الملف السوري والمحادثات التركية - الأميركية

2024.03.13 | 06:36 دمشق

الملف السوري والمحادثات التركية-الأميركية
+A
حجم الخط
-A

تخوفت معظم دول الشرق الأوسط بعد 7 أكتوبر من ردات فعل داخلية وفي مخيلتها القريبة ذكريات ثورات الربيع العربي، فتصرفت بحنكة داخلية جعلتها تحافظ على ضبطها لشوارعها مع إدراكها لإمكانية أن تكون الحرب وموقفها الذي يعتبر دون مستوى المطلوب- شعبيا على أقل تقدير- قد أوقدت نارا لم يخفها إلا رماد الخوف من البطش والجوع، والذي يخشى أن تعصف بالرماد حوادث الفترات المقبلة في هذا الجزء الخطر من العالم.

لم ينعكس هذا الخوف من معظم حكام الشرق الأوسط على تحركاتهم وعلاقاتهم الخارجية، التي ظل المحرك الأساسي لها المصلحة المبنية على انتهاء فترة الربيع العربي ومحاولة العودة لما قبلها.

بالنسبة لتركيا التي كانت آخر من طوى هذه الصفحة تتحرك منذ قبيل الانتخابات الرئاسية بذهنية مختلفة قائمة على العودة لتصفير المشكلات ابتداء، وتعميق العلاقة مع الدول العربية والغرب، وهو ما حمل عليها سخطا شعبيا بسبب مواقفها العملية من طوفان الأقصى والإبادة الجماعية التي تمارس في غزة، على اعتبار أن المواقف التركية المعتادة في السنوات الماضية كانت ذات سقف أعلى ومتمايزة عن الدول العربية، وهو ما جعل الشريحة البعيدة عن التحليل الموضوعي للواقع تتفاجأ من المواقف التركية عقب طوفان الأقصى.

هذه الذهنية الخائفة على الاقتصاد بالمقام الأول دفعتها لإعادة تحريك وتفعيل العلاقة مع رئيس النظام السوري بشار الأسد، وكثر الحديث عن لقاء الأسد-أردوغان، ولكن سرعان ما اضطرب مسار إعادة العلاقات وبالتالي فشلت العلاقة في الوصول لمستوى التقاء الرئيسين.

مرونة الحركة التركية في الإقليم كانت واضحة، فعلى الرغم من أن الخط العام واضح للجميع إلا أن التفاصيل التكتيكية تتغير بحسب المعطيات والتغيرات على الأرض، مدفوعة بالمصلحة والطريق الأقصر للهدف.

حققت تركيا مكسبا غير مباشر في سوريا وهو مد خط إضافي وتعاوني أوسع مع الروس عبر الدخول في النقاش حول النظام السوري، وفتح القنوات معه وإن لم توصل حتى الآن إلى خلاصات حقيقية. النظرة التركية الأخيرة للتعامل مع النظام السوري لم تخف وعبّر عنها وزير خارجيتها في مقابلته المتلفزة على قناة "A Haber" التركية، مؤكدا بأن نظام الأسد لا يمتلك قراره وبأن قراره ينتظر شركاءه، مؤكدا بأنه لا يستطيع اتخاذ قرارات منفردة إضافة لكونه يضع شروطا مسبقة للعلاقة الدبلوماسية وهي التي تعتبر طريقة خاطئة بحسب فيدان.

يبدو أن تركيا اقتنعت بأن تقديم أي تنازل للنظام غير مفيد والأجدى هو الحديث المباشر مع الأطراف الأهم والفاعلين الحقيقيين، أبرزهم بالتأكيد الولايات المتحدة وروسيا

تصريح فيدان يعبر عن النظرة التركية للنظام في سوريا. فما تريده تركيا في سوريا ليس النظام من يستطيع أو يمنع تقديمه. فتركيا مهتمة بعدة ملفات أبرزها الوجود التركي في الشمال السوري وأمن الحدود المشتركة، ووضعية قسد والأكراد على الحدود مع تركيا، واللاجئون السوريون على الأراضي التركية إضافة طبعا لاهتمام تركيا البالغ بمستقبل سوريا السياسي العام بما فيه من انعكاسات مباشرة على الداخل التركي وعلى علاقات أنقرة الدولية. يبدو أن تركيا اقتنعت أن تقديم أي تنازل للنظام غير مفيد والأجدى هو الحديث المباشر مع الأطراف الأهم والفاعلين الحقيقيين، أبرزهم بالتأكيد الولايات المتحدة وروسيا.

من هذه الزاوية يمكن النظر إلى الجانب السوري من الورشة الأخيرة بين الولايات المتحدة وتركيا، وهي ما عبر عنها بأنها محادثات شاملة تشمل مختلف قضايا المنطقة ومنها سوريا، وإن لم تكن أبرزها في الظرف الراهن. فبحسب رويترز فإن اللقاءات التي تجمع في وزارة خارجية الولايات المتحدة كبار المسؤولين الأميركيين والأتراك وعلى رأسهم سفراء خارجية البلدين تتناول مختلف المواضيع المشتركة، من الحرب في غزة والحرب الروسية الغربية في أوكرانيا ومسائل الطاقة ومكافحة الإرهاب والتعاون الدفاعي وسوريا بالتأكيد.

بالنسبة للملف السوري فتراعيه أنقرة من عدة جوانب، أولها هو وصولها لقناعة عدم جدوى الحديث مع الأسد وضرورة الحديث مع الرعاة أو من يقابلهم. ثانيا، أن تركيا في علاقتها في سوريا تراعي العلاقة مع الولايات المتحدة وروسيا والعكس. فتركيا لديها مصالح مشتركة مع كلا البلدين في أماكن وملفات مختلفة تؤثر وتتأثر على الملف السوري.

تنظر أنقرة بتوازن بالغ لعلاقتها بروسيا من جهة والولايات المتحدة من جهة أخرى وهما على طرفي نقيض في معظم الملفات

الإشكال مع الولايات المتحدة في سوريا جوهره واضح. فالبلدان وإن اتفقا على محاربة تنظيم الدولة فإنهما يختلفان على الطريقة. فالولايات المتحدة دعمت، ولا تزال، قوات سوريا الديمقراطية لمحاربة تنظيم الدولة، ولبسط نفوذها في سوريا بطبيعة الحال، إلا أن أنقرة ترفض هذا الدعم لما فيه من تعزيز للقوى الكردية بنزعاتها الانفصالية.

بالإضافة إلى أن قوات قسد تنظر أنقرة بتوازن بالغ لعلاقتها بروسيا من جهة والولايات المتحدة من جهة أخرى وهما على طرفي نقيض في معظم الملفات. إن الحديث مع النظام وفتح العلاقة معه يعتبر جزءا من هذه الموازنة وتعزيز التواصل مع روسيا مع إدراك أنقرة لصعوبة ترميم العلاقة أو الاستفادة منها، وهو ما تيقنت منه مؤخرا فاندفعت للتفاهم على الملف السوري وغيره مع الرعاة مباشرة، مستغلة موقفها "المرضي عنه غربيا" في حرب غزة، فتفح على إثره التواصل مع الولايات المتحدة دون التأثير بطبيعة الحال على العلاقة مع الروس.

بالمحصلة، فإن تراجع التواصل بين النظام في سوريا وتركيا لا يعني تراجع أو تغير طبيعة الاهتمام التركي فيها، بل جل ما حصل هو تعديل بسيط في التركيز لا أكثر بتأكيدهم عدم جدوى التعويل على التواصل المباشر مع الأسد، والتركيز على مواطن القرار الدولي والسوري.