دولتنا السليبة وليس اللواء السليب..

2021.12.05 | 06:02 دمشق

arabstoday-syrian-people77.jpg
+A
حجم الخط
-A

الدولة السورية  السليبة

عام 1963 قامت مجموعة من الضباط التابعين للجيش السوري بأكبر عملية سطو مسلح في تاريخ سوريا إذ "سَلَبَ" هؤلاء الضباط وتحت مسمى ثورة آذار أعرق دول المنطقة تاريخاً وشعباً وحضارة حيث أنهوا الحياة السياسية نهائيا وتحت ستار حزب البعث حكمت سوريا حكما دموياً فاشياً تكرس لاحقا بحكم الفرد مع انقلاب عام 1970 عندما انقلب البعث على نفسه وتسلم زمام السلطة حافظ الأسد، والذي قام بسلب اسم سوريا العريق لتصبح سوريا الأسد وسلب شعبها حقوقه وحريته وذبحه واعتقله ومارس أقذر وأشد أشكال العنف والذي تفوق فيه على الفاشسيتة والنازية معا.

 ولم يتفوق عليه إلا ابنه بشار الذي دمّر سوريا بأرضها وشعبها وتاريخها، بالقصف والكيماوي وإزالة مدن بأكملها من الوجود ولم يعد حكم حافظ الأسد وبعده بشار حكم الحزب الواحد بل الفرد الواحد وحوَّل سوريا إلى مملكة الموت "سلب" فيها الثروات واعتقل الجمهورية السورية ليطلق سراح نموذج غريب من أنظمة الحكم في العالم وهو توريث الحكم داخل نظام المفترض أنه جمهوري وليس ملكيا.

واليوم بعد قيام الثورة الشعبية في سوريا في ربيع عام 2011 قام الوريث المجرم بشار الأسد بإكمال مهمة والده بتدمير سوريا وهذه المرة وزع الدمار على كامل التراب السوري وعلى أكثر من نصف الشعب السوري بين قتيل وجريح ومشرد ومهجر، ناهيك عن إدخال الميليشيات الإيرانية  والتي يقدر عددها بـ65 ميليشيا والحرس الثوري الإيراني واستقدام روسيا كدولة احتلال وإيران كدولة "احتلال" ووجود جيوش للولايات المتحدة الأميركية وتركيا ووجود قوات للتحالف الدولي لقتال داعش يحق لنا فعلاً القول إن هذا النظام لم يسلب الدولة فقط بل قام بسلب الدولة والقرار السوري.

التنازل عن "اللواء"

في عام 1998 حشدت تركيا جنودها على الحدود السورية وكادت أنقرة أن تدخل الأراضي السورية، كان كل هذا بسبب حماية ورعاية وتمويل حافظ الأسد للإرهابي عبد الله أوجلان الذي أسس وبرعاية النظام ورأسه مباشرة لحزب الـPKK، هذا الحزب كانت فلسفته قائمة على أن الأكراد في سوريا هم مهاجرون أتراك وسوف يعيدهم إلى "كردستان تركيا" بعد تحريرها وتعهد أوجلان لحافظ الأسد حينها أن يجعل العدو الوحيد للكرد السوريين هي تركيا وليس النظام الدموي الذي قمعهم، لولا أن تدخل وقتها رئيس النظام المصري حسني مُبارك وفي اللحظات الأخيرة تم عقد صفقة بين تركيا والنظام وبرعاية مصرية ورضا غربي طردت سلطات النظام بموجبها عبد الله أوجلان خارج أراضيها ووقع النظام حينها اتفاقية أضنة والتي كان أحد بنودها ما يلي: "لا توجد مشكلات حدودية بين تركيا وسوريا" بمعنى أصح وأدق أنّ أسطوانة (اللواء السليب) التي كان يغنيها النظام الأسدي انتهت وتم سحبها من الأسواق ولم تعد بضاعة لائقة للبيع على "بسطة" القضايا القومية للنظام مثل (القضية الفلسطينية والوحدة العربية وحشد الطاقات وتحرير الشعوب من الإمبريالية.. إلخ) كما تضمنت الاتفاقية ملحقاً عسكرياً سمح بموجبه للقوات التركية بالتوغل لمسافة 5 كم داخل عمق الأراضي السورية وعلى طول الشريط الحدودي ومن دون إذن السلطات لملاحقة الإرهابيين، بمعنى أدق تنازل النظام عن سيادته لمساحة قد تفوق "اللواء".

