الأسد بطاقة مباعة لإيران رغم إعلان استمرار اللقاءات

2023.02.05 | 06:13 دمشق

 الأسد بطاقة مباعة لإيران رغم اعلان استمرار اللقاءات
+A
حجم الخط
-A

حطَّ وزير دفاع نظام الأسد في طهران بعد سلسة تحركات سياسية إيرانية هدفت إلى إلقاء القبض على الملف السوري برمته، وجعله تحت سيطرتها بعد محاولة كل من روسيا وتركيا محاولة استبعادها من الملف السوري، لا سيما وأنهما شركاء مفترضون لها في مسار أستانة، وهناك سمع الوزير ما يشبه الشاه نامه عن تضحيات إيران في سوريا "النظام"، ولولاها لكانت اليوم دمشق ساقطة في وحل "الإرهاب" وأن طهران لم تدفع كل ما دفعته لكي يذهب ما خططته في جيوب أنقرة وموسكو، فهل فرملت إيران محاولة تقارب أنقرة مع نظام الأسد، أم أن الملف عند أنقرة أصلا حقق مبتغاه وهي تعرف أصلا أن بطاقة النظام مباعة أصلا لإيران؟

تحركات أنقرة تجاه نظام بشار الأسد وطهران تراقب

اجتمعت الدولتان الروسية والتركية وبدوافع وأهداف مختلفة على جعل ملف التقارب بين الجمهورية التركية ونظام الأسد في إطار حيز التنفيذ، روسيا التي تعبت من حمل ملف بشار الأسد في ظل حربها الوجودية في أوكرانيا وتريد أن ترمي هذا الحمل لكن بطريقة تجعلها رابحة بعد استثمار مكلف في الملف السوري سياسياً وعسكرياً، ولا يخفى أن تحركات أنقرة تجاه النظام خلال الأشهر الماضية أحدثت هزة كبيرة جدا ليس فقط لدى السوريين بل على الصعيد الإقليمي والدولي خاصة الدول الغربية الفاعلة في الملف السوري، ولكن الطرف الأشد قلقاً من هذه التحركات هي طهران رغم البرود الذي أظهرته بالبداية منتظرة النتائج من هذه الاجتماعات إذ كانت تعتقد ـ يبدو بناء على تطمينات من موسكو ـ أنها خطوات شكلية ستنتهي بمكاسب ممتازة للأسد ومكاسب انتخابية للرئيس أردوغان، ولكن يبدو أن المسألة تخطت ذلك بأشواط كبيرة، حيث توضحت الأمور بوجود مشروع روسي طرح على تركيا خلاصته تكمن في تبادل النفوذ والمصالح على أوسع نطاق بين روسيا وتركيا بحيث تكون تركيا الحديقة الخلفية لروسيا وتكون روسيا الرافعة لتركيا في سوريا، بما فيها تسليمها مناطق نفوذها وتمكينها من القضاء على مشروع قسد والإدارة الذاتية، والذي يشكل خطراً على أمن تركيا القومي بشكل فعال وحقيقي، فقد سار الطرفان في الخطوات وهما يعرفان أنهما سيصطدمان في جدار الأطراف الرافضة ولكنهما قررا المتابعة في اللعبة وكل طرف له غاية في إكمال اللعبة حتى نهايتها وسماع صافرة الحكم.

الموانع الذاتية والموضوعية لهذا المسار

هناك موانع ذاتية وموضوعية لهذا المسار، تتلخص في وجود استحالة التنفيذ لأي اتفاق قد يحدث كنتيجة لهذا المسار، فلا روسيا قادرة على تحقيق الهدف التركي في تمكنيها من قسد ـ حتى وإن وقعت تعديلا لاتفاق أضنة (لأن ليس هذا أصلا ما يمنع تركيا إلى الآن من شن عملية عسكرية في مناطق قسد)ـ إذ إن أوراق قسد بيد الولايات المتحدة الأميركية، علاوة على أن الجيش الأميركي موجود وبقوة في هذه المناطق، بل عزز قواته وأعاد قواعده إلى العمل، ولا تستطيع أنقرة فتح سور حديقتها الخلفية لروسيا على مصراعيها لأن ذلك أيضا سيكلفها كثيرا في علاقتها مع الناتو ومع الولايات المتحدة هذا من جهة الغرب والولايات المتحدة، أما من جهة إيران فهي ستكون حاضرة في الوقت المناسب لرفع البطاقة الصفراء، وربما الحمراء في وجه كل من يحاول استبعادها من الملف السوري والذي كلفها كثيرا، وتعتقد أنها هي صاحبة الحق الحصري في بيعيه والتصرف به أن إرادت ذلك وليس روسيا، وهذا ما سمعه وزير دفاع النظام في طهران.

