بعيداً عن نظرية المؤامرة.. هل اتفق العالم على إذلال السوريين؟

2024.05.01 | 06:36 دمشق

5888888888888888888888888888888888888888888
+A
حجم الخط
-A

هل هو أمر طبيعي أن يشعر السوريون بوجود اتفاق دولي غير معلن، يقضي بمعاقبتهم على ارتكابهم "فاحشة" الثورة ضد نظام الاستبداد، الذي حكمهم وما زال منذ عام 1970؟

وأن آليات تطبيق العقوبات بوشر بها، منذ أن انطلقت صيحات الحرية في شوارع بلدات ومدن البلاد؟!

قد يرى بعضهم أن هذا الشعور خاطئ، فيحاججون أصحابه بعشرات التفاصيل، التي تذكرهم بأدوار لعبتها دول عربية وإقليمية، وأخرى حول العالم، في سبيل إيجاد حل للكارثة التي حلت بهم.

وفي الحقيقة، إن ما يمكن أن يساق هنا، في هذا المسار، لن يكون بإمكانه شطب الحقيقة الراسخة في عقول النازحين واللاجئين والأهالي، الذين ينتظرون أخباراً عن معتقليهم أو مفقوديهم، وأيضاً أولئك الذين قتل الأسد أحبابهم، وما برحوا ينتظرون عدالة الأرض، أو عدالة السماء، كي تأتي بما عجز أهل البلد عن فعله، وأن تنتهي رحلة الإفلات من العقاب لنظام، بات عنواناً لأبشع مراحل التاريخ الحديث، لجهة تخلفه وقمعيته ودمويته!

الإذلال! نعم هذه هي الكلمة التي تختصر الشعور بعد مرور 13 سنة على انطلاق ثورة لم تهدف فقط إلى استعادة المجتمع لحريته وعافيته، وبما يضمن العدالة والرفاه لأفراده

كما أن مراجعة الأدوار التي لعبها المتدخلون في "الأزمة"، لا تُبعد أصحابها عن دائرة اللوم والاتهام في أنها لم تكن صادقة، في جهودها، من أجل الذهاب نحو حلول ناجعة، تنهي الفظائع التي ارتكبها الأسديون في الأعوام الأولى، لا بل إنها كانت تتصرف من دون إحساس بالمسؤولية! حتى إن الباحث برتران بديع صاحب كتاب "زمن المذلولين" الصادر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في العام 2015، قدم تشخيصاً مُبكراً عن المآلات التي تنهج التدخلات صوبها، فالقوى الغربية "تتنصل وتتريث" في حل الوضع، الذي بات يتعقد يوماً بعد يوم، وصولاً إلى أن الدول التي تحكمت بالملف وسمّيت باسم "أصدقاء الشعب السوري" صارت تتعاطى معه بطريقة تتراوح بين "اللامبالاة الحذرة وبين المصادرة المقلقة، لا بل المذلة للملف السوري"! (ص 171).

الإذلال! نعم هذه هي الكلمة التي تختصر الشعور بعد مرور 13 سنة على انطلاق ثورة لم تهدف فقط إلى استعادة المجتمع لحريته وعافيته، وبما يضمن العدالة والرفاه لأفراده، بل هدفت أيضاً إلى إصلاح شكل العلاقة بين بلدهم ودول العالم، وعلى وجه الدقة: التخلص من الدور الوظيفي الذي اتسمت به فعالية وحضور النظام الأسدي دائماً.

يرتبط الهدف الأول بشكل طبيعي بغاية أساسية، هي إنهاء أسلوب الإذلال العنيف الذي لطالما مارسته الطغمة الحاكمة ضد الجماعات والأفراد، وقد سبق لكاتب هذه السطور أن وصف بعض ملامح هذا الأسلوب في مقالة حملت عنوان "الإذلال عقيدة النظام وصورته" ونشرت هنا قبل ست سنوات.

ذهبوا إلى منع تمكين المؤسسات المعارضة من الملفات الملحة، وعلى الأخص تلك المرتبطة بحاجيات الأفراد، كضرورة تجديد جوازات السفر، والقدرة على الحصول على الشهادات والوثائق التعليمية، وغيرها.

