icon
التغطية الحية

هجرة السوريين عبر الخطوط.. شراكة غير معلنة بين "الرابعة" وفصائل في المعارضة

2021.09.27 | 06:49 دمشق

1205677984.jpg
حلب - خالد الخطيب
+A
حجم الخط
-A

تتواصل هجرة السوريين من مناطق سيطرة نظام الأسد بحثاً عن حياة أفضل في ظل تصاعد أزمة المعيشة والنقص الحاد في الخدمات الأساسية وشلل مختلف قطاعات العمل الصناعي والتجاري والزراعي، وغياب دور السلطات المدنية لحساب تنامي دور أمراء الحرب والقوى الأمنية والميليشيات ممن باتوا متحكمين فعليين في مختلف نواحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية والخدمية.

تعتبر مناطق المعارضة شمال غربي سوريا واحدة من الوجهات المفضلة لدى شريحة واسعة من السوريين الراغبين بالخروج من مناطق النظام، وقد رصد موقع تلفزيون سوريا خلال فترة محدودة تدفق آلاف السوريين عبر الخطوط الفاصلة بين النظام والمعارضة في ريفي حلب وإدلب، وهو ما يثير تساؤلات عديدة سيوضحها التقرير، حول ممرات العبور وانتشارها والجهات الفاعلة والمتحكمة بها في طرفي النظام والمعارضة، بالإضافة إلى تكلفة العبور للأشخاص والجماعات والمخاطر المحتملة لعمليات العبور.

استراتيجية مفترضة

تعددت أساليب وطرق هجرة وخروج السوريين من مناطق النظام خلال الفترة القريبة الماضية، كما تنوعت وجهات الباحثين عن الحياة، وبدا خروج السوريين من الجحيم سهلاً بسبب مجموعة من الإجراءات التي اتخذها النظام في الآونة الأخيرة، وهي جزء من استراتيجية جديدة بات يتبعها لإرسال رسائل للغرب ومحاولة الاستثمار في ملف اللاجئين وتحقيق مكاسب معينة على صعيد العقوبات الاقتصادية.

تجسدت استراتيجية النظام المفترضة في تسهيل عمليات استصدار ومنح جوازات السفر للراغبين بالهجرة، وتسهيل عمليات خروجهم براً وجواً، بالإضافة إلى السياسات المستجدة والمقصودة للقطاعات الأمنية والعسكرية والتي عملت على زيادة تدفق المهاجرين عبر خطوط التماس الفاصلة بين مناطق النظام ومناطق سيطرة كل من المعارضة السورية و"قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، شمالي سوريا.

قال الباحث في مركز نما للأبحاث المعاصرة محمد بقاعي إن "موجة الهجرة من مناطق النظام جزء من أسبابها تسهيلات النظام والتغاضي عن طرق التهريب، وربما المساهمة بشكل مباشر من القوى الأمنية والعسكرية لدفع أعداد أكبر للخروج وذلك تطبيقاً عملياً لاستراتيجية النظام، وهي رسالة للخارج تلم إلى ضرورة إلغاء العقوبات الاقتصادية أو تخفيفها على الأقل، وإلا سيتواصل تدفق المهاجرين، أي زيادة في أعداد طالبي اللجوء وهو هاجس بالنسبة للكثير من الدولة الأوروبية، وتركيا أيضاَ، وقد تشكل سياسة النظام في هذا الاتجاه تهديداً فعلياً".

أضاف بقاعي خلال حديثه لموقع تلفزيون سوريا: "لا أستغرب أن تتكرر التصريحات من مسؤولين من المستوى الثاني والثالث لدى النظام والتي تلمح لتزايد أعداد المهاجرين إلى خارج سوريا مع الأخذ بالاعتبار أن الظروف التي يعيشها السوريون في مناطق سيطرة النظام تدفع أي عاقل للهرب من ذاك الواقع، جرت العادة أن يتسبب النظام بموجات الهجرة واللجوء عبر أدوات القوة العسكرية، لكنه اليوم عاجز عن تطبيق ذات السيناريو بسبب الخطوط الحمراء الأميركية والتركية، وبالتالي بات يستثمر في الأزمة الاقتصادية من ناحية تسهيل خروج السوريين ليتحولوا إلى لاجئين بعد أن أصبح عاجزاً عن وقف انهيار الاقتصاد ومختلف قطاعات العمل والإنتاج". ولفت بقاعي إلى أن "شريحة واسعة من السوريين في مناطق النظام لم يعد لديهم أمل في تحسن الأوضاع، وأن لا مستقبل لهم ولعائلاتهم في بلاد يحكمها نظام الأسد".

