تسارع خطوات التطبيع العربي مع الأسد.. لماذا الآن؟

2024.02.20 | 07:36 دمشق

تسارع خطوات التطبيع العربي مع الأسد. لماذا الآن؟
+A
حجم الخط
-A

نهاية الشهر المنصرم قدمت الإمارات العربية المتحدة نسخة من أوراق اعتماد سفيرها في دمشق حسن أحمد الشحي إلى وزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد مؤكدة وصوله إلى دمشق.

بعدها بأيام معدودة، مطلع هذا الشهر وبعد ترتيبات أمنية ذكرت صحيفة "الوطن" المقربة من النظام بأن سفارة المملكة العربية السعودية في دمشق ستعيد فتح أبوابها وتقديم خدماتها القنصلية بقيادة القائم بأعمال السفارة السعودية، عبد الله الحريص وفريقه الدبلوماسي.

وعلى الرغم من الفيتو الأميركي على تطبيع العلاقة مع النظام السوري ورفضه نزع العقوبات عنه فإن مسار التطبيع الإماراتي-السعودي لم يتراجع في الفترة الماضية بطريقة تعيد عقارب الساعة إلى الوراء، بل إن جل ما حصل هو تخفيف السرعة والاندفاع بدوافع أميركية وبسبب أداء النظام غير المتعاون. ففي السنوات الماضية أعيد فتح السفارة الإماراتية في سوريا أواخر عام 2018، وتبادل الطرفان الإماراتي والسوري الزيارات على أعلى المستويات وبشكل تحوّل إلى اعتيادي.

الأمر نفسه بالنسبة للسعودية، ولو بدرجة أقل فبعد أشهر معدودة من التطبيع الرسمي للعلاقات بين المملكة والنظام السوري عيّن الأخير في وقت قريب أيمن سوسان سفيراً لدى المملكة، بعد أن استأنفت المملكة في 9 أيار الماضي عمل بعثاتها الدبلوماسية في سوريا للمرة الأولى منذ اندلاع الثورة وإغلاق السفارات حينها.

المعارضة الأميركية لإعادة تأهيل الأسد لم تثنِ الدول العربية عن مواصلة مشوارها في هذا السياق

في الوفت نفسه، وافقت الجامعة العربية على عودة النظام ومشاركتها اجتماعاتها، وهو ما  ترجم بحضور الأسد اجتماعها في نوفمبر الفائت.

إذا، المعارضة الأميركية لإعادة تأهيل الأسد لم تثنِ الدول العربية عن مواصلة مشوارها في هذا السياق. لكن نهج الدول العربية توضح مع الأردن التي تشن حملة غارات جوية وتشدد قبضتها على الحدود مع سوريا في سبيل ضرب عمليات التهريب النشطة في تلك الأماكن والتي تؤذي الخليج العربي كما تؤذي الأردن. فعلى الرغم من تشكيل لجنة أردنية-سوريا مشتركة لمكافحة المخدرات والتهرب إلا أن الأردن يستمر في قصفه الواسع على مواقع في الجنوب السوري، وهو ما اعترضت عليه مؤخرا قيادة النظام السوري في بيان صادر عنها جاء فيه "سوريا تشدد على أنه لا مبرر لمثل هذه العمليات العسكرية داخل الأراضي السورية"، مشيرة إلى أنها "تحاول احتواءها حرصا منها على عدم التوتر أو التأثير على استمرار استعادة العلاقة الأخوية بين البلدين".

الرد الأردني على البيان السوري يفهم منه طريقة تفكير الدول العربية اليوم ومسار علاقاتها مع الأسد، فقد أكد الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية الأردنية سفيان القضاة بأن الأردن زود النظام بالمعلومات اللازمة لمكافحة التهريب والمخدرات "إلا أن أي إجراء حقيقي لتحييد هذا الخطر لم يتخذ"، لافتا إلى أن "محاولات التهريب شهدت ارتفاعا خطيرا في عددها". مؤكدا بالوقت عينه أن "الأردن مستمر في جهوده للمساعدة على إنهاء الأزمة السورية والتوصل لحل سياسي يحفظ أمن سوريا ووحدتها وسيادتها ويخلصها من الإرهاب والفوضى وعصابات المخدرات ويحقق جميع طموحات شعبها الشقيق".

