icon
التغطية الحية

ملاذ الكتاب والقراء في زمن الممنوع السوري.. وداعاً رياض الريّس

2020.09.28 | 09:59 دمشق

rysdsth.jpg
غلاف كتاب آخر الخوارج للراحل رياض الريس
أحمد طلب الناصر - تلفزيون سوريا
+A
حجم الخط
-A

ودّع الأدباء والإعلاميون من السوريين، والعرب عموماً، مساء السبت الماضي، رياض نجيب الريّس أحد أهم أعمدة الكتابة والإعلام على الساحة العربية بصورة عامة والسورية على وجه الخصوص.

وطغت مشاعر الحزن على منشورات السوريين بمختلف أطيافهم وعلى مقالات الكتّاب والإعلاميين، إذ شكّل رياض الريّس طفرة نوعية في عالم الكتابة والنشر وحرّية الإبداع الفكري والأدبي من خلال تبنّيه طباعة كل ما هو ممنوع ومُراقب في ظلّ أنظمة القمع العربية بصورة عامة ونظام الأسدين الأب والابن في سوريا على وجه الخصوص.

وشكّلت "دار رياض الريس للكتب والنشر" ملاذاً آمناً للكتاب والمؤلفين لنشر مؤلفاتهم على اختلاف أنواعها، كما مثّلت مجلتا "الناقد" و"النقّاد" منهلاً صرفاً من الإبداع الأدبي المختلف عن ذلك الذي كان يُنشر في دوريات الأدب التقليدية التي تتحكم بها أقسام "رقابة المطبوعات" داخل مؤسسات "الثقافة" و"الإعلام" العربية.

 

mainbanner (1).jpg

 

الكتاب المقرون بالاقتناء  

وعن تميّز واختلاف كتب دار رياض الريّس، يتحدث الكاتب والناشر "محمد أمير ناشر النعم" لموقع تلفزيون سوريا، فيقول: " أغلفة كتب رياض الريّس غدت بالنسبة لي محكومة بقانون الاقتران الشرطي؛ فبمجرد رؤيتي لغلاف كتاب جديد ممهور بعلامة (دار رياض الريس للكتب والنشر) كان يقترن عندي أن الكتاب مثرٍ ومهم، هو ومؤلّفه".

ويصف "ناشر النعم" شعوره، كلما نظر إلى أحد تلك الكتب فيقول: "الاقتران لا يتعلّق فقط بمضمون الكتب فحسب، بل حتى أغلفة كتب رياض الريس هي لوحات سريالية بالنسبة لي، وكثيراً ما تأملت شعار (رياض الريس للكتب والنشر) ذلك الشيخ صاحب العمامة، الجالس وبيده ريشة وكتاب.. كنت أرى فيه رجل تنوير ورسالة وتأمّلاً وتفكّراً، صفات الرجل جميعها كانت صفات الدار بلا أدنى شك".

 لامست كتبه كل ما هو مسكوت عنه، وكذلك مقالات مجلته

يرى الكاتب حازم النهار، أن رياض الريّس "واحد من أهم  الصحافيين السوريين، وله حضور بارز في عالم الكتابة، وكان مهتماً بحرية الفكر وداعماً للثقافة النقدية.

ويضيف في حديثه مع موقع تلفزيون سوريا، أن الريّس كان ناشراً "من الطراز الرفيع"، فقد ترك مئات الكتب التي نشرتها دار النشر التي أسسها "دار الريس للكتب والنشر"، وصدر عنها بعض أهم الكتب العربية والمترجمة بدءاً من عام 1987، ما أسهم فعلاً في إغناء الحياة الثقافية، لأن كتبه "لامست كل ما هو مسكوت عنه، خصوصاً في السياسة والتاريخ".

ويشير النهار إلى أن مجلة "الناقد" التي أسسها المرحوم الريّس "تناولت موضوعات لم يكن من السهل طرحها أو تتطلب شجاعة من نوع خاص".

الكتب التي نشرتها دار الريّس "لا تستطيع دور نشر عربية أخرى نشرها، وبالطبع لا تستطيع دور النشر السورية كلها نشرها" يفيد النهار الذي يعلّل كون الدار "قبلة كثير من المثقفين السوريين لنشر مؤلفاتهم وترجماتهم، خصوصاً تلك التي تتناول موضوعات سياسية راهنة وحيوية".

وكانت دار رياض الريس قد نشرت للنهار ترجمات عديدة منها: (سورية: الاقتراع أم الرصاص؟) تأليف كاريستين ويلاند، و(سورية: ثورة من فوق)، و(تشكيل الدولة الشمولية في سورية البعث) من تأليف رايموند هينبوش، وأخرى غيرها. ويتضح من عناوين تلك الكتب أنها غير قابلة للنشر في دور نشرٍ سوريّة بالتأكيد، وكذلك في دور النشر العربية.

