكو وهي تصطف كلياً معها في حربها على أوكرانيا ولكن هل تستطيع موسكو منحها تلك الحماية والصواريخ مرت فوق قواعدها بحراً لتقصف مطار حلب ولم تحرك ساكنا؟ وإذا أخذنا بعين الاعتبار إشاعة أخبار تفيد بأن نظام الأسد وروسيا طلبا من إيران مغادرة بعض المواقع كي لا تكون عرضة للقصف ممكن أن نستنتج الجو العام الذي فهمته إيران وأن هامش مناورتها في سوريا يضيق بشكل مضطرد.

اتفاق مؤجل برسم خسارات معجلة لإيران

بعد التفاؤل الذي أشيع في الأوساط الدولية عقب تداول مبادرة المبعوث الأوروبي "بوريل" يبدو أن واشنطن تضيق بوابة النفاذ إلى اتفاق بشكل لافت للنظر، فتصريح الخارجية الأميركية يوم أمس كان يؤكد ذلك ولا يمكن اعتباره مناورة كلامية أبداً بل هو موقف ونتيجة  حيث قال المتحدث باسم الخارجية فيدانت باتيل، إن "الجواب الإيراني لم يضعنا على طريق إحياء اتفاق النووي، والفجوات ما زالت قائمة".

هذا الموقف يبدو أنه أتى بعد حملة الضغط الإسرائيلية الدبلوماسية،  والعسكرية ونحن نميل للاعتقاد بعد سرد تتابع الأحداث إلى أن إسرائيل حصلت على اتفاقها الخاص وتكليف خاص بقيادة حملة قد تؤدي إلى طرد إيران من سوريا ومكاسب هذا الطرد ستعود على الجميع (الولايات المتحدة وأوروبا وروسيا) فإيران ليس لديها الخيارات الآن فالنيران تحاصرها من كل جانب نيران العراق لا تكاد تنطفئ حتى تشتعل وفشل "قآاني" في جلب الصدر إلى بيت الطاعة الإيراني وحزب الله في لبنان على شفير الانهيار بعد انهيار الاقتصاد ووصول اتفاق الترسيم لمراحل متقدمة تستوجب من خلاله تشكيل حكومة ليست على هواه أو فعلا سيواجه الحرب أما اليمن الذي  يراوح بين هدنة هشة وخراب وبين تصاعد الضغط على ميليشيات الحوثي إذن إيران يبدو أنها مضطرة إلى إحراق أحد أو بعض أوراقها لتنجو وتحظى باتفاق ليس فيه ما حصلت عليه أيام الرئيس أوباما من إطلاق يدها في المنطقة فهل يمكننا الاعتقاد بأن سوريا هي الورقة التي سوف تضطر إيران ـ وتحت الضربات الإسرائيلية ـ للتخلي عنها وهنا السؤال المطروح جديا إذا كانت روسيا غارقة وتغرق في أوكرانيا وإيران في طريقها لخسارة جزء كبيرة من نفوذها في سوريا فهل ستحمل الأشهر القادمة بوادر حلحلةٍ لتعقيدات الملف السوري؟ خاصة  بعد اجتماع جنيف لمبعوثي الدول الإقليمية والعربية مع مسؤول الملف السوري، والذي نعتقد أن إفشال مساعي إيران وروسيا في إعادة النظام للجامعة العربية كانت من نتائجه ناهيك عن أن ما تحمله هذه الخطوة من تطبيع مقزز مع نظام دمشق الدموي، يبدو أن الأشهر القادمة ستحمل الكثير.