كيف ألقت طهران القبض على المسار التركي / الروسي؟

بدا النشاط الدبلوماسي والسياسي الإيراني يتحرك بقوة من خلال زيارة وزير الخارجية الإيراني "عبد اللهيان" إلى موسكو وتركيا ووصوله إلى دمشق، حيث أظهرت تلك التحركات القلق الإيراني بشكل واضح رغم أنها أطلقت عبارات الترحيب بهذه الخطوات، لكنَّ مفاعيل جولتها ظهرت من خلال تصريحات لمسؤولي النظام بثها إعلامه عن شروط النظام للتقارب مع تركيا متمثلة بانسحاب تركيا ـ والذي سماها بالاحتلال ـ من سوريا، ووقف دعم المجموعات "المسلحة الإرهابية"، لم تكتفِ طهران بهذه التحركات بل توجتها بخطوة مفاجئة، إذ سطرت مذكرة جلب وإحضار لوزير دفاع نظام الأسد إلى طهران، وهناك بثت إعلانها أن المزاد انتهى وعليكم التنفيذ، فبطاقة بشار الأسد ومن خلفه سوريا بطاقة مباعة لإيران، حيث جاء الحديث على لسان إبراهيم رئيسي الرئيس الإيراني حيث قال "تقف الجمهورية الإسلامية الإيرانية بوصفها صديقة الشعب السوري الحقيقي إلی جانبه في مرحلة إعادة‌ البناء، بتوثيق التعاون الاقتصادي، کوقوفها إلی جانب هذا الشعب في فترة المقاومة". فكان رد الوزير المستدعى: «سوریا انتصرت بفضل دعم الأخوة والأصدقاء الحقيقيين في مواجهة الإرهاب، وستلعب دوراً أقوی بالمقارنة‌ بالماضي في خندق المقاومة»، مضيفاً: «لدی خندق المقاومة دور مهم باتجاه العالم الجدید، یترقب الأعداء فرصة لعرقلة العلاقات المتجذرة والأخوية بین سوریا وإیران لكن هذه العلاقات أوثق وأقوی من أن یقضی علیها أحد، وستتعزز یوماً بعد یوم». بحسب ما نقلته صحف ووكالات أنباء عربية وغربية.

كيف تعاملت أنقرة مع تحركات طهران والتحركات الدولية؟

تحركت المياه الراكدة في الملف السوري على إثر افتتاح هذا المسار والذي استوجبت ردات فعل غربية وأميركية لكبحه وفرملته، كونه يؤثر على عملية الخنق القصوى التي تمارسها الولايات المتحدة والغرب على نظام الأسد، من جانب آخر يتيح مساحات راحة لموسكو يجعلها تستعيد بعض أنفاسها في حرب أوكرانيا، فمر شهر كانون الثاني من عام 2023 بأجندة مليئة بالاجتماعات والتحركات لمبعوثي الدول على كل المستويات، وأصدرت بيانات بذلك الصدد تعارض أي عملية تطبيع بين المجتمع الدولي وبين نظام الأسد، ولا بد من الإشارة أيضا بالبيان السعودي المصري الذي ركز على أسس الحل في الأزمة السورية على حد تعبيره والمتمثل بتنفيذ القرار 2254 ومتعلقاته، كل ذلك لم يصل بأنقرة إلى حد الإزعاج الكبير بل حققت بعض المكاسب، أهمها تحريك هذا الملف المنسي في خضم عواصف الحرب الروسية الأوكرانية وتركها تعاني منه وحدها ـ على حد وصفها ـ  ولكنه أيضاً في بعضه الآخر، جعلها في حالة الضغط السياسي الكبير، لكي لا تذهب بعيداً وبعيداً جداً في هذا المسار متأثرة باقتراب الانتخابات، والوضع الاقتصادي في تركيا واستثمار ملفي الاقتصاد واللاجئين من قبل معارضة أردوغان بشكل فعال جداً، وفي تلك الأثناء وفي توقيت مهم، صدر قرار منظمة حظر الأسلحة الكيميائية بتحمليه نظام بشار الأسد مسؤولية هجوم دوما عام 2018، وكانت ردت فعل وزارة الخارجية التركية منسجما مع المواقف الغربية وإن بلهجة أخف، ولكن ببيان يصادق على نتيجة التحقيق ويطالب بمحاسبة نظام الأسد على ذلك  الأمر الذي بدا ردا قوياً على تحركات إيران، وضعف روسيا في التأثير على الملف، ولا نعتقد أصلا بوهم وجود إيران أصلا بهذا المسار، لأن ذلك كان متوفراً في مسار أستانة ولا حاجة لكل هذه الضجة في حالة التوافق الثلاثي على ذلك.

ترحيب بارد ومسار أصبح مسحوب الدسم

بدأت الردود التركية على تحركات طهران تظهر تباعاً على شكل تصريحات لمسؤول أمني رفيع يجعل من طهران طرفاً معطلا لأي مسار تقارب مع النظام، ثم تتطور تلك الردود إلى الصدمة لروسيا والذي تسبب فيها تصريح وزارة الخارجية التركية بخصوص تقرير منظمة حظر السلاح الكيميائي، وبعد اتصالات جرت بين أنقرة وموسكو وعلى كل المستويات ظهر ترحيب بطعم بارد بدخول إيران إلى مسار التقارب التركي مع نظام الأسد، هذا الترحيب البارد سببه أنه لم يعد هناك أصلا مشروع روسي/ تركي بل عادت قسمة مسار أستانة إلى طبيعتها المشلولة أصلا بسبب تعارض المصالح العظمى لأطراف المسار، ليظهر بعدها تصريح تركي يقول إنهما سيجتمعون مع النظام ويخبرون إيران بالنتائج واليوم جرى التصريح الأخير عن نية أنقرة وروسيا متابعة الاجتماعات بين وزراء الدفاع الروسي والتركي ونظام الأسد، وفيما يبدو إصرار على إبعاد طهران عن الاجتماع أو أن طهران قامت بإلقاء القبض على المسار وأصبحت اللقاءات مسحوبة الدسم، إذ إن كل ما سوف يتم الاتفاق عليه يستوجب ختم إيران وتوقيعها لكي يصبح نافذا وبذلك "كأنك يا أبا زيد ما غزيت".