تعمّق الجرح الإيراني مستمر

2024.04.11 | 07:25 دمشق

6428888888888
+A
حجم الخط
-A

منذ أيام طوفان الأقصى الأولى فتحت أوراق الاستراتيجية لغالبية اللاعبين فحيّد النظام السوري نفسه عن المعركة بشكل شبه تام، كما أن إيران بدت مربكة وقد زجت في سياق لم تحسب له حساب فسارعت للملمة الأوراق ولم تتوان عن الإعلان عن أنها لا تريد فتح حرب شاملة مع إسرائيل بل تكتفي بالمساندة، وبين هذين الخطين تستغل إسرائيل المشهد لضرب صف قيادي ميداني أساسي لحزب الله وكذلك تقطيع أوصال محور المقاومة من خلال تكثيف الضربات لقيادات إيران العسكرية في سوريا مستغلة المؤشرات التي تطرحها إيران بعدم رغبتها في التوسع وكذلك صمت النظام السوري الذي يتوقع أن يستمر.

آخر هذه الضربات وأخطرها كانت ضربة القنصلية الإيرانية في دمشق بداية نيسان الجاري والتي أسفرت عن 16 قتيل حتى يوم الأربعاء بحسب "المرصد السوري لحقوق الإنسان" موزعين بين ثمانية إيرانيين وخمسة سوريين ولبناني يتبع لحزب الله معظمهم عسكريين باستثناء اثنين من المدنيين.

أبزر من طالهم الاغتيال هو العميد محمّد رضا زاهدي وهو قائد فيلق حرس الثورة لسوريا ولبنان بحسب قناة العالم الإيرانية كما قضى معه مساعده العميد محمد هادي حاج رحيمي إضافة إلى مستشارين آخرين. على إثره وفي اليوم التالي، أعلن الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي أن الهجوم على السفارة لن يمر دون رد، بينما أكد سفير إيران لدى سوريا حسين أكبري على أن الهجوم تم بطائرتين مقاتلتين من طراز إف-35، مضيفا أن "هذا الهجوم سيكون له ردنا العنيف".

الاستهداف الأخير يعتبر نوعي بكل المقاييس، فالشخصية المستهدفة نوعية ومن القلاقل المتبقين من جيل قائد فيليق القدس السابق قاسم سليماني، والاستهداف طال منشأة دبلوماسية إيراني أي الاستهداف يعتبر مباشرا للأراضي الإيراني وكلا الأمرين يعطي انطباعا بأن إسرائيل لا تأبه بالرد الإيراني بل هي تستجلب الرد الإيراني لتوسيع الحرب القائمة حاليا.

كل قواعد الاشتباك التي روج الإيراني بأنه يحافظ عليها في السنوات الأخيرة تقهقرت من التجرؤ على قيادات الحرس الثوري وتوابعه ذات الرتب العليا إلى استهداف الأراضي الإيراني عبر منشآتها الدبلوماسية. فالإيراني الذي تفوق تاريخيا لأنه يقدم نفسه كراعي للمقاومات والميليشيات التي تستعد أن تضحي وتخاطر أمسك اليوم من اليد نفسها عبر إدراك إسرائيل بأنه هذه المرة غير مستعد لرفع السقف والانجرار لحرب أوسع فيكون بذلك توسيع الضربات إلى قياداته ونقاطه الحساسة مفتوحا، فاحتمالية الرد الإيراني القاسي تفيد إسرائيل عبر توسيع الحرب وعدم الرد أيضا يفيد إسرائيل فيكمل في عملياته تجاه إيران خاصة في سوريا التي لا تستطيع إيران تركها لذتها ولكونها شريان المحور الأساس.

بالمقابل، فإن إيران مأزومة في العمق فهي إن ردت دخلت في نفق لا تريده وإن لم ترد ظهرت بضعف غير مقبول لذلك توعدت بالرد، وهو ما سيكون، ولكن وفق قاعدتين الأولى أن يكون الزمان مناسبا والثانية أن يكون الحجم متوازنا فيكون بحجم الضربة التي تلقتها الجمهورية الإسلامية ولكن دون مستوى يؤدي إلى انفلات عقد الحرب، وفي هذا توازن من الصعب تحقيقه.

ففي لبنان نموذج مصغر، حزب الله يوازن بين الرد وعدم الرد الموسع لعدم الانجرار للحرب فيظهر حتى الآن بأنه الأضعف مقارنة بإسرائيل التي تقصف المدنيين دون أن يكون الحزب قادراً على فعل ذلك فيكتفي بالعسكريين للحسابات المذكورة. ينطبق الأمر نفسه، ولكن بشكل موسع على إيران فهي لن تستطيع أن تضمد جرحها العسكري بسهولة وهي تقف اليوم أمام تحدي مصيري ولا تضمن توقف الضربات الإسرائيلية، بل من المفترض أن تتوقع توسعها في حال التراجع.

أخرج طوفان الأقصى رئيس النظام السوري بشار الأسد رسميا من محور المقاومة

.

ليس هذه معضلة إيران وحدها مع طوفان الأقصى، فبالإضافة للضربة التي تلقتها في فلسطين عبر العمل الدولي على ضرب حماس وخوف إيران من إبعادها شبه التام عن قلب مشروعها، فلسطين، أخرج الطوفان رئيس النظام السوري بشار الأسد رسميا من محور المقاومة وهو ما توضح عمليا من خلال غيابه التام ميدانيا وسياسيا وكذلك إعلاميا. فقد غاب الأسد تماما عن فعالية "منبر القدس" التي ضمت قادة محور المقاومة من كل الدول، وألقوا خطاباتهم في يوم واحد بمناسبة "ذكرى يوم القدس العالمي".

وفي هذه الفاعلية تحدث كل من الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين زياد النخالة، أمين العام لحركة "النجباء" أكرم الكعبي، وزعيم جماعة أنصار الله عبد الملك الحوثي، دون أن يكون هناك أي وجود للنظام السوري ولو بمستوى متدن وفي هذا إعلان من المحور نفسه عن فقدانه أحد نقاط ارتكازه الأهم بشار الأسد.

إن كل يوم يمر على طوفان الأقصى تتراجع فيه إيران خطوة إلى الخلف، ولكنها تحاول التعويض من خلال مكتسبات سياسية.

حتى لو صوّر المحور بأنه وبغرض تكتيكي يبعد النظام السوري عن المحور بالتنسيق معه وبأن أي من الوقائع لم ولن تتغير، فإن الواقع بخلاف ذلك فإن سحب الأسد يده من إيران في سوريا عمّق وسهّل الطريق للنيل منها ومن وحلفائها في سوريا دون اكتراث من النظام.

إن كل يوم يمر على طوفان الأقصى تتراجع فيه إيران خطوة إلى الخلف، ولكنها تحاول التعويض من خلال مكتسبات سياسية عبر التواصل المكثف مع الولايات المتحدة وفتح خطوط تواصل موازية منها التواصل الاستخباري بين حزب الله والإمارات وغيره من الخطوط التي عززتها الحرب ولم تضعفها وتعول عليها إيران للالتفاف على الخسائر، ولكن النهج الإيراني في العقود الأخيرة أثبت لها بأن التراجع العسكري على الأرض لا بد من انعكاسه سياسيا مهما تكثّف التواصل السياسي.