ذكرى الثورة السورية بعيون لبنانية

2024.03.22 | 01:25 دمشق

آخر تحديث: 22.03.2024 | 01:25 دمشق

ذكرى الثورة السورية بعيون لبنانية
+A
حجم الخط
-A

ثلاثة عشر عاما على الثورة السورية مرّت كالبرق ومعها أحلام وتطلعات جيل كامل. أكثر من عقد من المشاعر والأفكار المختلطة بين الاندفاع، الفرح، التحدي، الإيمان، الحزن، القهر، العجز، الأمل، التعاضد والأهم التآمر والخذلان.

مطلع الثورات، بدأ الحديث في لبنان بالهمس "معقول تصير؟" فيكون الجواب بالتأكيد "مستحيل!" فقد كان العقل اللبناني الذي خبر النظام السوري يرفض تصديق أن تقوم ثورة في سوريا.

لقد ذبح اللبنانيون لسنوات من السكين نفسه، فكان تعلّق اللبنانيين ودعمهم للثورة السورية لا محدود كما كان تأييد قسم منهم للنظام عجيب فلم تكن بعد قد بردت جمرات الاغتيالات على الساحة اللبنانية وانقسامات 8 و14 آذار. حينذاك هلّلت الأكثرية اللبنانية واعتبرت أن الخلاص اقترب، فعلى الرغم من خروج القوات السورية من لبنان عام 2005 بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، فإن وجود النظام بمحاذاة لبنان كان كافيا لاستكمال شلال الدم اللبناني بالتدفق وكان كافيا لتقويض عُرَا الدولة وتشكيل الشريان الرئيس لدعم حزب الله في وقت يجتاح فيه حزب الله بيروت. قبيل الثورة أدركت الأكثرية اللبنانية أن لا خلاص في لبنان إلا بخلاص في سوريا وأن المصير اللبناني لن يختلف عن مصير سوريا وأن توجه سوريا سيحدد ميلته في لبنان.

هذا الاختلاف في نوعيات الدعم مثّل الحالة العامة للثورة التي وقفت خلفها كافة الشعوب، ولكن قابلتها القلة المسلحة، فعَلَا صوت البراميل المتفجرة على أصوات القلوب والحناجر

خرجت الثورة بشعاراتها مشابهة لشعارات 14 آذار المطالبة بالحرية فوق كل شيء فاندفعت الأكثرية اللبنانية تأييدا لها. هذه الاندفاعة التي كانت اندفاعة بالصوت والمساعدات قابلتها اندفاعة مغايرة، فخرجت جحافل حزب الله لتحمي النظام وخط إمدادها الاستراتيجي وراحت من خلفها حملاتها الإعلامية تروج بأن الحزب يحارب "التكفيريين" و"يحمي المقامات" وغيرها من الشعارات التي تخفي خلفها أهدافا جيوسياسية.

هذا الاختلاف في نوعيات الدعم مثّل الحالة العامة للثورة التي وقفت خلفها كافة الشعوب، ولكن قابلتها القلة المسلحة، فعَلَا صوتُ البراميل المتفجرة على أصوات القلوب والحناجر.

استغل النظام أساسيات الربيع العربي، ولكن على طريقته فالثورة أكدت أن الحدود بين الدول العربية وهمية وأن القلوب واحدة، ولكن النظام وداعميه أدركوا ذلك على طريقتهم فدفع حزب الله ومن معه لمساعدة النظام في مساعيه في القضاء على شعبه. هذا الاتصال الذي صهر القلوب العربية ترجمه حزب الله ومحوره مصلحة، فخرج مُستقويا "بالانتصارات على الشعب في سوريا" ومحاولة ترجمتها سياسيا في لبنان، وهو ما كان فبقوة السلاح في الداخل اللبناني وخارجه وصل الرئيس ميشال عون حليف حزب الله لرئاسة الجمهورية.