لكن بيت القصيد كان فتحه الباب لاستمرار التنسيق مع النظام السوري واصفا القيادة السورية بـ"الأشقاء في سوريا".

إذا، فإنّ الأردن ومن معها من الدول العربية قد طووا صفحة تغيير النظام في سوريا ويعرفون بأنه نظام ضعيف لا قدرة له على شيء وهو ما يستغلونه بالتحرك المباشر في سوريا عند الحاجة لحماية أمنهم والاتفاق مع الدول الإقليمية والعالمية لتحقيق مصلحتهم في سوريا من دون إهمال التنسيق مع الأسد كونه لا يضرّ، ولو أنهم على يقين بأن الفائدة منه محدودة جدا. يعتقدون أيضا بأن وجودهم في سوريا سيعطيهم فرصة أكبر للعب دور دبلوماسي فيها وإعادة شيء من النفوذ المفقود بعد أن نزعوا عنهم عباءة المعارضة. فإن لم يكونوا في عداد المعارضة فليكونوا في عداد المستفيدين من فتح العلاقات تحت رؤيتهم الجديدة القائمة على الانكفاء على الذات والتخلي عن لعب أدوار متقدمة في المنطقة إلا بما ينعكس عليهم داخليا وبشكل مباشر.

في السنة الماضية لم يتحقق أي من المطالب الخليجية بالتواصل مع الأسد مع إدارك الجميع بأنه ليس صاحب القرار في سوريا

تحت هذه المظلة وفي جواب عن سؤال التوقيت، فإن الدول الخليجية تستغل انشغال الولايات المتحدة الأميركية بالحرب على غزة ومحاولة الأسد تقديم ما تريده الولايات المتحدة منه في هذه الحرب وصولا إلى تفكيرها الجدي بدفع قوات قسد والأكراد نحو النظام، وبالتالي لين موقفها منه والحديث عن الترتيبات في المنطقة التي قد يكون جزءا منها انسحاب الولايات المتحدة من سوريا وتراجع القوات الإيرانية فيها، وبالتالي زيادة حجم الفراغ في دمشق، لذلك شعرت السعودية بأن الوقت مناسب لاستكمال خطواتها في تطبيع العلاقة مع الأسد واستكمال رؤيتها القائلة بأن فتح علاقة معه يبعده عن المحور الإيراني أو على الأقل دفعه نحو التوازن بالعلاقات الخارجية وتخفيف الخطر القادم من التهريب وإعادة التمركز في نقطة استراتيجية في الشرق الأوسط. لكن في السنة الماضية لم يتحقق أي من المطالب الخليجية بالتواصل مع الأسد مع إدارك الجميع بأنه ليس صاحب القرار في سوريا وهو ما عبر عنه وزير الخارجية التركي هاكان فيدان الذي شكك بأهلية النظام السوري لعقد اجتماعات منفردا مع تركي.

خلاصة القول، إن نظرة الدول العربية تحولت مع القيادة الجديدة إلى سياسية براغماتية تقوم على فتح العلاقات مع الجميع مهما بلغ مستوى العداوة فيظل بذلك خط دبلوماسي مفتوح يستفاد منه بطريقة أو بأخرى مع استمرار السعي نحو المصلحة الخاصة للدولة، ولو تطلب الأمر التدخل العسكري المباشر كما يفعل الأردن وتفعل تركيا مع تفضيل عدم استعمال هذا الخيار لتقليل الخسائر دون أن يمنع ذلك من محاولة التقدم الهادئ في الأماكن التي تفيد بنظرهم وتسمح بها الفرصة.

لكن من المهم الإشارة إلى أن هذا الأداء لم ينعكس إيجابا على الدول العربية بل زاد من مطالب الأسد وتشدده فيها، ناهيك عن أن العلاقات الدولية المنفتحة تتطلب شدة عند اللزوم، وهنا يأتي دور المراجعة الجادة، فمن سيحصل أكثر على مكاسب من الولايات المتحدة؟ الدول العربية أم إيران التي تسلّمت بالشدة والتنسيق مع الولايات المتحدة عدداً مؤثراً من العواصم العربية.