على خطا س-س؟

2023.03.03 | 05:45 دمشق

على خطى س-س؟
+A
حجم الخط
-A

بالأمل يتطلع الشعب اللبناني لكل تفصيل سياسي على الساحة اللبنانية عله ينعكس على وضعه الاقتصادي والمعيشي، فقد دأبت الطبقة السياسية على استعمال النقد والاقتصاد كأهم أسلحة تجاذبها حتى أضحت الأسباب السياسية وحدها بابا لمعالجات الأزمات. لذلك، تنصب الأنظار اليوم نحو انتخاب رئيس للجمهورية لا كون الرئيس سيقوم بإصلاح البلد بل لأن العادة درجت أن انتخاب الرئيس يأتي معه توليفة كاملة سياسية اقتصادية تكون عادة كفيلة بالعمل على تحسين الواقع اللبناني. لكن التصور بمعظمه مرتبط الأمل والتفاؤل العام لا بالمعطيات.

حتى الآن تستمر مؤسسات الدولة بالتحلل والقطاعات العامة كلها متوقفة كالتعليم، أو عاجزة بشكل شبه كلي كالطبابة والشغور في قيادات الدولة الإدارية يتوسع يوميا بسبب الشلل السياسي، وسعر صرف الليرة يقترب من المئة ألف للدولار الواحد. فهل من حل؟

 بالتواصل مع عدد من نواب المجلس المسؤولين عن انتخاب الرئيس "نظريا" ظهر إجماع على أن الحلول الداخلية في لبنان غير متوفرة ولن تتوفر مؤكدين أنهم ينتظرون الفرج من الخارج. أما الخارج فتتقسم حوله الآراء بين من يعتبره مهتما بلبنان مسرعا نحو حلحلة مشكلاته وبين من يعتبر أن لبنان متروك وغير مكترث به وبالتالي بأن الشغور المؤسسي اللبناني سيطول.

الحقيقة أن الأمر يحتاج لشيء من التفصيل فوجهة النظر غير دقيقة، فلا يمكن اعتبار الدول غير مهتمة بلبنان وقد عقد لقاء خماسي قريب في باريس مخصص للشأن اللبناني، ما يؤكد اهتمام هذه الدول، ولكن المطلع على فحوى الاجتماع يدرك كذلك أن الأمر معقد ولا يبدو الحل بالسرعة التي يعتقدها الفريق الأول.

يدرك الجميع أن الحل يجب أن يمر عبر المملكة العربية السعودية التي تملك المال والسياسية عكس أخواتها في الخليج الذين يملكون المال

فمنذ نحو الشهر، عقد لقاء في باريس من أجل لبنان حضره ممثلون عن كل من الولايات المتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية ومصر وقطر بالإضافة إلى ممثل عن فرنسا بطبيعة الحال. في اللقاء اتضحت معالم الرؤية الخارجية للبنان ببندها الأول أن لبنان غير منسي تماما ولكن صفقته لم تنضج بعد. ثانيا، يدرك الجميع أن الحل يجب أن يمر عبر المملكة العربية السعودية التي تملك المال والسياسة عكس أخواتها في الخليج الذين يملكون المال ولكنهم في التحرك السياسي ينتظرون الضوء الأخضر السعودي في أغلب الأوقات. بالنسبة للسعودية فموقفها أثناء الاجتماع لم يتغير عن الموقف الدائم فالاهتمام الحقيقي في اليمن وفي كف أذى حزب الله عنها من ناحية تجارة المخدرات، أو من ناحية دعم الحوثيين في وجهها. لم تتمسك السعودية بأي اسم رئاسي إلا أنها مصرة على عدم وصول رئيس يعاكس مصالحها وفي حال وصل رئيس لا يعاكس مصالحها تدرس في حينها احتمالية مساعدة لبنان. أما قطر فقد بدا منها الحماس لدخول لبنان دون التمسك بقواعد معينة. أما الموقف الفرنسي فظهر مصلحيا دون فيتو على أحد فمصلحة فرنسا بدت في انتظام المؤسسات، أياً يكن، من يأتي لقيادتها لأنه سيحقق لها مصالحها. أما الأميركي فكان مستمعا منتظرا.

الموقف الأميركي يعبر تماما عن الحال فهو يعني باختصار أن الاهتمام موجود ولكن الحال ليس الآن. بالمقابل، فإن فرنسا ترضى بأي حل ودورها رمزي تسهيلي ولكن الحل في يد أميركا ومعها إيران والسعودية.

قبيل الثورات العربية أجبر لبنان على اتفاق خارجي عرف بال "س-س" أي سوريا-السعودية فكان المشهد نظريا يوحي بالتوازن الخارجي الداعم للبنان ولكنه في العمق لم يعن سوى تسلم سوريا وحلفائها لبنان.

إنجاز إعادة التأهيل في سوريا قد يفتح الباب إلى إعادة تأهيل المنظومة في لبنان على القواعد نفسها، وتحقيق توازن صوري بين السعودية وإيران

اليوم يبدو المطلوب مشابها وهو اتفاق إيراني-سعودي يصدق عليه أتباعهم في لبنان وتقوم واشنطن بصياغته والضغط باتجاهه. في المقابل، يحاول حلفاء الأسد في لبنان الضغط باتجاه إعادة تأهيل نظام الأسد خليجيا، وهو ما يعتبر بنظرهم بوابة انفتاح عليهم في لبنان وزيادة قوتهم ونفوذهم وهو في حال حدث يمكن استنساخه في لبنان عبر تصوير اتفاق معين للخليج والغرب يوحي بالتوازن بين السعودية وإيران في لبنان عبر سحب سليمان فرنجية على سبيل المثال من محور سوريا وإيران وإلحاقه بالمحور الخليجي "صوريا" وبالتالي تأهيله لرئاسة الجمهورية على قاعدة تأهيل الأسد نفسها في سوريا والذي يخيل للخليج أنهم يقومون بسحبه من أيدي إيران.

حتى الآن لا يبدو أن هذا العرض مقبول سعوديا ولا أميركيا إلا أن إنجاز إعادة التأهيل في سوريا قد يفتح الباب إلى إعادة تأهيل المنظومة في لبنان على القواعد نفسها، وتحقيق توازن صوري بين السعودية وإيران بالقوى الموجودة نفسها وهو سرعان ما ينهار عند أول منعطف ويترك لبنان من جديد في مهب الريح.

الأمل والمنطق يضع للتسوية في لبنان توقيتاً حاسماً وهو توقيت انتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان في تموز الذي اتضح أن التمديد له متعذر، واختيار بديل عنه كذلك قبل انتخاب رئيس، وبالتالي فإن شغور هذا المقعد سيدخل البلد في فوضى أكبر ومشكلات أعقد وهو ما يأمل اللبنانيون أن يكون دافعاً كافياً للدول المتابعة للشأن اللبناني بأن تنجح التسوية المطلوبة قبل الموعد. لكن الخوف كل الخوف أن تكون تسوية شكلية تأتي برئيس جمهورية ولا تأتي بحلول سياسية واقتصادية وبالتالي متابعة الانهيار دون أفق.