icon
التغطية الحية

"جامعو الكتب".. عن مكتبة سرية في خضم الحرب السورية

2020.11.19 | 09:24 دمشق

mktbt_darya.jpg
إن بي آر- ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

لطالما انتشرت كتب خلال الحروب وراجت كونها وسيلة لبث الراحة والتسلية، إلا أن بعض الكتب الذي لا يتوقع أحد أن يكون لها صدى ضربت على الوتر الحساس خلال زمن الحرب.

إذ من كان يتوقع مثلاً لكتاب بيتي سميث الذي يحمل عنوان: شجرة تكبر في بروكلين والذي صدر عام 1943 وهو عبارة عن رواية شبه ذاتية أن يصبح من أكثر الكتب رواجاً بين الجنود خلال الحرب العالمية الثانية، وذلك بعدما وصلهم من خلال مبادرة واسعة لتوزيع الكتب؟

غير أن مقاتلي المعارضة السورية الذين صورتهم المراسلة ديلفين مينوي في كتابها الجديد الذي يحمل عنوان: "جامعو الكتب"، فضلوا أدب التعلم والتنمية الذاتية على ذلك بصورة مثيرة للدهشة، فراج بينهم كتاب ستيفن كوفي الأكثر مبيعاً: العادات السبع للأسر الأكثر فعالية، ولهذا قال أحد المقاتلين الشباب لمينوي: "إن هذا الكتاب يعني الكثير بالنسبة لنا، فهو بوصلتنا بطريقة أو بأخرى..."

00mikhail01-jumbo.jpg

 

وقد أدركت مينوي بأن كتاب كوفي يؤكد على قوة الفرد، وهذا الشيء هو نفسه الذي يحارب من أجله هؤلاء الشبان الذين تربوا في ظل نظام بشار الأسد القمعي. إذ تعود أصول هؤلاء الشبان إلى ضاحية من ضواحي دمشق تعرف باسم داريا، وقد تحولت تلك الضاحية إلى مركز للمظاهرات السلمية خلال انتفاضات الربيع العربي في عام 2011.

وابتداء من عام 2012، قامت قوات نظام الأسد بمحاصرة تلك المدينة، واستهدفتها بالبراميل المتفجرة، إلى جانب الهجمات بغاز السارين، وقطعت عنها الماء والكهرباء والمساعدات الإنسانية، أي أنها باختصار مارست نوعاً من المحو التام والمتعمد لهذه المدينة فيما يعرف باسم جريمة إبادة المدن.

والكاتبة مينوي مراسلة في الشرق الأوسط لصحيفة لوفيغارو الفرنسية مقيمة في إسطنبول، كانت تعمل على حاسوبها في إحدى الليالي من عام 2015، وتقرأ ما نشر على صفحة Humans in Syria على الفيسبوك عندما استوقفتها صورة بالأبيض والأسود كتب تحتها: مكتبة داريا السرية.

وفي الصورة يظهر شابان يرتديان قميصين سميكين ويقفان في غرفة ملآى بخزائن الكتب، وقد رص بعضها بجانب بعض. فأثارت تلك الصورة فضولها، ولهذا استعانت مينوي بمعارفها عبر سكايب وواتساب لتعقب المصور الشاب واسمه أحمد معضماني وهو أحد مؤسسي هذه المكتبة السرية، فروى لها هذا الشاب قصة لا تصدق لدرجة أن مينوي أمضت سنوات وهي ترسمها في خيالها. فمينوي التي ترجمت لارا فيرنو كتابها عن الفرنسية تعمل أيضاً بتصميم الأزياء بذوق يميل إلى البساطة والابتعاد عن التكلف.

ولهذا قد تخرج الكاتبة من حين لآخر بجملة موسيقية تستوقف القارئ مثلما حدث عندما أشارت إلى الصورة التي لفتت نظرها فوصفتها بأنها: "فاصلة هشة وسط الحرب".

غير أن قصة الصورة مثيرة للاهتمام بشكل أكبر حسبما عرفت مينوي، ففي أواخر عام 2013، عندما كان أحمد في أوائل العشرينيات من عمره والتزم بالقتال ضمن صفوف المعارضة، ناداه أصدقاؤه لمساعدتهم في استخراج بقايا بيت مليء بالكتب، وبالرغم من أن أحمد لم يكن قارئاً حينئذ، وكان يعتبر الكتب التي يتعين عليه دراستها في المدرسة مجرد دعاية للنظام، فإنه اختار أحد الكتب التي تم إنقاذها وبدأ يقرأ فيه، فأحس بطعم الحرية ذاته الذي أحس به عند خروجه في أول مظاهرة حسب وصفه.

 

وهكذا أنقذ أحمد ورفاقه ستة آلاف كتاب خلال أسبوع واحد، وبعد مرور شهر من عمليات الإنقاذ وصل عدد مجموعة الكتب التي تدور حول الأدب والدين والعلم والتنمية الذاتية إلى 15 ألف كتاب. ولحفظ كل تلك الكتب، قام هؤلاء الشبان بحفر مكتبة في قبو بناء مهجور، ثم بنوا رفوفاً من الخشب وقاموا بتصنيف الكتب، وسرعان ما تحولت المكتبة إلى مركز للاجتماع، وجامعة مصغرة ضمن مدينة نفي منها كل الأساتذة أو تعرضوا للحبس أو القتل. وترى مينوي أنه بوسع الناس في هذا الملجأ أن يختبروا إحساس فتح صفحة على العالم في الوقت الذي غلقت فيه كل الأبواب.

وكتاب جامعو الكتب بحد ذاته يعتبر إضافة مليئة بحكايات النجاة الأدبية ضمن هذه المكتبة، والتي تدور ليس فقط حول حفظ الكتب بل أيضاً حول إنقاذ الأفكار التي تحملها. فأنا هنا أفكر بكل شيء بدءاً من كتاب توماس كاهيل: كيف أنقذ الأيرلنديون الحضارة، وحول المكتبات القصية للرهبان خلال ما يعرف بعصور الظلام، وصولاً إلى كتاب آذار نفيسي: قراءة لوليتا في طهران، والذي تعتبر قصة مينوي بالنسبة له عملاً يدور حول الذكور فقط.

وبخلاف كل تلك الأعمال، لعب الإنترنت مع كتاب جامعو الكتب دوراً أساسياً في عملية الإنقاذ، ولا يتلخص ذلك بتنبيه مينوي إلى وجود مكتبة سرية فحسب، وذلك لأن بعض مقاتلي المعارضة أصبحوا قراء نهمين فصاروا يقومون بتحميل مزيد من الكتب على هواتفهم النقالة، مما زاد من عدد مقتنيات مكتبتهم.

d0dc74b5-4cb0-4fa0-9aeb-4ee478f34ce7.jpg

 

إن كل من اطلع على تاريخ الأحداث الجارية في سوريا لن يندهش إذا عرف بأن المكتبة السرية لم تنج، وكذلك كل هؤلاء الشبان الذين قاموا بإنقاذها، ولهذا فإن قصة المكتبة السرية ستظل محفوظة في هذا الكتاب القصير الشيق، في الوقت الذي تحول فيه كل شيء في داريا إلى تراب.

المصدر: إن بي آر