هل تصلح الثورات ما أفسدته الأنظمة؟

2019.10.23 | 16:27 دمشق

thumbs_b_c_be8d038c2b75a91b2c5586073acd61bf.jpg
+A
حجم الخط
-A

رغم أن توقع الثورة في أي بلد عربي صار أمراً ممكناً في الأشهر الماضية، وبما يمثل موجة ثانية لثورات الربيع العربي، إلا أن التفكير بتأثير سريع لأي حراك على واقع مجتمعه قد لا يأتي بالكثير لكون هذه الثورات تواجه فعلياً مشكلات تراكمت خلال عشرات السنين، ربما تحتاج معالجتها سنوات طوال من الجهد والعمل.

وضمن هذا التصور يتم طرح سؤالٍ حول إمكانية أن تصلح الانتفاضة اللبنانية الحالية أيضاً الواقع الراهن بين الشعبين السوري واللبناني بعد أن أزمنت مشكلاته وتقيحت منذ عقود!؟

غير أن الجميع يعرف أن "سنونوة واحدة لا تكفي لقدوم الربيع" بحسب المثل الشهير، إذ لا تكفي الشعارات التي صرخ المحتجون بها وأكدت على الترحيب باللاجئين في مواجهة العنصرية التي رعتها الطبقة السياسية اللبنانية طيلة السنوات الماضية، وكذلك لا يكفي تفاعل السوريين الثائرين الواسع مع المحتجين اللبنانيين، لتغيير الواقع الآسن الذي يفصل بين الضفتين السورية واللبنانية، فهو ليس وليد السنوات السابقة فقط، بل هو يرجع إلى سبعينيات القرن الماضي. فمنذ تدخل نظام الأسد في لبنان، إلى تاريخ خروجه في 2005، كانت الحصيلة الدموية والقمعية الوحشية التي عومل

فعلياً لا يوجد أي سبب يجعل الطرفين في صراع يفرق بينهما سوى كونهما محكومين بمنظومة مصالح وتحالفات مبنية على قمع الشعبين واستغلالهما

بها اللبنانيون الغارقون في الحرب الأهلية كافية لأن يكون الشرخ بينهم وبين السوريين أعمق وأشد حضوراً، وعلى ذات المستوى من التأثير جاء تدخل حزب الله في سوريا في 2013، بالإضافة إلى ماجرى طيلة السنوات الماضية من أحداث وأفعال عنصرية ضد اللاجئين السوريين في لبنان، كانت ترسّخ الكراهية والتباعد والبغضاء بين الشعبين!

فعلياً لا يوجد أي سبب يجعل الطرفين في صراع يفرق بينهما سوى كونهما محكومين بمنظومة مصالح وتحالفات مبنية على قمع الشعبين واستغلالهما لصالح النظامين القائمين في البلدين، نظام أمراء الحرب المرسخين عبر اتفاق الطائف في لبنان، ونظام الأسد الذي يحكم سوريا بالحديد والنار منذ عشرات السنين! وضمن هذا الواقع الراسخ، استخدمت القوى المتصارعة (أحزاب، قوى سياسية، زعماء طوائف، ضباط مخابرات سوريين..إلخ) الناس وقضاياهم ومشكلاتهم ليكونوا أدوات في حروبها، فأمسى اللبناني كارهاً للسوري، والعكس صحيح، وعلى هذه الأرضية خلق كل طرفٍ صورة نمطية للآخر غير قابلة للتغيير، وأمعن الإعلام الرسمي السوري وما يشبهه في الجهة اللبنانية في ترسيخ التنميط، عبر ادعاء إنشائي فارغ من محتواه يقول بأن "سوريا ولبنان

فواجع صنعتها ميليشيات حزب الله الطائفية قتلاً وتهجيراً للسوريين على هامش مشاركتها لقوات النظام في حربه على الشعب السوري الثائر

هما شعب واحد في بلدين"، فالتنميط بوصفه مبالغة وتحريف وتشويه وتحديد قسري لصورة الآخر، يقابله في هذه الحالة نفخ وتعظيم في "أخوة" افتراضية، بينها وبين الواقع الحقيقي مسافة شاسعة تتالى على طول أميالها مآسٍ حقيقية للبنانيين قتلهم جيش الأسد وآخرين أذلتهم حواجز قواته ومداهمات مخابراته، وأيضاً فواجع صنعتها ميليشيات حزب الله الطائفية قتلاً وتهجيراً للسوريين على هامش مشاركتها لقوات النظام في حربه على الشعب السوري الثائر!

نتحدث هنا عن الصورة العامة، الشاملة لما يهمس أو يصرح به الناس في مجالسهم، ولا يمكن في السياق نفي وقائع صغيرة تروي تعاضداً وتفاعلاً بين تيارات راديكالية بين البلدين كانت ترى وتؤشر لأساس المشكلة، وكانت تدفع طيلة الوقت أثماناً عظيمة بسبب مواجهتها للسياسات الطائفية والفئوية والتسلطية المتحالفة بين حكام لبنان المتعددين وعلى رأسهم حزب الله، وبين نظام الأسد الابن، وهنا يتذكر المرء إعلان بيروت دمشق في 2006، والذي جمع الفعاليات الثقافية والسياسية والفكرية بين البلدين على هدف واحد هو كف يد النظام السوري في لبنان، حيث أظهرت ردة فعل النظام عليه وجهه الحقيقي الذي حاول طيلة سنوات أن يخفيه في بداية عهد الأسد الابن.

نتذكر تلك اللحظة ونستعيدها الآن في سياق ثورة وانتفاضة، الأولى مرهقة ومتعبة ومكلومة، والثانية ناشطة ومتحفزة ومندفعة صوب أهدافها، ونستغرق بالتفكير حول إمكانيات أن يتعاضد الثائرون هنا وهناك على جعل لحظة الحاضر مفتاحاً لتغيير الواقع السابق بين الشعبين، وربما يكون هذا الهدف واحداً من أهم ما يمكن للثورات فعلاً أن تنجزه؛ أن تجمع بين الأفراد والجماعات وتديرهم ليكونوا فاعلين في خلق علاقة غير تسلطية، تكافئية، توحدها مصالح الشعبين لا صفقات الميليشيات وأمراء الحروب وشبيحة الأنظمة!