من جهته، يرى الباحث الاقتصادي يحيى السيد عمر أنه "لابد من النظر للقضية بموضوعية أكثر، فالهجرة الشرعية وغير الشرعية من سوريا باتت هاجساً لكل السوريين، فالواقع في سوريا وعلى وجه الخصوص في مناطق سيطرة النظام، وفي ظل هذه الأوضاع يسعى الجميع إلى الهجرة، ولكن من جهة أخرى يدرك غالبية السوريين أن الوجهات التي يرغبون بالتوجه إليها، مثل الدخول إلى أوروبا لم يعد بالسهولة التي كانت سائدة في الأعوام الأولى من الحرب السورية، وحتى أوضاع السوريين في تركيا لم تعد مشجعة للغاية، وعلاوة على ذلك فإن قسما كبيرا من السوريين لا يثقون بالجهات التي تشرف على عمليات الهجرة، إن كان من جانب النظام كالفرقة الرابعة أو من جانب الفصائل المعارضة، لذلك لا يتشجع الكثير منهم للتعامل مع هذه الجهات".

 

أضاف السيد عمر خلال حديثه لموقع "تلفزيون سوريا" أن "العديد من الجهات تسعى لاستغلال الظروف السيئة التي يمر بها السوريون، ولهذا نجد انتشارا كثيفا لمكاتب الهجرة في مناطق سيطرة النظام، وغالبيتها ليست رسمية ولا جادة بل تسعى إلى خداع السوريين وهذا ما لوحظ مؤخراً، بعض السوريين يدفع لمكاتب الهجرة 3500 دولار ومعظمهم يقع في فخ الاحتيال، ويخسر أمواله، ولا يصل إلى وجهة هجرته المتفق عليها".

الانتقال عبر الخطوط

يدخل السوريون القادمون من مناطق النظام إلى مناطق المعارضة عبر أربعة ممرات على الأقل، ثلاثة منها تنتشر على خطوط التماس في ريف حلب، ومعبر واحد بريف إدلب، ويعتبر الممر الواقع على خطوط التماس بين المعارضة في عفرين وقوات النظام والميليشيات في منطقة نبل شمالي حلب أحد أهم الممرات من ناحية أعداد العابرين يومياً.

ويأتي ممر السكرية في ريف مدينة الباب شمال شرقي حلب ثانياً، أما الممر الثالث فيقع على خطوط التماس بين المعارضة في جرابلس وقسد في منبج، والوصول إليه مكلف بسبب المرور في مناطق قسد لمسافة طويلة. أما الممر الرابع فيقع على خطوط التماس بين هيئة تحرير الشام في معارة النعسان وقوات النظام في ميزناز في المنطقة المتداخلة إدارياً بين ريفي حلب الغربي وإدلب الشمالي الشرقي.

أجرى موقع "تلفزيون سوريا" الكثير من اللقاءات مع أشخاص وعائلات وصلوا حديثاً إلى مناطق المعارضة في ريف حلب، وتراوحت تكلفة الدخول بين 1000و1500 دولار أميركي للشخص الواحد، وتزيد التكلفة وتنقص بحسب الممر الذي سلكه السوريون القادمون من مناطق النظام، ويعتبر ممر عفرين-نبل الأقل تكلفة بين الممرات، ولا تتجاوز 1200 دولار أميركي للشخص الواحد، لكن العبور من خلاله متعب وخطر للغاية، بعض العائلات استغرق مسيرها للوصول الى المنطقة أكثر من 4 ساعات مشياً على الأقدام، وكانت الطريق وعرة بسبب وقوع خط التهريب ضمن منطقة مرتفعات جبل الأحلام وما جاورها في الريف القريب من بلدة الباسوطة.