معاناة السوريين من تفرق وتشتت المعارضة وغياب رؤيتها المشتركة وكثرة السماسرة شابهها الواقع اللبناني، فالأكثرية المعارضة للدويلة تصارعت لمصالح ضيقة وغابت عنها الرؤية المشتركة سامِحاً للحزب وغيره بالاستقواء عليها.

إضافة إلى ذلك، فقد رأى اللبنانيون الخذلان الذي تعرض له الشعب السوري وكيف تركوا في منتصف الطريق مقابل تكاتف وتعاضد كبير في الجهة المقابلة، فعرفوا الواقعية السياسية وضعف القريب ومصلحة البعيد قبل أن يرَوها اليوم في عدوان غزة بالشكل نفسه ويستذكرونها يوميا. فالدول اليوم لا تحاور لبنان ولا تكترث به، بل تفاوض حزب الله وتقدم له ما يريد مقابل مصالحها في أماكن ثانية، تاركة الشعوب تهيم على وجهها ممسكة بالحق في يدها، ولكن مستوحشة من الواقع الذي لا يتقبل هذا الحق.

التعاضد الشعبي الإنساني تمثّل في استقبال اللبنانيين للسوريين بصدر رحب وباستراتيجية كانت معتمدة، وهي تثبيت الثوار باحتضان عوائلهم وأقربائهم فحاولوا المساعدة قدر المستطاع، ولكنهم واجهوا مجددا معضلة العين والمخرز. في المقابل، استثمر ودعم المتطرفون لتشويه صورة الثوار وعوائلهم والسوريين عامة والانقضاض عليهم وعلى بيئتهم وداعميهم لمحاصرة الثورة من كل جوانبها، وإغلاق منافذ الدعم الإنسانية مقابل فتح مخازن الأسلحة على مصراعيها لقتل الشعب السوري أينما حل وارتحل.

حاولت الطبقة الحاكمة في لبنان تصوير مشكلته على أنها مشكلة اللاجئ السوري لتخرج مظاهرات 17 تشرين مؤكدة على مشكلات لبنان الحقيقية، من دون أن تذكر أي من المظاهرات في أي مكان كان أي صلة للجوء السوري بالانهيارات اللبنانية.

لو وصل الشعب السوري لمراده لكان الحاضر الأول في إعانة غزة وكان الحاضر الأول بمحاولة إيجاد الحلول للانهيارات اللبنانية

يجلس اللبناني اليوم ناظرا إلى غزة والمجازر والخذلان الذي تتعرض له فيستذكر حاله وحال الثورة السورية فيتفطّر القلب وهو يدرك أن حلول الشعوب في المنطقة لن تكون إلا سلّة واحدة. فكما تفاوض المحاور على مصالحها برزمة مشتركة تدرك الشعوب اليوم أن مصيرها واحد وأن أي تغير في بلد سينعكس مباشرة على الآخر، فتسقط من العقول نظريات القومية الضيقة وتفرق الشعوب ويحضر المصير والمسار المشترك. فأين اليوم شعارات محور المقاومة التي أكدت أنها بالدفاع عن النظام في سوريا تدافع عن فلسطين؟ أين دفاع النظام عن فلسطين اليوم؟ المؤكد أنه لو وصل الشعب السوري لمراده لكان الحاضر الأول في إعانة غزة وكان الحاضر الأول بمحاولة إيجاد الحلول للانهيارات اللبنانية.

اليقين اليوم من اللبنانيين بكل توجهاتهم هو أنه لا حل في لبنان من دون حل في سوريا، ولا ديمقراطية وحرية واستقلال في لبنان من دون تحقيق شعارات الثورة السورية، وحتى حين يستمر السعي لذلك من دون يأس، ولكن مع إدراك حقيقة الدنيا الظالمة فتنقلب الدنيا بأهلها لتعود للشعار الخالد "يا الله ما إلنا غيرك يا الله".