مقاومة مخططات مستقبل غزة بين القسّام والداعمين المفترضين

2023.12.11 | 06:02 دمشق

مقاومة مخططات مستقبل غزة بين القسّام والداعمين المفترضين
+A
حجم الخط
-A

تنفس الجميع الصعداء مع إعلان الهدنة في غزة وتوجهت الأنظار إلى ما بعدها وكثرت التحليلات التي غلب عليها طابع التمني بأن تستمر الهدنة ليتبعها وقف تام لإطلاق النار. لم يحدث ذلك بتاتا، بل تجدد الهجوم الإسرائيلي بعد دقائق من انتهاء الهدنة. بداية عبّر ذلك عن عدم اكتفاء الجانب الإسرائيلي بما وصل إليه حتى الآن وهو يريد تحقيق أهداف كبيرة حقيقية ملموسة لم يبلغ أي منها حتى الآن آخذا بعين الاعتبار أنه، وللمرة الأولى منذ سنوات، يكون له هذا الدعم الدولي الكبير فيريد استغلاله حتى الرمق الأخير.

على الرغم مما تسرّب عن خلاف أميركي-إسرائيلي حول المدة المتبقية المسموح بها، للعملية الإسرائيلية في غزة، وقول الجانب الأميركي إن إسرائيل لديها أسابيع لا أشهر، وما يحمله من وضع خط أحمر لعدم إطالة الحرب إلا أن هذا الخط نفسه يعني بذات الوقت بأن أميركا تشجع إسرائيل على رفع المستوى في غزة لتحقيق أكبر قدر من الأهداف بهذه المدة المحصورة. يفسر ذلك جانب من العملية البرية المستجدة على الجنوب والذي بدأت إسرائيل تروج لكون قادة حماس في الجنوب، وبالتالي ضرورة العملية لتحقيق هدف الوصول لقادة الحركة.

الأهداف الاسرائيلية

السؤال الذي لم يفارق المشهد بتاتا منذ بداية الحرب هو ما هي أهداف إسرائيل؟ هذه الأهداف تعتبر خطوطها العريضة متفق عليها لدى إسرائيل وداعميها إلا أن تشكيلها العملي يخضع لمتغيرات الزمان والمكان والقدرة. إن هدف القضاء على حماس، وهو أحد أبزر أهداف إسرائيل، تعاد صياغته بمختلف الأشكال، والتي كان آخرها التركيز على اغتيال قيادات حماس لدرجة التسمية "ولو كانوا في لبنان، قطر وتركيا".

الهدف المتصل بالهدف الأول هو ضرب حماس عسكريا بحيث تسهل مهمة الهدف التالي إلا أن ضرب حماس عسكريا لم تستطع إسرائيل حتى الآن ترجمته فهي تفكر في ضخ المياه في الأنفاق وأحيانا تستعمل كل أنواع الذخائر الخارقة للأرض لإخراج الأنفاق عن العمل أو الوصول لمخازن صواريخ وأسلحة حماس دون أن يكون لديها أي يقين من أن ذلك سيعني حقيقة شل القسام، وهو ما أكده القسام بطريقة ظهوره في عملية التبادل الأخيرة.

إن محاولة شل حماس عسكريا لا تعتبر كافية لإسرائيل كذلك، بل إنها تفكر باليوم التالي للحرب وتحاول جاهدة أن يكون لها يد في الحكم السياسي في غزة حينها لكي تتأكد من ذبح حماس عسكريا وعدم خروج "حماسات" في مستقبل غزة، لدرجة رفض نتنياهو إمساك سلطة عباس بغزة كونه يعتبر هذا الحل غير كاف! من الأفكار المطروحة إسرائيليا والتي تدخل حيز محاولة التنفيذ هي تقطيع أوصال غزة، أو السيطرة على كيلومتر من أطراف غزة لمنع أي عملية برية ممكن أن تحدث في المستقبل.

أما الأهداف الاجتماعية الذي تعمل عليها إسرائيل والذي تعتبر أخطر حتى من السياسية والعسكرية فهي متشعبة وتبدأ بمحاولة إنهاء مقومات الحياة في شمال غزة وصولا إلى التهجير الكلي للغزاويين.

مقاومة الأهداف الإسرائيلية

إن هذه الخطط تحتاج مقاومتها لجانبين عسكري وسياسي، أما الجانب العسكري فحتى الآن يبرز صمود حركات المقاومة في غزة ولكن مع إمكانيات محدودة لا تستطيع رد العدوان، أو السيطرة ولكنها تستطيع إيلام الجيش الإسرائيلي وإيقاع الخسائر الكبيرة في صفوفه، وزعزعة ثقته بتحقيق أهدافه وتأخير عملياته بانتظار الجانب السياسي.

إذن فإن الجانب السياسي المستثمر للأداء العسكري واقعه أصعب بكثير كونه لا يكفيه الجهد الفلسطيني، بل يتعداه للعربي والدولي. إذا قلنا أن الجانب الدولي داعم لإسرائيل على الرغم من تراجعه التدريجي غير المؤثر حتى الآن يبقى لنا الجانب العربي ومحور المقاومة للتحليل.

بالنسبة لمحور المقاومة

إن حزب الله حسم خياره كمساند لغزة بما يعنيه ذلك بالاتجاهين الداعم من جهة والمحدود من جهة أخرى. أما موقف النظام السوري فلم يتغيّر منذ بداية العدوان على غزة وهو الصمت على الرغم من أن مطار دمشق على سبيل المثال قد تعرض للقصف 3 مرات على الأقل، إضافة لمجموعة أهداف أخرى حيث تبدو حسابات الأسد مختلفة حتى عن حزب الله، وهو من الواضح أنه يريد الانسحاب من الأضواء في الفترة الحالية ورفع مستوى التعمية عن مسؤوليته عن الواقع المأزوم في سوريا، إضافة لمحاولة إعادة تقديم أوراق اعتماد للغرب وإسرائيل بأن التعويل على الأسد في المرحلة المقبلة ممكن نظرا لموقفه "الإيجابي" من وجهة النظر الإسرائيلية.

بالنسبة للدول العربية

على الرغم من أن الدول العربية رفعت سقف التصريحات، إلا أن التحركات العملية لا تبدو مؤثرة بالشكل الذي يوقف مخططات أميركية-إسرائيلية حتى التهجير منها، أو الممارسات غير الإنسانية تجاه أهل غزة. إن المحاولات العربية للوقوف في وجه المخططات لم ترقَ للمستوى الرادع، وهو ما ظهر في حجم المساعدات الإنسانية المنخفض الذي يدخل إلى غزة عبر مصر حتى زمن الهدنة، والذي ينبئ بأن منع التهجير كذلك ليست بالمسألة المحسومة كون مستوى معارضتها غير كاف.

لذلك وأمام كل هذه المعطيات يبدو مستقبل غزة غامضا ويحتاج إلى تحركات سياسية وحتى شعبية عربية وعالمية توازي الحراك العسكري والصمود الشعبي في غزة، وهو ما لا يبدو متوفرا حتى الآن.