بعض العائلات والأشخاص الذين وصلوا إلى المنطقة حديثاً جاؤوا من دمشق وريفها، كانت الخطوة الأولى التنسيق مع مكاتب خاصة بتأمين عمليات العبور، وفي معظمها يتركز في مدينة حلب، وهذه المكاتب تابعة بشكل مباشر للفرقة الرابعة التي يتزعمها ماهر الأسد شقيق رأس النظام، وبعد الاتفاق تأتي العائلة أو مجموعة الأشخاص الراغبين بالهجرة إلى حلب ويكون في انتظارهم في منطقة كراجات الراموسة غربي المدينة مندوب من الفرقة الرابعة، والذي سيكون له دور في تسهيل انتقالهم إلى موقع في أطراف المدينة الشمالية والشمالية الشرقية، لكيلا تقوم الحواجز الأمنية المنتشرة بإيقافهم.

ويترتب على الراغبين بالدخول إلى مناطق المعارضة دفع ثلثي المبلغ للمكتب الذي نسقوا معه، وهو 800 دولار أميركي وهو يعود إلى خزينة الفرقة الرابعة، بينما يحصل الفصيل المعارض في الطرف الآخر على مبلغ 400 دولار فقط على كل شخص، بعض المكاتب لها فروع غير علنية في مناطق المعارضة وهي متعاونة مع الفصائل وفي الإمكان دفع المبلغ هناك، على أية حال تتنوع طرق دفع التكاليف للمهربين.

 

يتم تجميع أعداد كبيرة من الراغبين بدخول مناطق المعارضة في مقرات تابعة للفرقة الرابعة أو في منازل استولت عليها الفرقة في الأحياء الطرفية للمدينة (الليرمون ومساكن هنانو والأرض الحمرة وكرم الطراب)، ومن ثم تبدأ عملية النقل بالمركبات العسكرية غالباً (سيارات الزيل) إلى وجهتين قرب منطقة التماس مع المعارضة، الأولى بلدتي نبل والزهراء شمالي حلب، الثانية ريف تادف قرب الباب، ومن ثم تبدأ المرحلة الأخيرة من العملية وغالباً تتم بعد منتصف الليل، وهي المسير لقطع خطوط التماس في المناطق الوعرة.

ويرافق عناصر متعاونون مع الفرقة الرابعة أو تابعون لها مجموعات المهاجرين وصولاً إلى النقطة المتفق عليها مع عناصر الفصائل المعارضة، ويتم تسليمهم بشكل مباشر لعناصر الفصائل الذين سينقلونهم تباعاً إلى مقرات معدة لاستقبالهم، بعض الواصلين لديهم أقارب في المنطقة ينسقون معهم، وغالباً يتم استقبالهم في مكان متفق عليه مع المسؤولين عن عملية التهريب.

تتحكم في ممرات تهريب السوريين القادمين من مناطق النظام ثلاثة فصائل تابعة للجيش الوطني السوري، ويجني مسؤولو الفصائل الذين يديرون عمليات التهريب آلاف الدولارات يومياً، بينما تجني الفرقة الرابعة أضعاف المبالغ التي تجنيها الفصائل، أما في ريف إدلب فتتحكم تحرير الشام في ممر معارة النعسان - ميزناز، في مقابل إدارة مشتركة للممر من جانب النظام، بين الفرقة الرابعة وميليشيا "حزب الله اللبناني" و"الفرقة 25 مهام خاصة المدعومة من روسيا والتي يتزعمها سهيل الحسن.

 

 

قالت مصادر أمنية متطابقة لموقع "تلفزيون سوريا" إنه "يصل إلى مناطق المعارضة بشكل شبه يومي بين 400/600 شخص عبر الممرات الأربعة، ويصل الرقم أحياناً إلى 1000 شخص يومياً، وفي كثير من الأحيان تقل الأعداد بسبب التوتر العسكري الذي يطرأ على خطوط التماس، الواصلون الى مناطق المعارضة من مختلف المحافظات السورية في المنطقة الوسطى والجنوبية والساحلية، معظمهم من فئة الشباب، ومن بينهم علويون ومسيحيون ودروز، قسم يريد الدخول إلى تركيا، وقسم آخر من الواصلين يفضل البقاء في المنطقة وفي الغالب لدى هؤلاء أقرباء في ريفي حلب وإدلب".

