icon
التغطية الحية

"ما علاقة حزب الله"؟.. مقتل هولندي تحت التعذيب في معتقلات النظام

2022.03.21 | 16:24 دمشق

kykhhy.jpg
مقتل هولندي تحت التعذيب في سجون النظام (إنترنت)
هولندا - أحمد محمود
+A
حجم الخط
-A

قضى مواطن هولندي تحت التعذيب في سجون النظام السوري بعد أن سلمته عناصر "حزب الله" للنظام عقب اختطافه في لبنان وفق تحقيق لصحيفة  "NRC" الهولندية، حيث استندت الصحيفة في تحقيقها إلى شهادات معتقلين سابقين ومعلومات من الصليب الأحمر والنظام.

ووفق التحقيق فإن الضحية (من أصول مغربية) ينحدر من مدينة "أرنهيم" الهولندية، وكان قد اختفى في لبنان في أيار من عام 2013، ليظهر بعد عام في أحد سجون النظام في سوريا.

وقال المعتقل السابق في سجون النظام "خالد" الذي كان موجوداً مع الهولندي في زنزانة تحت الأرض بـ "الفرع 285" التابع لجهاز أمن الدولة إن الرجل "كان في حالة سيئة وإنه كان يصرخ بصوت عالٍ"

الخارجية الهولندية علمت باعتقال مواطنها ولم تخرجه

وبحسب التحقيق فإنه يمكن أن يكون ما حدث مع الرجل الهولندي يسبب "عواقب قانونية"، خاصة أنه يحمل الجنسية الهولندية مع فرصة لفتح النيابة العامة الهولندية تحقيقاً ضد معذبيه

في حين تأمل وزارة الخارجية الهولندية بإدراج القضية ضمن مساعي هولندا لمحاسبة النظام السوري وتحميله مسؤولية انتهاكاته لحقوق الإنسان في سوريا، مشيراً إلى أن هذا الإجراء الذي بدأ في عام 2020  قد يؤدي إلى رفع قضية أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي.

وأشار التقرير إلى أن الخارجية الهولندية علمت منذ عام 2016 على الأقل أن الهولندي محتجز في سوريا، لكنها اتخذت "موقفاً سلبياً"، مبيناً أنها رفضت خيار مساعدة الهولندي من خلال السفارة الرومانية في دمشق، ونقل التحقيق عن السفير الروماني قوله: "إن الدول الأخرى التي تستخدم هذا الطريق الروماني تمكنت من تحرير معظم مواطنيها الأسرى".

وكانت هولندا قطعت العلاقات مع نظام الأسد في عام 2012.

وبيّن التحقيق أنه ليس من المعروف إلى الآن كيف انتهى الأمر بالهولندي في سوريا، لافتاً إلى أنه كان على اتصال بعدد من المقاتلين الذين سافروا من "أرنهيم" إلى سوريا، وفي كانون الأول عام 2012 أنشأ جمعية "عمر بن الخطاب" التي اجتذبت وفقاً للبلدية "الشبان المتطرفين" وسافر بعضهم إلى سوريا.

وأفاد شقيق الشاب الهولندي أنَّ أخاه كان يعمل في رعاية الأطفال المعاقين، وأن إيمانه كان دافعه للعمل، حيث أسس مع صديق له من أصل مغربي جمعية كانت مسجلة لدى السلطات كمركز متعدد الثقافات، وكانت أنشطتها تتضمن دروس اللغة الهولندية والعربية ورعاية الأطفال.

"حزب الله" اللبناني اختطفه واعتقله 11 شهراً ثم سلمه للنظام

وقال شقيقه واثنان من أصدقائه إنه خطط لشراء الكتب لجمعيته الجديدة، وأوضح المؤسس المشارك للجمعية: أنه "كنا نُدرس اللغة العربية ونحتاج إلى الكثير من الكتب المدرسية الجديدة وكان سعرها رخيصاً جداً في بيروت"، في حين أنَّ خالداً ومعتقلاً سابقاً آخرَ سمعا القصة نفسها من الرجل الهولندي: حيث "بدأ بشراء الكتب لكنه انتهى بالاختطاف". 

وكان الرجل الهولندي مداوماً في المسجد في "أرنهم" وقدّم عدة محاضرات هناك ويقول أحد معارفه الذين حضروا تلك المحاضرات: "لقد كان مهتماً حقاً بمعاناة المسلمين في جميع أنحاء العالم، وكان يتعاطف مع المجاهدين الذين عارضوا المحتل الأميركي لكنه بالتأكيد لم يكن متطرفاً مجنوناً يريد تفجير كل شيء".

وبيّن التحقيق أن وزارة الخارجية الهولندية وبلدية "أرنهيم" تقولان إنهما لا يستطيعان إثبات سفره إلى سوريا بمحض إرادته.

وقال كلٌ من خالد والمعتقل السابق الآخر إنه تم اختطاف الرجل في لبنان في عام 2013 من قبل "حزب الله" الذي سلمه إلى نظام الأسد بعد أن اعتقله لمدة 11 شهراً بسجنين مختلفين في لبنان.

وأثناء إقامته في لبنان اتصل الرجل عدة مرات بالعائلة والأصدقاء، وأكد أخ الرجل الهولندي أن أخاه أخبره أنه سيعود في الـ  26 من أيار ثم اختفى ولم يعد يتصل أو يرسل أي رسائل الأمر الذي أصابهم بالذعر.