غير أن الهدف الثاني والذي يتماس مع ما اعتاده العالم أجمع من ممارسات النظام على كل المستويات، لم يكن بالإمكان أن يوضع على طاولة البحث، طالما أن الأسد ما زال في قصر المهاجرين، فهو يتحكم بالأوراق المتاحة بين يديه، وهي لا تبدو كثيرة بعد سنوات من "عزلته" الظاهرة، لكنها تظل مؤثرة، طالما أن ثمة جهات دولية تستفيد من استمراريته، وقد فهم جميع المشاركين في الملف من غير السوريين هذه الحقيقة، فذهبوا إلى منع تمكين المؤسسات المعارضة من الملفات الملحة، وعلى الأخص تلك المرتبطة بحاجيات الأفراد، كضرورة تجديد جوازات السفر، والقدرة على الحصول على الشهادات والوثائق التعليمية، وغيرها من تفاصيل مهمة في حيوات الناس. كما تم منع المعارضة المسلحة من الحصول على أسلحة تمكنها من إحداث فرق في المعارك التي استمرت، حتى تاريخ التدخل العسكري الروسي في العام 2015.

وفي الوقت نفسه اشتغلت الميديا بأجندات سياسية فاقعة الحضور، على تغيير ملامح القضية السورية، لتصبح حرباً أهلية، بدلاً من ثورة سلمية تحولت إلى صراع مسلح، وكذلك تبديل قواها الفاعلة من معارضة سياسية ذات أهداف مشروعة ومحقة، إلى تنظيمات جهادية، يجب أن توصم بالإرهاب وأن توضع كلها في قفة داعش والقاعدة!

في وقت ما، كانت حجة المجتمع الدولي لعدم تدخله فعلياً في حسم الصراع، هي عدم توفر البديل عن النظام، وتفرق المعارضة، ليتكشف الأمر بعد مرور سنوات، وباعتراف بعض من كانوا على رأس عملهم الدبلوماسي، أن كل ما سبق لا يعدو أن يكون حجة، تم استخدامها من أجل استثمار الوقت، بغية الوصول إلى تفاهمات مصلحية فيما بينها!

قصة السورييين ومنذ أن وضعت على الطاولة، لم تعد خاصة بهم، بل إنهم فقدوا أي دور محتمل في مساراتها، كما أن عليهم أن ينصاعوا لكل الإملاءات التي تصدر عن الدول الأخرى.

وبينما كانت عجلة التوحش في هذا الوقت المهدور تدهس حيوات عشرات ومئات الآلاف من القتلى، ممن توقفت مؤسسات الأمم المتحدة المعنية عن عدهم، كان الاسترخاء الدولي يفسح المجال لروسيا أن تستعد للتدخل عند أول تهديد عسكري كبير يحيق بالنظام الأسدي.

إحساس الضحايا بما وقع عليهم داخلياً وخارجياً، لا يخرج عما تحدث عنه صاحب كتاب "زمن المذلولين"، فالإذلال ليس مجرد كلمة فجة لتوصيف إحساس شخص أو جماعة، بل هو عنوان لسياسة محددة، تقتضي الحفاظ على المصالح، عبر إجبار الطرف المقهور على القبول بها والتسليم بأن مصيره ليس بيده، وهذا ما انتهى إليه حال السوريين الذين باتت قناعاتهم لا تخرج عن هذا التلخيص، فقصتهم ومنذ أن وضعت على الطاولة، لم تعد خاصة بهم، بل إنهم فقدوا أي دور محتمل في مساراتها، كما أن عليهم أن ينصاعوا لكل الإملاءات التي تصدر عن الدول الأخرى، وفي مقدمتها وضعهم كلاجئين، أو طالبي لجوء! حتى وإن كانت هذه الإملاءات تخالف القوانين والشرائع الدولية!

تتكرر صور الأفعال الشائنة المرتكبة بحق اللاجئين، كما أن آمال طالبي اللجوء منهم، بالخروج من المعتقل الكبير تتضاءل، خاصة أن العالم كله بات يتبرم من مأساتهم، ويمنح القاتل الذي أجرم بحقهم فرصاً إضافية للاستمرار، فيضيق النوافذ على الحالمين بالحصول على فرص الحياة الكريمة، ويعمل على إعادتهم مكسورين مهانين إلى العيش تحت حكم آل الأسد، ويمكن اعتبار ما تسعى إليه قبرص اليونانية في هذه الأيام بالاشتراك مع الحكومة اللبنانية خطوات في هذا المسار.

لا ينتهي حال المذلولين بالرضوخ دائماً، وهم إن صمتوا فإنهم يتحينون الفرصة لاسترداد حيواتهم وكرامتهم، وبعضٌ من هؤلاء يفعل ذلك بأساليب سلمية، ولا تنكر وقائع التاريخ أن بعضهم الآخر يسترد كرامته من خلال أفعال مختلفة تبدأ بالاحتجاج، ولا تنتهي بإشعال حروب الانتقام.