 

وبحسب المصادر الأمنية المعارضة فإن" أعدادا كبيرة من السوريين القادمين من مناطق النظام إلى ريفي حلب وادلب خلال الشهرين الماضيين تمكنوا من الدخول عبر الممرات غير الشرعية إلى تركيا، ووجهة هؤلاء في الغالب اللجوء إلى الدول الأوروبية، وبعضهم لديه أقارب وأصدقاء في تركيا وسيكون من السهل عليهم العيش هناك" ووفق المصادر "تتراوح تكلفة الدخول إلى تركيا بين 500 و1500 دولار أميركي، والجزء الأكبر من عمليات الدخول تتم في الشريط الحدودي شمالي إدلب، مثل ممرات خربة الجوز".

من المستفيد؟

تبدو الهجرة المتصاعدة للسوريين انعكاساً منطقياً للاستراتيجية المفترضة التي بات يتبعها نظام الأسد مؤخراً لتحقيق مكاسب معينة سبق وتحدثنا عنها، لكن موقف المعارضة وتسهيلها لعمليات العبور وشراكتها غير المباشرة مع النظام في هذا الإطار تبدو محيرة، قد يكون للمعارضة وجهة نظر مختلفة، ربما تعتبر الهجرة المتزايدة للسوريين من مناطق النظام مكسب لها، موقف المعارضة المفترض قد يتطابق مع موقف حليفتها تركيا والتي يرصد جيشها عن قرب تدفق السوريين عبر الممرات المنتشرة على خطوط التماس.

الباحث في مركز الحوار السوري محمد سالم يرى أن "النظام يريد من خلال استراتيجية التهجير الجديدة إغراق الدول المحيطة بسوريا باللاجئين، والعمل على تصدير أزمته والتخلص من أعبائه وإجبار الدول على التعامل معه ومن ثم رفع عقوبات قيصر، ويمكن رؤية هدف أهم لمن هو أكثر تأثيراً من النظام السوري في سوريا حالياً، وهم الإيرانيون الذين لهم مصلحة كبيرة في استكمال التهجير وفرض التغيير الديمغرافي في سوريا، يمكن القول بأن هجرة السوريين من مناطق النظام هي تطبيق لاستراتيجية إيرانية عملت على تحقيق جزء منها من خلال العمليات العسكرية في الفترة بعد العام 2013، وهي اليوم تقوم باستكمال خطتها ". أضاف سالم خلال حديثه لموقع "تلفزيون سوريا" أن "عمليات التهريب التي تحصل تعود بمكاسب مادية هائلة تستفيد قوات النظام والمليشيات، وتعد مصدراً مهماً من مصادر دخلهم في الوقت الحالي".

 

 

من جهته، يرى الباحث في مركز جسور للدراسات محمد السكري أن "ملف الهجرة المتصاعدة للسوريين غير قابل للاستثمار من جهة النظام، النظام غير قادر على ضبط الشارع الغاضب بسبب الأزمة الاقتصادية والمعيشية المتصاعدة، وفتحه لأبواب الهجرة وتسهيل خروج السوريين يندرج ربما في إطار امتصاص الغض الشعبي، وتقليل أعداد السكان لتخفيف الضغط على الخدمات". أضاف السكري خلال حديثه لموقع "تلفزيون سوريا" أن "فرصة المعارضة السورية وتركيا للاستثمار في ورقة تصاعد هجرة السوريين كبيرة، لذا يتم تسهيل عبور الراغبين بالخروج من مناطق النظام بطرق مختلفة، ولهذه الاستراتيجية التي تتبعها المعارضة انعكاس سلبي قد تظهر آثاره لاحقاً، وذلك من ناحية ضعف البنى التحتية والخدمية التي يمكن أن تستوعب الأعداد الهائلة من السوريين الذين يقصدون المنطقة للعيش هرباً من جحيم النظام".