الحديث عن الانسحاب الأميركي من سوريا والعراق.. حدث جديد أم استراتيجية ثابتة؟

2024.02.06 | 07:03 دمشق

القوات الأميركية في شمال شرقي سوريا وهي تستعد للخروج في دورية في المنطقة - المصدر: فوربس
+A
حجم الخط
-A

ردّت القوات الأميركية على مقتل ثلاثة من جنودها وإصابة عشرات آخرين بهجوم تعرضت له على الحدود الأردنية السورية، بـ85 ضربة على مواقع تابعة للحرس الثوري الإيراني في سوريا والعراق.

وفي الوقت نفسه انتشرت الأنباء عن تفكير أميركي جدّي في سحب قواتها المتبقية في سوريا والعراق، فمن المعلوم أن الحرب في غزة توسّعت منذ اليوم الثاني لعملية 7 أكتوبر/ تشرين الأوّل 2023، وانتقلت إلى العراق وسوريا والبحر الأحمر.

غير أنّ الردود الأميركية داخل الأراضي العراقية أزعجت الحكومة وهو ما عُبر عنه أكثر من مرة، كان آخرها اعتبار رئيس الوزراء العراقي في بيان له أن الهجمات الأميركية في العراق "تجاوز على سيادة العراق بشكل سافر"، ومن شأنها أن تؤدي إلى "تصعيد غير مسؤول".

لم يكن هذا التصريح يتيماً، فقد قالت وزارة الخارجية العراقية إن المباحثات الدائرة حاليا بين جانبها وبين واشنطن ستكون مهمته "صياغة جدول زمني محدد وواضح يحدد مدة وجود مستشاري التحالف الدولي، ومباشرة الخفض التدريجي المدروس لمستشاريه على الأرض العراقية".

إن التفكير في سحب هذه القوات من سوريا والعراق لا يتعارض مع الردود الأميركية القاسية، كونها أتت بعد ترتيب غير مباشر مع القوات الإيرانية عبر تحذيرات أميركية متكررة وسحب إيران لقيادات حرثها الثوري من سوريا وغيرها من الإجراءات التنسيقية غير المباشرة..

يذكر أن 2500 عسكري أميركي متمركزون في العراق على رأس قوات التحالف الدولي الذي أنشئ لمكافحة تنظيم داعش، عام 2014، إضافة إلى نحو 900 عسكري أميركي في سوريا، ويُبحث في إمكانية سحبهم من البلاد.

إن التفكير في سحب هذه القوات من سوريا والعراق لا يتعارض مع الردود الأميركية القاسية، كونها أتت بعد ترتيب غير مباشر مع القوات الإيرانية عبر تحذيرات أميركية متكررة وسحب إيران لقيادات حرسها الثوري من سوريا وغيرها من الإجراءات التنسيقية غير المباشرة، والتي تؤكد بسعي الطرفين لتهدئة الجبهات الإسرائيلية الشمالية والترتيب لتنسيق أوسع في المرحلة المقبلة.

لا يأتي هذا البحث من خارج السياق العام وليس الموضوع بنات ساعته، ولكنه يأتي ضمن مسار طويل من التفكير الأميركي في السياسة الخارجية تجاه الشرق الأوسط، فالولايات المتحدة دائما ما كانت تندفع في بداية الأعمال ولكنها تعيد بعد مدة من الزمن حساباتها فيثقلها تحمل أعباء وجود جنود في هذه البقعة إن من الناحية العسكرية كونها عرضة للاستهداف الدائم والسهل نوعا ما، ويجبر الولايات المتحدة على الرد ويستدرجها للرد والرد المضاد التي هي بغنى عنه، ومن الناحية الشعبية كون الشعوب عادة ما تنسى المنطلقات بعد مدة من الزمن وتدفع نحو إغلاق الملفات بأي ثمن وتضغط على الإدارات الديمقراطية بهذا الهدف دون أن يكون لهم دراية بالحسبة الاستراتيجية، فضلاً عن دوافع اقتصادية عبر ضغط بعض الأجنحة والقواعد لتحويل التمويل المرصود لهذه العساكر نحو ملفات أكثر أهمية بنظرهم.