مرحلة بشار الأسد وإزالة اللواء من الخريطة

ما إن تسلًّم الوريث القاصر "بشار الأسد" السلطة بدأت التحركات تجاه إقامة علاقة أكثر توازناً مع تركيا فمنذ عام 2002 ـ 2003 بدأت العلاقات التركية السورية تنتقل إلى مربع آخر مع زيارة بشار الأسد لتركيا، ومن دون سابق إنذار أزيل (اللواء) من الخريطة المدرسية التي يتم اعتمادها بالمناهج ثم بالدوائر الرسمية ثم أزيلت كلمات من كتب التاريخ في المناهج المدرسية والتي قد تزعج الجانب التركي فانقلب (الاحتلال) العثماني إلى التدخل العثماني ثم إلى الفتح العثماني وضاع  مصطلح "اللواء السليب" وضاع معه الكفاح لإعادته فهل يحق لنا السؤال إذا ما كان إيقاف المعزوفة الممجوجة بالمطالبة بـ "اللواء" والقبول بالتوغل لعمق 5 كم من دون إعلام السلطات كان عربونا لاستلام بشار الأسد السلطة، إلى جانب خدمات أخرى دفعها حافظ للولايات المتحدة  وفق ما ألمحت (مادلين أولبرايت) وزيرة الخارجية الأميركية آنذاك؟ أسوة بالجولان الذي كان ثمناً لاستلام حافظ السلطة. إذن لا اللواء أصبح سليباً ولا الجولان محتلاً بل السلطة وفقط السلطة ولا شيء آخر.

مجلس المهرجين ومطالبته المضحكة "باللواء السليب"

بعد اندلاع الثورة - وكما هي عادة النظام يحيل كل أزماته إلى منطق (المؤامرة) ومنطق (العدو الخارجي) والبلد (مستهدفة) ـ  جرى ترتيب سردية مضحكة لكي يسوقها للشعب، من قبيل أن تركيا هدفها إيقاف مسيرة التطوير والتحديث في سوريا وصولاً الى أن تركيا بنت نهضتها أصلا من خلال سرقة معامل حلب، وفي تطور لافت بعد انطلاق الثورة بأشهر قليلة ظهر معراج أورال (علي كيالي) مهندس مجزرة (البيضا) ببانياس، ليشكل بعدها ما بات يعرف بـ (المقاومة السورية في لواء إسكندرون) بقصد ممارسة البلطجة على تركيا التي انضمت إلى الدول التي ضاقت ذرعاً بالجرائم التي ارتكبها النظام، بعد أن نكث معها بكل وعود الإصلاح وإيقاف آلة القتل، مؤخراً ظهرت "وثيقة" صدرت عن ما يسمى بمجلس الشعب تطالب باستعادة "اللواء السليب"، متناسياً ما أقدم عليه "المؤسس" عندما وقع على اتفاقية (أضنة) سالفة الذكر، ويبدو أن النظام مصاب فعليا بفقدان الذاكرة، وأصبح بحالة انفصال عن الواقع والتاريخ وحتى المنطق لدرجة أن اتفاقية أضنة أصبحت معروفة لكل فرد من الشعب السوري المؤيد قبل المعارض وأنها أنهت أي (خلاف حدودي) بين البلدين وكما قال أحد أعضاء المجلس (كنا مسامحين تركيا بلواء إسكندرون واليوم ما عاد نسامح).

لا يمكن اعتبار هذه الوثيقة سوى طمس للواقع والحقيقة أن النظام يحاضر علينا بالشرف بعد أن سلب الدولة والسلطة والشعب وفتح أبواب سوريا لكل مرتزقة العالم وأن هناك خمسة جيوش لدول كبرى وإقليمية على الأرض السورية، وهو ما زال يطالب بـ "اللواء السليب" الذي تنازل عنه وتنازل عن مساحة تساوي أو تزيد على مساحته باتفاقية أضنة وكان قد تنازل عن الجولان كما تنازل لكل دول العالم، ولكنه لم يتنازل للشعب الذي كتب عنه مادة مزركشة يزين به دستوره (الشعب مصدر السلطات) وكما قال " الأب المؤسس" (قوتان لا تقهران قوة الله وقوة الشعب)  فأغضب الله وقتل الشعب.