"الطاقة" التي كنا نطلّ من خلالها على عالم ممتع

ويؤيد ناشر النعم ما ذكره النهار في تميّز الدار واختلافها وجرأتها، فيشبّه كتب الريّس ومجلته الناقد بـ "الكوّة" أو "الطاقة" التي كان السوريون يطلّون من خلالها على عالم ممتع "في زمن رقابة البعث، المنغلق والكئيب والبطيء والممل والمكرّر" بحسب وصفه، ويتابع قائلاً إن هذه "الكوّة" أبصر من خلالها كتابات "الطيب صالح وصادق العظم وفواز حداد والصادق النيهوم، بالإضافة إلى مقالات مجلة الناقد التي أثْرَت تفكيرنا وروحنا".

قالوا وكتبوا في رياض:

 "رياض الريس ملك نفسه، يعمل ابتغاء مرضاة ذاته لا أحد سواه، ويعرف كيف يحوّل الأحلام إلى واقع"- محمد أمير ناشر النعم/ لموقع تلفزيون سوريا

"يستحق رياض الريس تكريماً كبيراً، لأنه كان مثالاً للمثقف الحر والنقدي والشجاع، ولأفضاله الكبيرة على الثقافة العربية والمثقفين، ونأمل أن تأتي الفرصة الملائمة لنفيه بعض حقّه"- حازم النهار/ لموقع تلفزيون سوريا.

 

 

 

 

سيرة ذاتية:

ولِد الكاتب والإعلامي والشاعر والناقد والناشر، رياض الريّس، في العاصمة السورية دمشق، عام 1936، وهو ابن الصحفي والسياسي الراحل نجيب الريس، صاحب قصيدة "يا ظلام السجن خيم إننا نهوى الظلاما" التي نظمها في محبسه بسجن جزيرة "أرواد" مقابل مدينة "طرطوس"، أواسط عشرينيات القرن الماضي، وهو ما كشف عنه نجيب الريس عبر كتابه "نضال".

ويعدّ رياض الريس واحداً من أهم الناشرين والإعلاميين السوريين، وصاحب سيرة غنية في عالم الصحافة، وله ما يزيد على 30 مؤلَّفاً، بالإضافة إلى أنه صاحب أهم دور النشر في العالم العربي "دار رياض الريس للكتب والنشر".

غادر الريّس دمشق إلى بيروت التي كانت تعدّ عاصمة الصحافة العربية، وعمل مع "كامل مروة" مؤسس صحيفة "الحياة"، ليكمل التجربة الإعلامية مع عميد صحافة لبنان "غسان تويني" في صحيفة "النهار".  

سافر إلى مناطق الاضطرابات والحروب في العالم (فيتنام) وفي البلدان العربية كمراسل متجول لصحيفة النهار، حيث سافر إلى اليمن أيام الحرب بين الجمهوريين والملكيين، ومن اليمن ابتدأت اهتماماته الخليجية، حيث بدأ بتغطية الجزيرة العربية كلها.

وبحسب المصادر، كان الريّس أول صحافي عربي وصل إلى براغ واستطاع أن يدخل إليها بعد الغزو السوفياتي لتشيكوسلوفاكيا في آب 1968، وغطى انقلاب اليونان العسكري سنة 1967، وأحداث قبرص ومناطق أخرى.

وغادر الريّس إلى لندن عقب اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية عام 1975، وأنشأ فيها مطبوعة أسبوعية باللغة الإنكليزية هي "أرابيا آند ذا جلف"، ثم جريدة "المنار" التي كانت أول صحيفة أسبوعية عربية تصدر في أوروبا، وبعد توقّف الأخيرة راح يكتب لصحيفة "المستقبل" لصاحبها نبيل الخوري.

وشهد العام 1986 تأسيس دار رياض نجيب الريس للكتب والنشر في لندن، ثم أسس مجلة "الناقد" التي تحوّل اسمها إلى "النقّاد" بعد أن امتدت إليها يد الرقابة.

وكان الريّس قد ألّف العديد من الكتب، منها: "آخر الخوارج"، "الخليج العربي ورياح التغيير"، "رياح الجنوب"، "رياح السموم"، "ريَاح الشرق"، "صحافي ومدينتان"، "قبل أن تبهت الألوان صحافة ثلث قرن"، "مصاحف وسيوف"، "رياح الشمال"، "صراع الواحات والنفط: هموم الخليج العربي"، "الفترة الحرجة"، "أرض التنين الصغير: رحلة إلى فيتنام"، و"موت الآخرين- مجموعة شعرية"، "الجانب الآخر للتاريخ".