تبرز كل هذه الاعتبارات عند المحطات أو المتغيرات، فاليوم تتعرض القوات الأميركية التي تقارب الـ2900 عسكري إلى وابل من الضربات بمعدل أكثر من ضربة يومياً.

هذه الضربات المكثفة إلى جانب المطالبة الرسمية العراقية والعقلية الأميركية كما ذكرنا، يجتمع لها عامل إضافي في هذه الحرب وهو محاولات رئيس النظام السوري بشار الأسد إعادة تقديم نفسه عبر لجم أي عملية عسكرية من سوريا باتجاه إسرائيل ومحاولة إحداث تغيرات داخلية توحي بأنه يحارب الفساد داخل النظام.

ليس ذلك فحسب، فقد ذكر موقع "المونيتور" بأن الإدارة الأميركية الحالية طرحت الحاجة لإحداث تقارب بين "قوات سوريا الديمقراطية - قسد" (التحالف الذي تستخدمه واشنطن للسيطرة على الشمال ويتزعمه الأكراد) والنظام السوري، وتم اقتراح تشكيل لجنة بين الإدارات للتشاور بالأمر.

ورغم نفي البيت الأبيض إمكانية الانسحاب في تعليق لقناة العربية، إلا أن لا دخان بلا نار ومجرد بحث الأمر اليوم يعني إمكانية إنفاذه في وقت قريب لاحق ولو على مراحل، وهذه حال القرارات التي تبدأ بالتسريبات قبل أن تصيح قرارات نافذة في نهاية الأمر.

الانسحاب ليس جديداً على الإدارات الأميركية، فقد سحبت قواتها بشكل مفاجئ من عدة مناطق ومن دون حسبة استراتيجية هادئة كالذي حدث في سوريا مع ترامب وفي أفغانستان مع بايدن، وهو ما يؤكد بأن الأمر ليس بحدث عابر ولكنه نهج مختلف الإدارات.

إن الانسحاب من سوريا والعراق من شأنه كما دائما أن يعزز وجود منافسي الولايات المتحدة في المنطقة، فالخروج دون تحقيق تغيير سياسي أم عسكري يوحي لـ"الأسد" بالانتصار في سوريا وبأن استراتيجيته "التقاربية مع الغرب" قد نجحت في إقناع الإدارة الأميركية وسيدفعه بشكل أكبر لمحاول مد نفوذه بشكل أكبر في سوريا.

هذا العمل يشكل ضربة إضافية لثقة حلفاء الولايات المتحدة في إمكانية الاعتماد عليها في حمايتها وهذا الأمر ينطبق على قوات قسد والأتراك وكذلك الخليج والأردن الذين سيعتبرون بأن نتيجة هذا الانسحاب الأول والأهم هي توسع النفوذ الإيراني على حسابها..

أما المستفيد الأوّل فستكون إيران التي ستؤكد بأن استراتيجية حلفائها في سوريا والعراق نجحت في "طرد الولايات المتحدة منها"- على حد التعبير الذي سيكون- وهو انتصار يعطيها دفعة معنوية كبيرة تعزز وجودها على الأرض في كلا البلدين والمنطقة كما يرفع معنويات أذرعها الأخرى للثبات على استراتيجياتها- وإن كان لذلك ترتيب تكتيكي بانسحابات إيرانية سرعان ما تستردها لقرب المسافة وتجذر العقلية الميليشوية.

كذلك، فإن هذا العمل يشكل ضربة إضافية لثقة حلفاء الولايات المتحدة في إمكانية الاعتماد عليها في حمايتها وهذا الأمر ينطبق على قوات قسد والأتراك وكذلك الخليج والأردن الذين سيعتبرون بأن نتيجة هذا الانسحاب الأول والأهم هي توسع النفوذ الإيراني على حسابها ولعل التسريبة نفسها تأتي في إطار الضغط على الدول العربية للانصياع للمطالب الأميركية بما يخص الشأن الفلسطيني-الإسرائيلي.

مرة جديدة تؤكد الولايات المتحدة الأميركية لمعارضيها بأن الصبر في وجهها يأتي بنتيجة أكثر من الانصياع التام لها، وبأن على حلفائها الحذر كون الاعتماد عليها غير مضمون ودعمها يتوقف وينتهي في أي لحظة.