ولفت التحقيق إلى أن عائلته أبلغت وزارة الخارجية الهولندية التي قالت إنها تواصلت مع دائرة الهجرة اللبنانية ووزارة الأمن، وأنهم حاولوا عدة مرات على مدى شهور الحصول على معلومات من مختلف المؤسسات الحكومية اللبنانية عبر الخطابات وبشكل شخصي وأيضاً على المستوى الدبلوماسي إلا  أنها لم تستطع التوصل إلى شيء.

وجاء في التحقيق أن العائلة تلقت بريداً إلكترونياً من "الصليب الأحمر" في كانون الأول عام 2015، يؤكد أن وزارة الخارجية التابعة للنظام اعتقلت الرجل الهولندي في الـ 26 من نيسان (بعد 11 شهراً من زيارته للبنان وهو يتوافق مع ما قاله المعتقلون الذين كانوا معه).

وأوضح "الصليب الأحمر" أن خارجية النظام قدمت أيضاً ثلاثة أسباب لاعتقاله وهي: "عبور الحدود بشكل غير قانوني، والاتصال بالإرهابيين الهولنديين المقيمين في سوريا، والتجسس لحساب حكومات أجنبية".

وتساءل التحقيق: "لماذا لم يسافر عبر تركيا إلى سوريا والتي كان حينها يتسرب العديد من الجهاديين عبر حدودها إلى سوريا ؟ ولماذا كان صامتاً؟".

"أساليب مبتكرة في التعذيب"

وقال "خالد" الذي كان مع الضحية الهولندي في المعتقل إن الظروف كانت مروعة، حيث يعرف السجناء النهار والليل من خلال إيقاع جلسات التعذيب والوجبات وإنه لا مكان للاستلقاء، لذلك ينام المعتقلون فوق بعضهم البعض، وإن الكلام ممنوع والهمس محفوف بالمخاطر والكاميرات تراقب كل شيء.

وأضاف أن الرجل الهولندي عانى من أقسى جلسات التعذيب في الفرع "279" المعروف باسم "الفرع الخارجي"، وأن الحراس كانوا يشعرون بالملل، "وابتكروا الألعاب ونظموا سباقات عبر ممرات السجن، حيث يجب أن يأخذ كل سجين، سجيناً آخرَ على ظهره، أول اثنين يسقطان من التعب هما أول من يتعرض للتعذيب".

وأوضح خالد أن الرجل الهولندي أخبره أن التعذيب كان أقل حدة في الفرع " 285" المعروف بفرع "أمن الدولة"، لكنه تعرض هناك للضرب بأنابيب بلاستيكية وكابلات حديدية، وعندما كان يأتي الطعام، يقول الحارس "ارفع يديك"، ثم يضربونه على راحة يده،

وأكد خالد أن جلسات التعذيب في الفرع "279" لم تسفر عن أي دليل أو اعترافات، مشيراً إلى أنه تم إلقاء القبض على أجانب آخرين بينهم إيطالي، حيث أُطلق سراحه خلال أسبوع وأميركي أخرجته بلاده أيضاً من المعتقل.

"نوبة قلبية"

وجاء في التحقيق أن ضابطاً كبيراً يعمل في "القصر الرئاسي" لم يذكر اسمه أكد أن "حزب الله" اللبناني سلم الهولندي للنظام، مبيناً أنه مات في الحجز إثر "نوبة قلبية"، في حين ذكر التحقيق أنَّ هذا مصطلح معتاد يستخدمه النظام عند موت أحد الأشخاص تحت التعذيب.

وأشار التقرير إلى أن العائلة الهولندية كانت تتلقى الكثير من الرسائل من سوريا تفيد بأن لديهم معلومات حول الرجل الهولندي، لكنهم يريدون رؤية المال، وأن أحدهم يضلل الأسرة من خلال الادعاء بأنه محتجز في سجن صيدنايا العسكري السوري سيء السمعة.

وتنقل الأسرة هذه المعلومات إلى الخارجية الهولندية، لكن وفقاً لخالد، فهي غير صحيحة "كل هؤلاء محتالون" مضيفاً بأن "حراس الفرع 285 نقلوا رقم الأسرة إلى شركائهم، ويفعلون ذلك كثيراً، حيث يكسب النظام ثروة من خلال ابتزاز أقارب السجناء".

"أمل بالعدالة"

وروى خالد للصحيفة ما حصل معه في عام 2018، وقال إن السجانين طلبوا منه ومن معتقلين آخرين حينها نقل الرجل الهولندي الذي كان مغمىً عليه في زنزانة منفردة إلى المستشفى وبعد فترة سأل خالد السجانين عنه ليجيبوه أنه تم وضعه في طائرة متجهة إلى هولندا.

وبحسب التحقيق الصحفي فإن خالد لديه ثقة كبيرة في الحكومة الهولندية وتضيء عيناه عندما يسمع أن النيابة العامة والخارجية الهولندية أبدتا اهتماماً بالقضية، قائلاً إنه على "آمل أن تفعل هولندا شيئاً لمعاقبة الجناة قبل أن أموت، أريد أن أرى القليل من العدالة".

ويضع خالد "مسبحة" على الطاولة، مصنوعة من الخرز البني المائل للأخضر وهي بذور الزيتون التي كان يأكلها السجناء في "الفرع 285" قائلاً إن "هذا هو آخر شيء صنعناه معاً، فعندما أحملها أبكي أحياناً ثم أفكر فيها".

وقالت "الشبكة السورية لحقوق الإنسان"، في آب الفائت، إن  عدد المختفين قسرياً منذ آذار من عام 2011 حتى آب 2021، بلغ نحو 102287 معظمهم محتجزون لدى النظام، الذي يخفيهم بهدف تحطيمهم وترهيب الشعب كله.