icon
التغطية الحية

نضال للبقاء.. الوضع الاقتصادي يهدد وجود مكتبات عريقة بدمشق

2021.10.26 | 13:20 دمشق

مكتبات دمشق
 تلفزيون سوريا ـ وكالات
+A
حجم الخط
-A

تراجعت حرفة نشر الكتب وبيعها في سوريا خلال العقد الماضي، في ظل تركيز الناس على أساسيات الحياة اليومية والسعي لتأمينها وسط غلاء الأسعار وانخفاض قيمة العملة والأزمات الاقتصادية وتراجع الاهتمام بالجانب الثقافي على حساب الضروريات الأخرى.

وتسارعت خلال السنوات الأخيرة وتيرة إقفال المكتبات وتقليص دور نشر ذائعة الصيت لإنتاجها وعدد موظفيها بعدما أغنت المكتبة العربية بمؤلفات وترجمات.

إغلاق مكتبات 

محمد سالم النوري (71 عاماً) قال: "نحمل اسم أقدم مكتبة في سوريا وكنا نرغب أن تبقى لأولادنا وأحفادنا، لكن وضع القراءة والثقافة تراجع كثيراً"، بحسب تقرير لوكالة "فرانس برس"، الثلاثاء.

ومحمد هو نجل حسين النوري مؤسس واحدة من أقدم مكتبات دمشق، حيث تدير العائلة حالياً مكتبتين في دمشق، أُسست إحداهما عام 1930.

وفي المكتبة القائمة في شارع البريد، يُشرف النوري على عمليات البيع الخجولة، ويبدي خشيته لأن "مكتبة النوري مهدّدة بالإغلاق، وكذلك الأمر بالنسبة لباقي المكتبات"، ذلك أنّ "الناس لا تستطيع تحمّل نفقات القراءة، والمكتبات لا تستطيعُ تغطية مصاريفها".

وقبل ثلاثة أعوام، اضطرت العائلة الى إغلاق مكتبة أسّستها في دمشق عام 2000 وحملت اسم "عالم المعرفة". أوصدت أبوابها لكن الكتب داخلها ما زالت على حالها، تملأ الرفوف ويكسوها الغبار. وعلى مكتب خشبي، تحتفظ عائلة النوري بصور قديمة لأفراد العائلة ولأبرز زائري المكتبة من سياسيين وفنانين وشعراء.

وجاء قرار الإغلاق بعدما أرهقتها سنوات الحرب التي تشهدها سوريا منذ العام 2011، ولم تعد قادرة على "تحمل نفقاتها الماديّة"، وفق النوري.

بينما قال  سامي حمدان (40 عاماً)، وهو من الجيل الثالث الذي تعاقب على إدارة دار ومكتبة اليقظة العربية "دفعت التكنولوجيا أجيالاً كاملة نحو الكتب الإلكترونية، وأبعدتها عن الكتاب الورقي".

وعند إقفالها عام 2014، كانت دار اليقظة قد طبعت أكثر من 300 كتاب واضطرت إلى تصفية عشرات آلاف النسخ.

وأوضح حمدان أن "الحرب أجهزت على ما تبقى" من مشهد ثقافي كان قد بدأ بالتراجع أساساً، على حد قوله، مضيفاً أنه "لم نكن بمنأى عن التحول العالمي نحو الرقمنة، لكن خلال الحرب، لم يرغب أحدٌ باستثمار أمواله في مكتبة".

الثقافة كرفاهية 

وتسببت الحرب التي أشعلها نظام الأسد في سوريا منذ عقد، بخلق أزمات اقتصادية كبرى، وضعت  غالبية السوريين تحت خط الفقر، وباتوا يكافحون لتأمين قوتهم اليومي واحتياجاتهم الأساسية وسط تراجع القوة الشرائية وشحّ في المواد الأولية وتدهور قيمة العملة المحلية مقابل الدولار، ما انعكس سلباً على القطاعات الإنتاجية كافة بينها الطباعة والنشر.

ويعتقد خليل حداد (70 عاماً)، وهو أحد القيمين على مكتبة دار أسامة للنشر والتوزيع التي أسست عام 1967 وتكافح من أجل إبقاء أبوابها مفتوحة، "إنه لمن الترف والرفاهية أن ندعو الناس لاقتناء الكتب في هذه الظروف، وأولويات الناس تنصبّ على الغذاء والسكن".

ويواظب الرجل الذي أمضى عمره بين الكتب والمكتبات على الحضور إلى مكان عمله رغم أنه تمرّ أيام "لا نبيع فيها كتاباً واحداً".

ويشرح كيف أنّ "غلاء الأسعار وارتفاع تكاليف الورق والطباعة، وصعوبات لوجستية مثل انقطاع الكهرباء، أدت الى ارتفاع سعر الكتاب وإحجام القراء عن الشراء".

في حين تحولت مكتبة دار دمشق الشهيرة (أسست عام 1954) قبل 6 سنوات إلى مكتبة لبيع القرطاسية، في محاولة للحفاظ عليها. لكن على بابها الخشبي القديم، يعلّق عامر تنبكجي ابن مؤسس الدار اليوم لافتة "برسم التسليم"، ليُعلن بذلك قرب نهاية مسيرة دامت نحو سبعين عاماً.

ويوضح تنبكجي (39 سنة) للوكالة "نحن بصدد بيعها في حال توفّر الراغب"، رغم "أنني أشعر بالحزن إذا ما تحوّلت إلى أي شيء آخر".

وعلى غرار دور نشر أخرى، تراجعت تدريجياً قدرة الدار على الطباعة وكذلك استيراد كتب من الخارج على وقع انهيار الليرة وعراقيل أفرزتها العقوبات الاقتصادية على سوريا.

انخفاض عدد المطبوعات وارتفاع التكلفة

وبعدما كان يدخل نحو 800 مطبوعة يومياً إلى سوريا قبل 10 سنوات، لا يتجاوز عدد المطبوعات حالياً الخمس، بحسب زياد غصن، المدير السابق لمؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر والتوزيع، الرسمية في سوريا.

ويقدر ازدياد تكلفة الورق والطباعة خلال العامين الأخيرين بنحو 500 في المئة على الأقل، عدا عن زيادة أجور النقل واليد العاملة بنسبة تزيد على مئة في المئة.

ومن مكتبة كبيرة في شارع رئيسي في دمشق إلى قبو صغير، نقلت ناشرة "دار أطلس" سمر حداد قبل سنوات إرث والدها سمعان حداد الذي أسس الدار عام 1955 واعتاد عرض "نفائس الكتب وآخر الإصدارات والترجمات".

ومع موظف وحيد بدوام جزئي، تحاول حداد دفع عجلة طباعة الكتب وإن بصعوبة، لتحافظ على وتيرة إصدار سبعة كتب سنوياً عوضاً عن أكثر من 25 على الأقل قبل الحرب.

وأوضحت قائلة: "ما لاحظناه في سنوات الحرب هو خسارتنا لجزء كبير من قرائنا.. سافر الكثير منهم".

ورغم ذلك، فإن ما يدفعها للمواظبة على العمل هو الحفاظ على إرث والدها. وتقول بنبرة حاسمة "محاولاتنا مستميتة للبقاء، لن أغلق مكتبة دار أطلس".